لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تعيش عائلة كرة القدم الكبيرة حول العالم سوق انتقالات بهذه الحماسة، في وقت لم تتم فيه السيطرة بشكل كامل على فيروس كورونا، الذي غيّر الكثير من شكل اللعبة، نتيجة غياب الجماهير وتأجيل فعاليات كبرى وإلغاء بعضها.أوروبا التي تعدّ السوق الأكبر في كرة القدم، نتيجة الإنفاق الهائل الذي يحصل كل سنة، لم تغيّر عادتها رغم الجائحة، فعادت معظم الأندية لتنشط في سوق الانتقالات وتعمل لإعادة بناء فرقها سعياً وراء الألقاب المحلية والقارية.
الدوري الإنكليزي هو الأكثر ربحاً وإنفاقاً (أ ف ب )

الأندية الإنكليزية كانت الأكثر إنفاقاً، وخاصة مانشستر يونايتد الذي ضمّ جايدن سانشو وكريستيانو رونالدو، إضافة الى تشيلسي الذي أعاد روميلو لوكاكو الى لندن وآرسنال الذي تعاقد مع عدد من اللاعبين، بينهم روديغار وقبله نيكولاس بيبي دون أن يحصل على النتيجة المرجوة. أما نادي ليفربول فلم يقم بالسوق المطلوب لكي يعود الى منصات التتويج المحلية ومنافسة ناديَي مانشستر سيتي وتشيلسي بالدرجة الأولى، وفضلت الإدارة الاكتفاء بالأسماء الموجودة.
وعلى عكس الإنكليز، كان السوق في إيطاليا وإسبانيا أكثر هدوءاً نتيجة تركيز بعض الأندية الكبيرة على إعادة هيكلة ميزانياتها. برشلونة الإسباني الذي يعيش فترة انتقالية مع تولي الإدارة الجديدة مسؤولياتها بدأت بورشة كبيرة لهيكلة الرواتب والتخلي عن اللاعبين أصحاب الأجور الهائلة، لذلك تخلّى النادي عن نجمه التاريخي ليونيل ميسي مجاناً... أما في إيطاليا، فقد كان ميلان هادئاً جداً في السوق، فيما كانت المفاجأة في أنتر ميلانو حامل اللقب الذي «فرط» الفريق وباع معظم لاعبيه بسبب عدم رغبة الإدارة بالإنفاق.
وبين هذا وذاك، برز باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي الذي استعمل استراتيجية ذكية جداً، وهي الحصول على معظم اللاعبين مجاناً، وفي مقدمهم ليونيل ميسي والحارس الشاب جيانلويجي دوناروما، وذلك في إطار سعيه للفوز بدوري أبطال أوروبا الموسم المقبل. خطوات النادي الباريسي كانت مدروسة وذكية للغاية، إذ تمكّن من بناء فريق قوي جداً يمكنه الذهاب بعيداً أوروبياً، كما استمرار السيطرة محلياً رغم بعض المضايقات من أندية ليل الشمالي وليون وموناكو.
بدأت الأندية تبحث عن عقود رعاية وعائدات النقل التلفزيوني أولاً


إذا لم يكن السوق هادئاً كما كان متوقعاً، فالأندية التي اعتادت الإنفاق لن توقف عاداتها بسهولة، ورجال الأعمال الذين يشترون الأندية يريدون الاستثمار بالنجوم، بهدف تحقيق أرباح هائلة من عائدات النقل التلفزيوني، إضافة الى عقود الرعاية التي توقّعها معهم كبرى الشركات التجارية في حال كانت أنديتهم تضمّ لاعبي النخبة في أوروبا والعالم.
ومن الأهداف المهمة للعودة الى السوق بقوة من قبل بعض الأندية، هي العمل الدؤوب الذي تقوم بها خصوصاً الأندية الإنكليزية ــــ وأندية النخبة في فرنسا (باريس سان جيرمان ــــ مارسيليا ــــ موناكو ــــ ليل وليون)، إضافة الى ميلان وأنتر ويوفنتوس في إيطاليا والريال وبرشلونة في إسبانيا ــــ من أجل توسيع أسواقها الى شرق آسيا، وخاصة الصين، وذلك من أجل تحقيق أرباح هائلة من بيع الملابس وعقود الرعاية وفتح استثمارات وشراكات رياضية هناك.
السوق التاريخي يحمل أبعاداً أكثر من تلك الرياضية، الى محاولة كسب الأموال لتسكير الخسائر التي سجلها البعض خلال فترة الإغلاق، والتي أثّرت سلباً على خزائن معظم الأندية وخاصة مع رفض عدد كبير من اللاعبين المسّ برواتبهم وأرباحهم المالية. السوق «التاريخي» يؤكد أن كرة القدم أصبحت في مكان آخر تماماً، وباتت تزداد «توحشاً» من ناحية سعي الأندية ورجال الأعمال من أجل المال، وبالتالي فإن الفوارق بين الأندية ستزيد، ومن يملك المال لن تؤثر عليه الأزمات العامة، وبات المطلوب من الأندية الأخرى وضع استراتيجيات جديدة لردم الهوّة التي بدأت تتّسع...