تغيّرات كبيرة طرأت على كرة القدم خلال السنوات الأخيرة. اللعبة الشعبية الأولى باتت أكثر «توحّشاً». الطريقة التي تدار بها اللعبة اليوم في العالم وخاصة في أوروبا باتت مزعجة بشكل لا يُصدق، فالأموال باتت أهم من أي شيء آخر. بفعل زيادة القاعدة الجماهيرية للعبة حول العالم، زادت عائدات النقل التلفزيوني، ما عاد على الأندية واللاعبين بأموالٍ خيالية. في ظل هذه الطفرة المالية، زادت مَهام اللاعبين وتجاوزت المستطيل الأخضر ليتوجهوا إلى توكيل أشخاص معنيين بإدارة الأمور المالية والدعائية وما إلى ذلك. هنا برز دور وكلاء الأعمال، حيتان المال في عالم كرة القدم.في المراحل الأولى من بروز كرة القدم، لم يكن هناك داعٍ لوجود شخص يُعنى بتسيير أمور اللاعب، حيث كان اللاعبون يتولون كلّ المهمات المتعلقة بوظيفتهم، والتي كان يقتصر أغلبها حينها على توقيع عقد مع نادٍ ما وفسخ عقد مع آخر. مع تطوّر اللعبة، وزيادة أهمية ومهام اللاعبين، ظهرت الحاجة إلى وجود شخص يُعنى بأمور اللاعب داخل وخارج المستطيل الأخضر، فبرز الوكلاء الذين أصبحوا مع مرور السنوات حجراً ثابتاً في اللعبة.
بدأ وكيل الأعمال يتخذ صفة رسمية في كرة القدم مع بداية ستينيات القرن الماضي، وكان رجل الأعمال الأميركي مارك ماكروماك أول من أضاء على هذه المهنة، بعد أن ساهم في انتقال اللاعب الويلزي جون تشارلز إلى يوفنتوس الإيطالي مقابل ما يساوي اليوم 65 ألف يورو، علماً أن قيمته السوقية حينها كانت تقدّر بـ30 ألف يورو فقط. زادت أهمية وكلاء اللاعبين مع مطلع التسعينيات، غير أنّ عدد المعتمدين منهم وصل إلى ثلاثة فقط، ليتضاعف هذا العدد ثلاث مرات عام 2002 وصولاً إلى 33 وكيل أعمال، بعد أن وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم ثقته في المؤسسات الفردية للتعامل مع منح التراخيص ومراقبة عمل الوكلاء. مع مرور السنوات، تضاعفت صلاحيات الوكيل وأهميته، وأصبح يمتلك دوراً مباشراً في التأثير على انتقال اللاعب إلى ناد آخر، أو زيادة راتبه، كما ابتكر البعض أساليب استثنائية للحصول على عمولة أكبر، مثل الترويج للاعبين عبر نشر شائعات حول تنافس الأندية على ضمهم ما ساهم في رفع قيمتهم السوقية. المضاربة التي سبّبها الوكلاء عبر الترويج للاعبيهم للحصول على أكبر نسبة ممكنة من العمولة، ساهمت بشكل مباشر في تضخم أسعار أسواق الانتقالات، ما أثّر سلباً على القدرة الشرائية للأندية.

وكلاء من العائلة
ينقسم وكلاء اللاعبين إلى فئتين: منهم من يعمل لمصلحته الشخصية وعادةً ما تنحصر هذه الدائرة بأفراد العائلة الذين يلعبون دور الوكيل خاصة في المراحل المبكرة من مسيرة موكليهم الكروية، في حين تضم الفئة الثانية وكالات كبيرة تدير أعمال المئات من اللاعبين. تُعد الفئة الثانية أكثر رواجاً وفاعلية، نظراً إلى الاحترافية في العمل والتجرد من أي عواطف شخصية أثناء اتخاذ القرارات. المشاكل التي عرفتها كرة القدم إثر توكيل بعض اللاعبين أحد أفراد عائلاتهم، مثل رونالدينيو وأخيه، ماورو إيكاردي وزوجته، نيمار وأبيه، جعلت بعض الأندية تشترط عدم كون وكيل أعمال اللاعب أحد أفراد عائلته. (تجدر الإشارة إلى أن وكيل أعمال الأرجنتيني ليونيل ميسي هو والده).
تُقدّر العمولة المعتمدة عادة لوكيل الأعمال بـ10% من مداخيل اللاعبين


لا تعتمد مهنة وكيل أعمال اللاعبين على دورات تدريبية بقدر ما تتطلبه من معرفة وفهم كامل القوانين الخاصة بالعقود وإدارة الأعمال، من دون إغفال التمتع بقوة الإقناع التي تجعل من الوكيل ممثلاً ووسيطاً يدير مصالح لاعب أو أكثر. تكثر مهمات وكيل الأعمال وتختلف بين لاعبٍ وآخر، غير أن أهمها ينحصر بضمان إبرام صفقات مربحة وصفقات رعاية جيدة، كما قيادة المفاوضات للحصول على أفضل الأرباح الممكنة إضافةً إلى تنظيم الظهور الإعلامي. وعادةً ما يصبح شخص ما وكيل لاعبين رسمياً أو وسيطاً، بتسجيل اسمه في المؤسسة الوطنية التي يعمل من خلالها الوكلاء، غير أن هذا الإجراء يختلف من بلدٍ إلى آخر.
في ما يتعلّق بالأرباح، فالأمر يعتمد أساساً على عاملين، الأول هو ثقل أسماء اللاعبين في سوق الانتقالات، والثاني هو عدد اللاعبين. لضمان أكبر عائد ممكن من بيع اللاعب، يتجه الوكلاء لخلق علاقات قوية مع موكليهم ليصبحوا بمثابة الأصدقاء المقربين، كما الحال مع الوكيل الخارق مينو رايولا، فتصبح الكلمة الأولى والأخيرة لهؤلاء الوكلاء. تقدّر العمولة المعتمدة عادة بـ10% من مداخيل اللاعبين، غير أنها قد تختلف بحسب الاتفاق بين النادي والوكيل. وطبقاً لوكالة «إدارة الرياضة العالمية»، يربح وكيل اللاعبين ما بين 1200 إلى 550000 جنيه إسترليني سنوياً لكل لاعب في الـ«بريميرليغ»، أما الوكلاء في الدوري الأميركي فتتراوح أرباحهم بين 1300 و260 ألف دولار لكل لاعب في البطولة.

وكلاء سوبر
في السنوات الأخيرة، انسحبت الامتيازات التي تطاول اللاعبين على الوكلاء أيضاً، تبعاً لتمتع بعضهم بخصائص استثنائية في إدارة الأعمال والتسويق. يعرف هؤلاء بـ«الوكلاء السوبر»، وهو مصطلح يستخدم لوصف الوكلاء أصحاب التأثير الكبير في كرة القدم، إلى الحد الذي يجعلهم يربحون الكثير من الأموال. تتضمن قائمة «الوكلاء السوبر» العديد من الأسماء، يبرز منهم خورخي مينديز الذي تضم قائمة ممثليه كلاً من المدرب جوزيه مورينيو واللاعب كريستيانو رونالدو إضافةً إلى أكثر من 100 لاعب آخر، كما يبرز مينو رايولا الذي يمثل كلاً من بول بوغبا، زلاتان إبراهيموفيتش، ماتيس دي ليخت ولاعبين آخرين.

خورخي مينديز مع كريستيانو رونالدو (أرشيف)

السمعة التي يتمتع بها الوكلاء بجانب مهاراتهم في التفاوض والتعاقدات إضافةً إلى قائمة موكليهم الضخمة، جعلت من هؤلاء أصحاب قوة ونفوذ، ما صعّب تعامل الأندية معهم. يقابل الإيجابيات الكبيرة التي يتمتع بها اللاعب جراء تعيينه وكيلاً قوياً، كمٌّ هائل من السلبيات، تنفجر أغلبها في وجه الأندية التي ترغب ببيع لاعب ما أو بشرائه. الوكيل ينظر إلى اللاعب على أنه صفقة تجارية وهو يسعى بكل الطرق لرفع قيمتها وتسويقها بشكل يتناسب مع عمولته، الأمر الذي رفع من أسعار المواهب الشابة التي أصبحت تكلفتها عالية جداً مقارنة بسنها الصغيرة.
لاعب مثل فينيسيوس جونيور انتقل إلى ريال مدريد الإسباني قادماً من فلامينغو البرازيلي بصفقة قدرت بـ45 مليون يورو، علماً أن اللاعب لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره حينها، وجواو فيليكس الذي يمثله مواطنه خورخي مينديز انتقل العام الماضي إلى أتلتيكو مدريد بمبلغٍ وصل إلى 126 مليون يورو، علماً أن اللاعب لم يظهر بالشكل المطلوب حتى اللحظة.
وما لا يحصّله الوكيل جراء تسويقه لموكله، يحصّله بعد بيعه مرة أخرى إثر اشتراطه الحصول على عمولة كبيرة. ظهر ذلك عندما ساهم رايولا بانتقال اللاعب الفرنسي بول بوغبا من مانشستر يونايتد إلى يوفنتوس بالمجان. اشترط رايولا حينها الحصول على عمولة 25% عند بيعه مستقبلاً وقد حصل عليها بعد انتقال بوغبا من يوفنتوس إلى مانشستر يونايتد مرة أخرى مقابل 105 ملايين يورو عام 2016. التأثير الكبير للوكلاء ظهر أيضاً عبر حصول موكليهم الشباب على رواتب خيالية، وبرز ذلك في صفقة انتقال اللاعب مارتن أوديغارد إلى ريال مدريد عام 2014. رغم بلوغه الـ16 عاماً حينها، وصل راتبه الأسبوعي إلى 80 ألف جنيه إسترليني، وهو راتب يفوق العديد من لاعبي النخبة في أوروبا. على الجانب الآخر، وصلت صلاحيات مينديز إلى حد السيطرة على سياسات بعض الأندية في التعاقد، تحديداً في نادي وولفرهامبتون الإنكليزي. يرتبط مينديز بصلات قوية مع مجموعة «فوسون انترناشينيل» الصينية المالكة لوولفرهابتون منذ عام 2015. يضم النادي 8 لاعبين برتغاليين جاؤوا بطلبٍ من وكيلهم مينديز، حتى أصبح الفريق يحتوي على أبرز اللاعبين المستدعين ليورو 2020 في تشكيلة البرتغال.
أصبح الوكلاء جزءاً أساسياً من كرة القدم. وجودهم ضروري لأي لاعب، غير أن تأثيرهم الكبير يضر بالأندية واللاعبين أيضاً. لا بد من وجود بعض القيود على صلاحيتهم، بما في ذلك تحديد سقف العمولة، للحؤول دون مساهمتهم في أي تأثيرات سلبية على كرة القدم مستقبلاً.