عاد عزف موسيقى دوري أبطال أوروبا وعادت معه الإثارة التي وصلت إلى مستويات عالية في نهاية الأسبوع مع 4 مباريات تركت قناعةً بأن الدور ربع النهائي الذي سيُلعب بنظام خروج المغلوب سيترك مشاهدة استثنائية بفعل عدم وجود أفضلية الأرض هذه المرّة أي بحكم عدم اعتماد نظام الذهاب والإياب ضمن الإجراءات التي فرضها تفشي وباء «كورونا».من هنا، ستكون الفرق مجبرة على تقديم كل ما لديها على مدار 90 دقيقة من خلال مجهود مضاعف للاعبين لكي يخرجوا من المباراة محتفلين، وذلك كون الفوز باللقب هذه المرّة سيخلّد بشكلٍ مميّز في تاريخ المسابقة القارية الأم، التي سيسجّل التاريخ صورة جديدة لها في العاصمة البرتغالية لشبونة المضيفة للأداور النهائية.

صراع العقول لغوارديولا
قبل أمسية الجمعة سأل كثيرون حول قدرة مانشستر سيتي الإنكليزي على تخطي ريال مدريد الإسباني رغم تفّوقه عليه ذهاباً (2 – 1) في سانتياغو برنابيو. كثيرون رأوا في فريق المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا نقاط ضعف، ربما أبرزها عدم توجّهه غالباً إلى تبديل استراتيجيته عند تأثّره ببعض الغيابات عنه، وأهمها طبعاً كانت إصابة الهداف الأرجنتيني سيرجيو اغويرو. لكن بيب بقي مصرّاً على خطته الهجومية المستندة إلى استراتيجية (4-3-3)، متجاهلاً مسألة وجود رأس حربة وحيد لديه في التشكيلة. هنا اعتمد الإسباني على غابريال جيسوس فكان رهانه في محلّه، ولو أن الفريق افتقد إلى اللمسة القاتلة لترجمة فرصه في فترات كثيرة من اللقاء. البرازيلي ولأول مرة في مبارياته الـ22 في دوري الأبطال يمرّر ويسجّل في آنٍ معاً فكان الفوز (2 – 1) من نصيب السيتيزنس. فوزٌ لم يكن جيسوس نجمه الأول أو غوارديولا مهندسه لوحده، إذ إن تفوّق الأخير على نظيره الفرنسي زين الدين زيدان كان بعد الكارثة التي عرفها الأخير وحملت اسم مواطنه رافايل فاران، الذي أهدى الإنكليز هدفين، ليصبح تاسع لاعب فقط في المواسم العشرة الأخيرة يتسبّب باهتزاز شباكه مرتين في نفس المباراة!
كارثة فاران كانت تحت أنظار القائد سيرجيو راموس الموقوف والتي دفعت بعض وسائل الإعلام المدريدية إلى الطلب من النادي الملكي تمديد عقده إلى الأبد بعد فضيحة استاد الإمارات.

ليون يطرد ساري
في نفس الليلة سجل ليون الفرنسي المفاجأة الكبرى. الفريق الذي أنهى الموسم في فرنسا خالي الوفاض، والذي احتل المركز السابع غير المؤهل إلى أي مسابقة أوروبية في الموسم المقبل، أطاح بيوفنتوس بطل إيطاليا رغم خسارته أمام 1 – 2 (فاز 1 – 0 ذهاباً).
لكن تأهل ليون ليس هو ما يمكن التوقف عنده مطوّلاً، ولو أن ما فعله كان أشبه بالمستحيل، وهو إنجاز احترق إعلامياً بفعل الكلام الواسع عن خروج يوفنتوس وما تلاه من ارتدادات هذا الإقصاء.
يقام الدور ربع النهائي ابتداء من الأربعاء بنظام خروج المغلوب


خيبة ربما توقّعها عدد كبير من محبي اليوفي لكن ليس في هذه المرحلة المبكرة من المسابقة، فالفريق ولو أنه فاز بلقب «السكوديتو» للموسم التاسع توالياً، فقد كان يؤدي بطريقة سيئة تحت قيادة المدرب ماوريتسيو ساري الذي لم يتمكن من دمج أفكاره بأساليب لعب عناصره، فحلّت النكبة المحرجة التي كان لا بدّ أن تكون نتيجتها إقالة المدير الفني، حيث حلّ مكانه سريعاً نجم وسط الفريق السابق اندريا بيرلو. اختيار ربما يدلّ على أن ساري ليس المشكلة الوحيدة أو حتى الأساسية في النادي الإيطالي، إذ إن بيرلو بدأ عمله مدرباً منذ حوالى 10 أيام فقط مع الفريق الرديف ليوفنتوس، ما يعني أنه لا يملك الخبرة الكافية لإدارة فريقٍ مليء بالنجوم. هنا نعود إلى أصل المشكلة وهي الإدارة تحديداً ومن كانت لهم السلطة المطلقة في تحديد سياسة الانتقالات في المواسم الأخيرة أي الرئيس اندريا أنييلي ونائبه التشيكي بافل ندفيد. الرجلان لم يمانعا صرف المبالغ الكبيرة (في غير محلها أحياناً) لإبرام التعاقدات أو تكديس اللاعبين في التشكيلة، لكن أخطاء إدارتهما تراكمت، إذ إن العودة إلى زمنٍ مضى تكشف أنها استغنت عن الكثير من النجوم الذين كانوا في فترةٍ من الفترات الأفضل في مراكزهم في أوروبا، أمثال الفرنسي بول بوغبا والتشيلياني أرتورو فيدال وغيرهم.
أنييلي وجماعته ظنوا إن باستقدامهم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو فإنهم سيعانقون المجد الأوروبي. فعلاً يفعل رونالدو أشياء لا تصدّق على أرض الملعب في بطولته المفضّلة التي اقترنت باسمه، وهو فعلها أمام ليون، لكنه لا يستطيع أن يقوم بكل شيءٍ لوحده، ما يعيدنا إلى نقطة البداية، وهي أن نادي السيدة العجوز يحتاج بأسرع وقتٍ ممكن إلى إعادة بناء قبل أن يخسر أكثر مما خسره، وربما رونالدو نفسه بعد تراكم الخيبات القارية.

