اعتاد زين الدين زيدان أن يكون في عين العاصفة في ريال مدريد، لكنه أيضاً عرف غالباً كيفية الخروج منها سالماً. لكن هذه المرّة تبدو الأمور مختلفة جداً، إذ إن الأزمة ضربت نادي العاصمة الإسبانية بقوة، وبات مصير "زيزو" معلّقاً بمباريات قليلة ومحددة، وخصوصاً بعد الخسارة الأخيرة أمام شاختار دونتسك الأوكراني الثلاثاء الماضي في دوري أبطال أوروبا، وهي كانت الثانية على التوالي لبطل "الليغا"، والثانية أيضاً أمام الفريق عينه. هذا يعني أن المباراة الأخيرة لريال مدريد أمام بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني في دور المجموعات للمسابقة القارية ستحدّد مصير زيدان، إذ إن إحراز لقب الدوري في الموسم الماضي لن يحميه لأنه كما هو معلوم، فإن اللقب الأوروبي هو رغبة دائمة في ما خصّ النادي الملكي، وكان سبباً رئيساً في إقالة العديد من المدربين الذين لم يتمكنوا من الارتقاء الى مستوى التحدي قارياً كما كان الحال محلياً.لذا، بالتأكيد لن يقبل رئيس النادي فلورنتينو بيريز أن يجد فريقه منافساً في مسابقة "يوروبا ليغ"، وهو بالتأكيد ليس راضياً بأن يقف الريال في المركز الرابع في الدوري الإسباني متأخراً بفارق 7 نقاطٍ عن ريال سوسييداد المتصدر (لعب مباراة أكثر). كما أن الجار أتلتيكو مدريد يقف على بعد 6 نقاط في المقدمة، وقد لعب مباراة أقل من غريمه.
كل هذا يعني أمراً واحداً وهو أن المباريات أمام إشبيلية وغلادباخ وأتلتيكو مدريد ستكون الفرصة الأخيرة لزيدان لإنقاذ نفسه، وهو الذي أكد عدم نيّته الاستقالة من منصبه، وذلك في وقتٍ نقل فيه العديد من وسائل الإعلام الإسبانية أن رأسه أصبح تحت المقصلة، وهناك تحضير للمفاضلة بين ابن النادي راوول غونزاليس، والأرجنتيني ماوريتسيو بوتشيتينو لتسلّم الدفة الفنية.

مشاكل في كل الخطوط
الواقع أن أداء ريال مدريد في الفترة الأخيرة عكس مشاكل واضحة في مختلف الخطوط. بدايةً من الدفاع الذي تحوّل الى فضيحة فعلية، وخصوصاً في ظل الأخطاء التي لا تحصى للفرنسي رافايل فاران الذي يحظى بثقة مطلقة من زيدان، فالأخير لم يقتنع بعد أن عليه إبعاد مواطنه لفترةٍ ليست بقصيرة لكي يستعيد تركيزه المفقود، والذي دفعه الى ارتكاب أخطاء مباشرة تسبّبت باهتزاز شباك فريقه.
وإذا كانت مسألة عدم التفاوض الواضح مع القائد سيرخيو راموس حول تجديد عقده الذي ينتهي مع نهاية الموسم الماضي، وهو أمر لا بدّ أن يؤثر سلباً على أدائه، فإنه يبدو من الصعب تعويض ثنائية راموس – فاران التي كانت ناجحة يوماً ما. وهنا الحديث عن الاستعانة بالبرازيلي إيدير ميليتاو الذي كلّف الريال 50 مليون يورو عند التعاقد معه من بورتو البرتغالي، لكنه حتى اليوم لم يرتقِ الى مستوى قيادة دفاع "الميرينغي" أو تعويض غياب أحد قطبَي خط الظهر بشكلٍ مثالي.
هذا الخط لم يجد له زيدان الحلول أصلاً عند غياب الظهير الأيمن داني كارفاخال، وهو ما دفع الفرنسي الى الاعتماد على الجناح لوكاس فاسكيز في المباراة الأخيرة لتغطية غياب الدولي الإسباني، وهو الذي لم يثق في هذا المركز بأي أحدٍ غيره، والدليل تخلّيه في الموسم الماضي عن الفارو أودريوزولا الذي ذهب معاراً الى بايرن ميونيخ الألماني ليحتفل معه في النهاية بلقب دوري الأبطال.
المدرب المقبل لريال مدريد سيكون راوول غونزاليس أو ماوريتسيو بوتشيتينو


كذلك، لا بدّ من الإشارة الى أن زيدان فقد ثقة عددٍ من اللاعبين الكبار، أمثال البرازيلي مارسيلو الذي لم يعد ضمن حسابات المدرب، وهو ما يعقّد أكثر الوضع العام في الفريق.
هذا الوضع المعقّد من خلال عدم إيجاد زيدان بدلاء لبعض اللاعبين الذين يبدو أنه لا يمكن تعويضهم، على غرار البرازيلي كاسيميرو الذي لا يمكن استبداله بأي لاعبٍ آخر. وكذلك بالنسبة الى الألماني طوني كروس، رغم بروز موهبة الأوروغوياني فيديريكو فالفيردي، ودخول النروجي مارتن أوديغارد على الخط، لكن من دون أن يصوّر نفسه حتى الآن نجماً كبيراً على صورة الكرواتي لوكا مودريتش إذا صحّ التشبيه.
وانطلاقاً من خط الوسط، يبدو زيدان في مأزقٍ أيضاً، وخصوصاً في ما خصّ الشق الهجومي، إذ إن لعنة الإصابة التي لم ترحم البلجيكي إيدين هازار منذ وصوله الى إسبانيا قلّصت من فعالية الفريق هجومياً. صحيح أن البرازيليين فينيسيوس جونيور ورودريغو لديهما موهبة كبيرة، لكنهما لم يصلا الى مرتبةٍ تخوّلهما حسم المباريات الكبيرة أو إخراج الفريق من الورطة في المواجهات الصعبة. ويضاف الى هذا الكلام عدم اقتناع زيدان يوماً بموهبة إيسكو الذي يعدّ في نظره لاعباً احتياطياً، ولم يكن حتى يمانع الاستغناء عنه لو سنحت الفرصة له، تماماً كما فعل في حالة الكولومبي خاميس رودريغيز والويلزي غاريث بايل اللذين كانا سيخلقان له حلولاً ناجعة لو بقيا في الفريق.
وبالحديث عن الهجوم، تبدو المشكلة أعمق عندما يتوقف الأمر عند التهديف، إذ يبدو اللاعب الوحيد القادر على ملء مركز رأس الحربة بنجاح هو الفرنسي كريم بنزيما، إذ إن الصربي لوكا يوفيتش لم يتمكن من الاستقرار في العاصمة الإسبانية، بينما قتل مقعد البدلاء موهبة ماريانو دياز الذي أطلّ على النجومية كهدافٍ مرعب قبل قدومه من ليون الفرنسي.

بوتشيتينو أم راوول؟
وفي خضم حاجة ريال مدريد إلى اقتحام السوق الشتوية في مطلع السنة الجديدة لتذويب مشاكله الكثيرة، فإن السؤال هو إذا ما كان زيدان سيكمل هذه السنة مع الفريق الملكي أم سيحل مكانه مدرب آخر.
هنا يبرز اسمان، الأول هو ماوريسيو بوتشيتينو الذي يعرف متطلبات الكرة الإسبانية جيّداً، والذي منذ إقالته من تدريب توتنهام هوتسبر الإنكليزي منذ أكثر من عام، ارتبط اسمه بأندية كبيرة في أوروبا، أمثال مانشستر يونايتد في إنكلترا، وباريس سان جيرمان في فرنسا. والأهم على هذا الصعيد أن بوتشيتينو هو أحد المدربين المفضّلين بالنسبة الى الرئيس بيريز الذي حاول ضمّه من توتنهام قبل عامين.
لكن بيريز نفسه لا يمانع تكرار تجربة زيدان من خلال إسناد المهمة الى أحد أساطير النادي، وهو راوول الذي لمع اسمه في "سانتياغو برنابيو" بين عامَي 1994 و2010، والذي يقدّم عملاً كبيراً مع الفريق الرديف للريال بالتنسيق مع المدرب السابق لهذا الفريق، أي زيدان. كما أنه قاد فريق الأكاديمية الى لقب بطولة أوروبا للشباب للمرة الأولى في تاريخه، ما يرفع أسهمه كون الفريق بحاجةٍ الى إعادة تأسيس ليسير مجدداً على الطريق الصحيح.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا