بعد فتح سوق الانتقالات الشتوي بكرة القدم، بدأت الأندية تبحث عن لاعبين لتتعاقد معهم خلال الشهر، وأخرى تتفاوض مع لاعبين تنتهي عقودهم في نهاية حزيران لضمّهم بدون مقابل، من خلال «انتقال حر» في سوق الانتقالات الصيفية (في تموز).
لكن «الانتقال الحر» لم يكن متاحاً دوماً للأندية، بل يعود بدء تطبيق هذا النظام إلى عام 1995.

في ذلك العام، أقرّ نظامٌ حمل اسم «بوسمان»، يجيز انتقال اللاعبين المنتهية عقودهم بشكل حر ومن دون موافقة النادي، إلى جانب حرية انتقال اللاعب الأوروبي داخل نطاق دول الاتحاد الأوروبي واعتباره كلاعب محلي.

ما هو نظام «بوسمان»؟ ولمَ سُمِّي بهذا الاسم؟
عام 1990، أراد اللاعب البلجيكي جان مارك بوسمان الانتقال من ناديه ليخيا، إلى نادي دنكريك الفرنسي. إدارة ناديه رفضت التخلّي عنه، على الرغم من انتهاء عقده، إلا بالحصول على مبلغٍ مالي. حينها، رفع بوسمان شكوى إلى المحكمة الدولية الأوروبية، حيث استمرت المحاكمة خمس سنوات، ويتغيّر من بعدها شكل اللعبة.

هذا النظام يتيح إمكانية انتقال أيّ لاعب فوق سن الـ24 إلى أي نادٍ، قبل ستة أشهر على انتهاء عقده، أو بعد انتهائه، كما يعطي النظام أحقية للاعب الأوروبي باللعب في أيّ بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي من دون أن يعتبر لاعباً أجنبياً، إلى جانب إعطاء الحق لأي نادٍ في الحصول على خدمات أربعة لاعبين غير أوروبيين.


كيف كان الحال قبل نظام «بوسمان»؟
على صعيد التعاقدات، تغيّر أمران، الأوّل إتاحة تفاوض نادٍ مع لاعبٍ في نادٍ آخر، قبل ستة أشهر على انتهاء عقده، من دون العودة إلى ناديه. أمّا الأمر الآخر، فهو إلغاء القانون الذي يتيح للأندية إجبار اللاعبين، أو أندية أخرى، على دفع مبالغ مالية، لتنفيذ الانتقال، حتّى بعد انتهاء عقد اللاعب، وهذا أمر حرر اللاعبين والأندية أيضاً.

أمّا على صعيد الانتقالات، فالأندية لم يكن يُسمح لها بإشراك أكثر من ثلاثة لاعبين أساسيين أوروبيين، من غير بلد النادي، في المباراة الواحدة، إلى جانب لاعبيَن اثنين على مقاعد الاحتياط، ما يعني أن النادي كان قادراً على شراء العدد الذين يريده من اللاعبين الأجانب، لكنه لم يكن قادراً على استدعاء أكثر من خمسة لاعبين إلى المباراة.


إيجابيات نظام «بوسمان»

انتهاء «العبودية»
إقرار النظام الجديد كان الهدف منه أولاً حصول اللاعبين على حريّتهم في الانتقال إلى أي نادٍ جديد بعد انتهاء عقودهم. هكذا، صار اللاعب غير مجبر على البقاء مع ناديه وتوقيع عقدٍ جديد، رغماً عنه، بسبب رفض النادي التخلّي عنه من دون دفع مقابل مالي للانتقال إلى نادٍ جديد.

ارتفاع الرواتب
بعد إقرار النظام، ارتفعت رواتب اللاعبين بشكلٍ كبير، وذلك بسبب تنافس الأندية على التعاقد مع هذا اللاعب أو ذاك، من دون العودة إلى ناديه الأخير، ما فتح المجال أمام وكلاء اللاعبين بالحصول على مبالغ كبيرة ورفع الأجور وقيمة الصفقات.

ارتفاع وتيرة الانتقالات داخل أوروبا
الأندية كانت قادرة على تسجيل العدد الذي تريده من اللاعبين الأجانب، لكنها لم تكن تضم عدداً كبيراً منهم، بسبب عدم قدرتها على إشراك أكثر من خمسة لاعبين في المباراة الواحدة (اثنان منهم على مقاعد الاحتياط). بعد النظام، ارتفعت وتيرة الانتقالات، إذ صارت الأندية تُبرم عقوداً مع لاعبين أكثر، فزادت حركة الانتقالات من دوريٍّ إلى آخر.
وبطبيعة الحال، نجحت الأندية في الحصول على خدمات لاعبين من دون العودة إلى أنديتهم، ومن دون دفع مبالغ مالية إضافية مقابل إبرام الصفقات، وهذا أيضاً زاد من وتيرة التعاقدات.
كذلك صارت الأندية تبحث عن لاعبين من خارج القارة الأوروبية، لكونها باتت قادرة على تسجيل أربعة لاعبين لا يحملون جنسية أوروبية.

دور أكبر للأكاديميات
الأندية الصغيرة نسبياً، حتى ولو كانت قويّة داخل بلادها، لم تعد قادرة على مجاراة المبالغ التي تدفعها عمالقة الأندية الأوروبية. وبالتالي، اتجهت إلى تنشيط أكاديمياتها والاستثمار فيها، للحصول على لاعبين جيّدين في فرقها، ليس للمشاركة معها فحسب، بل لعرضهم على الأندية الكبيرة مقابل مبالغ ضخمة، وهكذا تحقق ربحاً أكبر.

سلبيات نظام «بوسمان»

ارتفاع مديونية الأندية
لنظام «بوسمان» سلبياته أيضاً. صحيحٌ أن اللاعبين تحرروا من أنديتهم، وصارت الأندية قادرة على إشراك عدد أكبر من اللاعبين الأجانب في المباريات، والتفاوض مع اللاعبين من دون العودة إلى أنديتهم، لكنها صارت بحاجة إلى رأس مالٍ أكبر، طالما أن ثمّة تنافساً كبيراً بين الأندية في سوق الانتقالات.
الأندية باتت تدفع أجوراً أكبر، ولذلك صارت تحصل على قروضٍ كبيرة من البنوك، لكن بعضها فشل في سداد ديونه، فأفلس، وتحرر لاعبوه، وهبط إلى درجاتٍ أدنى في الدوريات.

تراجع دور اللاعب المحلّي
الحديث عن دخول فريقٍ ما، مباراة، من دون مشاركة أي لاعب محلّي أساسي، ليس أمراً روتينياً، لكنه يحصل كل فترة. مع قدرة الأندية على إشراك عدد لا محدود من الأجانب، تراجع دور اللاعب المحلّي، فالأندية، والمدربون، بطبيعة الحال، راحوا يبحثون عن اللاعب الأفضل، حتّى ولو خارج البلاد.
تراجع دور اللاعب المحلّي، أثّر أيضاً على المنتخبات الوطنية، التي صارت تبحث عن اللاعبين الأكثر مشاركة مع أنديتهم، بعدما كانت قائمة اللاعبين لدى المدربين كبيرة، نسبة إلى مشاركة ثمانية لاعبين محليين بشكلٍ أساسي على الأقل مع كل فريق.

أشهر الصفقات بعد نظام «بوسمان»

أول عملية انتقال بعد إقرار نظام «بوسمان»، كانت بانتقال اللاعب الهولندي إدغار دافيدز من نادي أياكس الهولندي إلى ميلان الإيطالي.

بعد عامٍ على إقرار النظام أيضاً، انتقل الإيطالي جانلوكا فيالي من يوفنتوس الإيطالي إلى تشلسي الإنكليزي.

ستيف ماكمانمان انتقل من ليفربول الإنكليزي إلى ريال مدريد الإسباني عام 1999.

سول كامبل انتقل بدوره من توتنهام إلى أرسنال داخل إنكلترا عام 2001، في واحدة من أبرز الصفقات التي تمت قبل انتهاء عقد اللاعب مع ناديه، بل من دون عمله حتّى.

وانتقل الألماني مايكل بالاك من بايرن ميونخ الألماني إلى تشيلسي الإنكليزي، كما رحل دايفيد بيكهام عن ريال مدريد الإسباني إلى لوس أنجلوس غالاكسي الأميركي عام 2007.

ماذا حلَّ ببوسمان اللاعب؟

بعد سنةٍ واحدةٍ على إقرار النظام الذي حمل اسمه، اعتزل بوسمان (54 عاماً) الكرة، وخسر ثروته التي حصل عليها من كرة القدم ليكسب القضية التي رفعها عام 1990.

الاتحاد البلجيكي لكرة القدم حاربه، بدلاً من أن يكرّمه، لكونه غيّر تاريخ اللعبة، فهدّد الأندية بخصم ثلاث نقاط من رصيدها في حال التعاقد معه (كان انتقل أخيراً إلى فرنسا).

يعيش اليوم بوسمان مع عائلته معتمداً على الإعانة المالية التي تقدمها الحكومة البلجيكية، لكنه عانى من أزمةٍ نفسية، بعدما تُرك وحيداً من عائلة كرة القدم.

في تصريحٍ له، يقول: لقد قضى قانون بوسمان على حياتي. لا أحد يرغب في توظيفي، عالم كرة القدم يبعدني عنه، لأنني وقفت في وجه الكبار. لو وضَع كل شخص انتفع ممّا فعلته يورو واحداً من أجلي، لم تكن حالتي لتصبح هكذا".