برشلونة بمزاج ميسي
فريقٌ إيطالي آخر ودّع المسابقة هو نابولي الذي سقط (1 – 3) أمام برشلونة الإسباني بعدما عادله (1-1) ذهاباً. سقوطٌ لفريق الجنوب الإيطالي كان بفعل المزاج الجيّد لقائد البرسا الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي حمل فريقه إلى دور الثمانية للمرة الـ 13 توالياً.
هذا التأهل شكّك البعض في إمكانية حصوله ولو أن برشلونة حقق نتيجة إيجابية في مباراة الذهاب، إذ إن خيبة خسارة لقب الدوري الإسباني وعودة الفريق بأداءٍ هزيل بعد فترة التوقف، والغيابات عن تشكيلة المدرب كيكي سيتيين، تركت قناعة بأن الفريق الكاتالوني لن يطيل المشوار في دوري الأبطال.
ميسي كان المفتاح بقيامه بدوره البطولي المعتاد من كل النواحي فرجّح كفة فريقه، وهي نقطة كانت مقلقة في المراحل الحاسمة من الدوري الإسباني لأن تعطيل النجم الأرجنتيني يعني تدمير المنظومة الكاتالونية. لكن يمكن لهذه الأفكار أن تتبدّل بعد ظهور الأورواغوياني لويس سواريز مجدداً بموقف الداعم المجتهد، وبعد عودة العمل الجماعي إلى الفريق، وطبعاً مع بروز لاعب الوسط الهولندي فرانكي دي يونغ الذي كان ثاني أفضل لاعبي المباراة بعد ميسي.
ورغم سلّة الإيجابيات، فقد برز بعض السلبيات التي يمكن أن يستغلها الخصم المقبل بسهولة لإقصاء برشلونة، ومنها افتقاد الفريق إلى النسق السريع لفترات طويلة، وانخفاض مستوى فعاليته أمام المرمى والإرباك في التنسيق بين خطي الوسط والدفاع أحياناً في المهام الدفاعية، وهي مسألة كانت جليّة في حالة ركلة الجزاء التي تسبّب بها الكرواتي ايفان راكيتيتش.

بايرن لا يرحم
الخصم المقبل لبرشلونة فعلاً سيكون صعباً بحسب ما ترك انطباعات في الفترة الأخيرة، إذ إن بايرن ميونيخ الألماني، والذي تخطى تشلسي الإنكليزي بنتيجة (7 – 1) بمجموع المباراتين (3 – 0 ذهاباً، و4 – 1 إياباً)، قدّم نفسه كأحد المرشّحين الأوائل للفوز باللقب الأوروبي.
الفريق البافاري الساعي إلى ثلاثية تاريخية لم يتبدّل على صعيد الأداء رغم إنهائه الموسم المحلي قبل البقية، فعكس ما قدّمه محلياً على الساحة الأوروبية، فائزاً من دون معاناة على نظيره اللندني، ليدخل موقعة برشلونة الجمعة المقبلة حاملاً 18 انتصاراً متتالياً في مختلف المسابقات.
رقمٌ مخيف تماماً كرقم هدافه البولندي روبرت ليفاندوفسكي الذي ابتعد بصدارة الهدافين برصيد 13 هدفاً بعد توقيعه على هدفين مساء السبت. لكن بعكس برشلونة «ليفا» ليس كل شيء في الفريق، اذ إن بطل البوندسليغا للموسم الثامن توالياً، يتسلّح بثقة عالية بالنفس عند كل اللاعبين جعلت من الاحتياطيين حتى عناصر قادرة على تغيير وجه المباراة بسرعة. وعند كلمة السرعة نتوقف تحديداً، إذ إن مباغتة الخصم هي السمة الأبرز من خلال تنويع طريقة اللعب هجومياً، وهو ما افتقده الفريق أيام المدرب السابق الكرواتي نيكو كوفاتش. وربما في مشهد الهدف الثاني الذي سجله الكرواتي ايفان بيريسيتش يتضح كل شيء، فالطريقة التي خلق من خلالها لاعبو الوسط لليفاندوفسكي المساحة لتمرير الكرة الحاسمة هي درس تكتيكي عالٍ لا شك في أن المدرب هانزي فليك عمل عليه طوال الأسابيع الخمسة التي لم يخُض خلالها الفريق أي مباراة رسمية، وهو الذي بدا وكأنه لم يتأثر بموضوع الابتعاد عن المباريات لفترة ليست قصيرة بسبب شدّة تركيز نجومه على تقديم الأفضل على أرضية الميدان.
أما تشلسي فيبدو أنه ليس هناك الكثير للحديث عنه في ظل الغيابات الكثيرة التي عاناها، وفي ظل دخول لاعبيه أصلاً وكأنهم فقدوا الأمل قبل وصولهم إلى ميونيخ، وللإدراك المسبق أن مشوار الفريق اللندني أوروبياً لم يكن ليحمل الكثير هذا الموسم في ظل عدم قدرته على التحرّك في سوق الانتقالات العام الماضي، وهو ما يمكن أن يعوّضه هذا الصيف لكي يكون حاضراً بين كبار القارة في الموسم المقبل.