كلامٌ كثير ممزوج بالإصرار حول تودّد مدرب برشلونة الجديد رونالد كومان لقائد الفريق ليونيل ميسي فور وصوله إلى "كامب نو". البعض حكى عن دورٍ حاول الهولندي أن يلعبه لاقناع الأرجنتيني بتجديد عقده، وكلامٌ أيضاً عن حديثٍ مباشر جمع الرجلين، وكان خلاله المدافع السابق واضحاً مع النجم الأول مشيراً إليه بأنه سيكون المدماك الأساسي الذي سيبني فريقه الجديد عليه.لكن لا يمكن إسقاط الكلام الأهم حول عدم تصرّف كومان بشكلٍ وديّ تام مع ميسي، وهو كلامٌ قد يستغربه البعض، وسيفهمه حصراً من يتابعون بدقّة ملفات قدوم المدربين ورحيلهم عن النادي الكاتالوني.
الواضح أن جمهور برشلونة تشبّث بأمل اللقاء أو الاتصال بين كومان وميسي علّه يبدّل من موقف الأخير، لكن "ليو" خرج مصرّاً أكثر على الرحيل، ما يشير إلى احتمال شنّ الهولندي لهجومٍ استباقي من خلال توجيه كلامٍ جديّ ومحدّد ومتفّق عليه مع الإدارة من أجل إيصال رسالة واضحة إلى صاحب القميص الرقم 10 مفادها أن الأمور تغيّرت مقارنةً بما كانت عليه سابقاً.
وهنا الحديث عن تأثير ميسي في الاستراتيجية العامة للنادي، وتحديداً في ما خصّ اختيار المدربين، وفي ما خصّ الخيارات الفنية لهؤلاء، هو أمر تعرفه الدائرة الضيّقة في "البرسا"، ويعرفه كومان بلا شك، تماماً كما يعلم بأن طريقة ميسي في تقبّله لن تكون بهذه البساطة، وخصوصاً أنه جاء إلى النادي بقرارٍ من "عدو" الأرجنتيني حالياً أي الرئيس جوسيب ماريا بارتوميو.
برشلونة ومنذ رحيل جوسيب غوارديولا هو نادٍ أداره اللاعبون


عملياً يحكى أن برشلونة ومنذ رحيل جوسيب غوارديولا هو نادٍ أداره اللاعبون. لكن ليس كل اللاعبين، فهناك ميسي الذي يلعب رأس الحربة في هذا الإطار، ومعه جيرار بيكيه وسيرجيو بوسكتس على وجه التحديد. هؤلاء كان لهم تأثيرهم في المجموعة منذ وصول غوارديولا إلى رأس الجهاز الفني، وهو الذي أراده الهولندي الراحل يوهان كرويف منفّذاً لتعليماته أو للثقافة التي زرعها في النادي.
منذ "بيب" بدا جليّاً أن برشلونة لا يريد مدرباً صاحب اسمٍ كبير، وهو الذي لم يتعاقد مع مدربٍ صاحب باعٍ طويل على الساحة العالمية منذ عودة الهولندي لويس فان غال إليه في عام 2002. بعدها حلّ الصربي رادومير أنتيتش لفترةٍ قصيرة، وخلفه هولندي آخر هو فرانك رايكارد الذي وقبل وصوله إلى كاتالونيا كان قد هبط مع سبارتا روتردام إلى الدرجة الثانية في بلاده!
صحيح أن رايكارد سجّل نجاحاً وقاد الفريق إلى لقب دوري أبطال أوروبا عام 2006، وصحيح أن غوارديولا فعل أشياء أكبر بكثير، لكنّ الاثنين لم يصلا وهما يحملان سيرةً ذاتية كبيرة، فواصل برشلونة بعد رحيلهما السير في النهج نفسه.
نهجٌ سار بحسب ما يريده ميسي وعصابته بعد تعاظم قوته بحكم تألقه غير العادي، فكان وصول الراحل تيتو فيلانوفا برضاه، وبعده تعيين الأرجنتيني جيراردو "تاتا" مارتينو بطلبٍ منه، وكذا عند اختيار لويس إنريكه (لم يحمل خبرةً كبيرة أو إنجازات وقتذاك) للمهمة. كما أن مشاكل ميسي مع الإدارة اشتعلت أكثر عندما طلب عدم إقالة إرنستو فالفيردي، في وقتٍ قيل بأنه لم يكن راضياً أصلاً عن تعيين كيكي سيتيين خلفاً له.


