العودة إلى الماضي البعيد وقبل «قانون بوسمان» وغيره من التغييرات التي شهدتها كرة القدم في العالم، كان اللاعبون أشبه بأوراق اللعب في أيدي رؤساء الأندية والمسؤولين عنها. في تلك الأيام الماضية كان الرئيس والمدرب والمسؤول يمنع أي لاعبٍ من الرحيل ويحكم مصيره أو ربما يبيعه إلى نادٍ آخر بعكس إرادته.لكن كرة القدم تغيّرت اليوم كثيراً بالنسبة إلى اللاعبين، ليس فقط من ناحية اللباس الذي يرتدونه أو لناحية الأموال الطائلة التي يحصلون عليها، فهم أصبحوا الأقوى في عالم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، وهم حكامها والمتحكّمون بها بعدما أصبحت لهم حصة الأسد في ميزان القوى الخاص بالعقود التي يبرمونها مع أنديتهم.
فعلاً لا مكان للمناصفة هنا، فاللاعب هو الملك في أي حالة مرتبطة بتمديد أو تجديد العقد، فهو الذي يطلب وهو الذي يقرر، وغالباً ما تكون النتيجة لمصلحته.
الوضع صعب فعلاً على الأندية التي بدأت تفقد سطوتها أكثر فأكثر لدرجةٍ لم تعُد تستطيع في بعض الأحيان إجبار اللاعب على خوض المباراة أو الالتزام بنظامها الداخلي أو منعه من التصريح أو فرض انضباط عليه في ما خصّ تصرفاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر.

تمرّد وحروب
دافيد ألابا كان آخر «المتمردين». نجم دفاع بايرن ميونيخ نشأ في أكاديمية النادي الكبير التي وصل إليها في سن السادسة عشرة، ومن ثم تحوّل إلى نجم كبير بعدما استثمر المدربون والمسؤولون فيه حتى أوصلوه إلى ما هو عليه. صعد النمسوي درج النجومية بسرعة ورفع بايرن من قيمته المالية وأعطاه ما يستحق، لكنه أراد أكثر.
ألابا اليوم هو واحد من نجومٍ كثيرين أداروا ظهرهم لمن لهم فضل عليهم، أو لنقل إنه واحد من لاعبين كثر أرادوا البحث عن مصلحتهم حصراً دون الاكتراث للرابط العاطفي المفترض أن يكون بين طرفي العقد وبين اللاعبين أنفسهم والجمهور.
النمسوي سيرحل قريباً عن بايرن ليبحث عن راتبٍ أكبر في مكانٍ آخر، وهو ما سيحصل عليه بالتأكيد، تماماً كما فعل يوماً البرازيلي كوتينيو مثلاً الذي لا شك في أنه يندم اليوم على تركه ليفربول الإنكليزي، بعدما كان نجمه الأول ليخضع لإغراءات برشلونة الإسباني الذي عرض عليه ملايين أكثر.
ما يوجّه النجوم اليوم ثلاثة أشياء: جشع وكلائهم، طمعهم بالمال، ومزاجيتهم


وحالة الطمع بالمال ليست غريبة عن عالم كرة القدم، وباتت تعكس فعلاً قوة اللاعب في تحديد مصيره، وقوته التي توجّه ضربات قاسية لناديه. قوةٌ انعكست في حالات أخرى بأوجهٍ مختلفة، فها هو النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي يعيش حرباً مستمرة انتصر في غالبية معاركها على إدارة برشلونة حيث لم يتردّد في أيّ لحظة لانتقادها أو مهاجمة رئيسها جوسيب ماريا بارتوميو وتسبّبه برحيله، ومن ثم اتخاذه بدوره قرار الرحيل الشخصي، والمتوقّع حصوله بالنسبة إلى كثيرين خلال الصيف.
ومسألة «تطيير الرؤوس» ليست غريبة، إذ لا كبير بالنسبة إلى اللاعبين، والمثال الأبرز على هذه النقطة هو ما حصل مع المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري الذي قاد ليستر سيتي إلى لقبٍ تاريخي في الدوري الإنكليزي الممتاز، لكن ما إن اصطدم بنجم الفريق جايمي فاردي والحارس الدنماركي كاسبر شمايكل حتى وجد الإقالة بانتظاره بعدما دفع الثنائي المذكور مالك النادي لاتخاذ هذا القرار غير العادل.

لا حدود للنجوم
إذاً لا حدود لما يمكن أن يقدم عليه النجوم، إذ قبل انتقاله إلى فنربخشه التركي أخيراً، جلس النجم الألماني مسعود أوزيل في منزله مطلقاً آراء سياسية وغيرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أضرّت مالياً بفريقه السابق آرسنال الإنكليزي. هو لم يكترث لهذا الأمر ولم يكترث بإبعاده من الحسابات الفنية طالما أنه كان يحصل على راتبه الضخم الذي صُنّف الأعلى بين نجوم «الغانرز»، ففرض خروجه من النادي اللندني من دون أن يدفع أي غرامة بسبب تصرفاته أو فسخه لعقده.
بالفعل لا يمكن لأيّ نادٍ أن يفرض على اللاعب وجوده في الملعب. حالة عرفها آرسنال نفسه مع التشيلياني أليكسيس سانشيز الذي رفض اللعب بعدما أراد الانتقال إلى الغريم مانشستر يونايتد، وعرفها ساوثمبتون في حالة الهولندي فيرجيل فان دايك الذي قرر ترك ساوثمبتون للذهاب إلى فريقٍ إنكليزي آخر هو ليفربول.
كما ظهرت الحالة نفسها في إسبانيا مع اعتكاف الويلزي غاريث بايل عن خوض التمارين بعد تجاهله من قبل مدرب ريال مدريد الفرنسي زين الدين زيدان، حيث دأب على ممارسة رياضة الغولف مجاهراً بهذا النشاط، ومسروراً لحصوله على راتبه الكبير الذي لم يكن بإمكان النادي الملكي التملّص منه.
لكن الأسوأ من حالات الانتقالات هذه هي مسائل أخرى ترتبط مثلاً بأهواء اللاعب على غرار الفرنسي بول بوغبا الذي جعل كل إدارة مانشستر يونايتد والمدرب النروجي أولي غونار سولشاير مجرد متفرجين قبل عامين، عندما تجاهل نصائح الكادر الطبي في النادي وسافر إلى فرنسا لتلقي العلاج بعد إصابته في الكاحل. واللافت وقتذاك أن يونايتد لم يستطِع ذكر أي تفاصيل في بيان تبريره لسفر اللاعب بسبب بقائه منتظراً معلومات من الأخير حول وضعه، حيث كان يجهل حتى الخطوات التي يتخذها في رحلة العلاج!
ببساطة السيناريو يتكرر بأوجهٍ مختلفة، وتتزايد حالات التمرّد وتفوّق اللاعبين على الأندية من دون رحمة أو وفاء، بل إن ما يوجّه النجوم اليوم هو ثلاثة أشياء: جشع وكلائهم، طمعهم الشخصي بالمال، ومزاجيتهم التي لا تبدّلها مسألة الفوز والاحتفالات بالألقاب.