إذاً جاء كومان أيضاً بعكس ما أراد "الرئيس" ميسي الذي كان يفضّل زميله السابق شافي هرنانديز المتريث لقبول المنصب. لكن الأمور أبعد من مجرّد اسم مدرب، والدليل أن ردّة الفعل الأولى من الأرجنتيني عندما طالب بالرحيل كانت بسبب المسّ بزملائه المفضّلين في الملعب وعلى رأسهم الأوروغوياني لويس سواريز والتشيلياني أرتورو فيدال.
هذا يعني بوضوح أن ميسي هو أيضاً مدرب في ما خصّ الخيارات المرتبطة بسياسة التعاقدات. والأكيد أنه لا يمكن إنكار هذا الأمر، فهو طلب فيدال بالاسم لسببٍ فني بسيط يُختصر بأنه وصل إلى مرحلةٍ لا يهوى فيها الركض خلف الكرة في العمق الدفاعي، فجاء بلاعبٍ يحمي ظهره ويقوم بتنظيف المساحة خلفه بدلاً من بذله المجهود في العملية الدفاعية.
وربما يجد البعض في هذا الكلام مبالغة، لكنّ مثلاً آخر يعكس أن "اسطورة" برشلونة هو من يدير الأمور هناك في "كامب نو"، إذ عند طلبه عودة نيمار سارعت الإدارة إلى بدء التفاوض مع باريس سان جيرمان في الصيف الماضي، ومن ثم كشفت بعد فشلها في تحقيق مبتغاها أن جلوسها إلى طاولة النادي الفرنسي كان بسبب رغبة واضحة من قائد الفريق لإعادة تشكيل خط هجومٍ ناري مع البرازيلي وسواريز.
كان لميسي وبيكيه وبوسكيتس الكلمة العليا في النادي لفترة طويلة


من هنا، حتى لو رحل ميسي فإن "الانتفاضة الصامتة" ستكون حاضرة في برشلونة، وهو أمر تعكسه المشاهد التلفزيونية للتدريبات الأولى حيث يبدو القلق في عينَي كومان، والهدوء المريب في تعامل اللاعبين مع بعضهم البعض حيث غابت الضحكات ولقطات المزاح المعتاد. كما أن صمت كل اللاعبين بشكلٍ غريب ما عدا سواريز وفيدال اللذين فاجآ الكل بطلبهما من ميسي البقاء حتى لو رحلا، يترك قناعةً بأن طريق كومان ستكون مليئة بالألغام، وهو الأمر الذي ربما دفع الرجل إلى وضع لائحة طويلة من اللاعبين الذين لا يريدهم في تشكيلته.
هي مسألة مبرّرة، إذ أن طيف ميسي سيبقى حاضراً عند كل عقبة، فما من أحدٍ يفضّل الفريق من دونه، لا بل إن بعض النجوم مثل البرتغاليين نيلسون سيميدو وترينكاو (المنتقل حديثاً من براغا) والهولندي فرانكي دي يونغ لم يترددوا في قبول الدفاع عن ألوان "البلاوغرانا" فقط لتحقيق حلمهم باللعب إلى جانب أفضل لاعب في تاريخ النادي. لاعبٌ قيل غالباً بأنه لا يملك شخصية قيادية، لكنه بلا شك له الكلمة الأقوى في غرفة الملابس والأكثر تأثيراً في زملائه، والتي تطغى على محاضرات المدربين قبل أي مباراة.
ببساطة صحيح أن برشلونة أكثر من نادٍ، لكن ميسي أكبر من أي مدرب، وهي المعادلة التي ستترسّخ أكثر في حال انكسار الكل له وطبعاً في حال قرر البقاء، وهو أمر مستبعد كثيراً في الوقت الحالي، لكنه قد يُحسم اليوم بعد اجتماع والده ووكيل أعماله خورخي مع إدارة النادي الكاتالوني لتحديد مستقبل العلاقة بين الطرفين المتنازعين بعنف.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا