في السابق، لم يكن دور الجهاز الطبّي الخاص بأندية كرة القدم كما هو اليوم. خلال السنوات تطور دور هذه الأجهزة، وأصبح واحداً من الأساسات في كرة القدم نظراً للأهمية الكبيرة التي يتمتّع بها هذا القطاع داخل الأندية. في البداية كان الأمر عبارة عن عمل تطوعي، فيأتي مسعف أو طبيب لمساعدة اللاعبين، والكلام هنا يعود الى وقت طويل جداً خاصة في إنكلترا، التي هي مهد كرة القدم. يندفع «الأطباء ـ المشجعون» إلى أنديتهم التي يحبونها، ويساعدون لاعبيها في الشق الذي يمكن تصنيفه بالأهم في النادي. من دون الطب، لما كان هناك علاج للاعبين، ولا فترة للراحة يطلبها الجهاز الطبي لهذا اللاعب أو ذاك، كما لا وجود للفحص الطبي الذي تقوم به الأندية للاعبين القادمين من فرق ودوريات مختلفة. كل هذه النقاط، لم ولن تكون موجودة رغم أهميتها من دون الجهاز الطبي والمعدين البدنيين داخل الطاقم التدريبي والفني. مع الوقت، بدأت هذه المهنة تأخذ منحى مختلفاً تماماً، لتصبح عملاً كغيرها من الوظائف في المجتمع. لكن الأجور لم تكن مرتفعة إلى هذا الحد. من بين أولى البلدان الأوروبية التي اتخذت قراراً بإشراك الجهاز الطبي في فريق العمل هي بريطانيا. الأخيرة، من أرضها وُلدت اللعبة والرياضة الأكثر شعبية في العالم، ولِمَ لا من الأرض عينها، يتم وضع التعديلات على بعض النقاط المهمّة، والتي أصبحت مع الوقت ذات أهمية أكبر وأكبر كالأجهزة الطبية للأندية والمنتخبات.
اليوم، ومع الارتفاع المستمر في أسعار اللاعبين في أوروبا، وتزايد «الضمانات» التي يعد بها النادي، نادياً آخر، بأن لاعبه لن يتعرّض للإصابات وأنه قد اعتمد نظاماً غذائياً وطبياً متقناً للاعبين، أصبح للجهاز الطبي دور أكبر من السابق، وهذا ما يلاحظه الجميع خلال فترات سوق الانتقالات. كثيرة هي الصفقات التي تتعثّر بسبب إشارة وحيدة على «كمبيوتر» أحد الأطباء، والتي تعني بأن هذا اللاعب ليس جاهزاً ليكون في التشكيلة. الفحص الطبي الذي يقوم به اللاعبون قبل انتقالهم إلى أنديتهم الجديدة، أضحى ضرورة لا بدّ منها لإتمام الصفقات والعقود الجديدة.
حصلت خلافات كبيرة بين مدربين وأجهزة طبية على خلفية الإصابات المتكررة للاعبين


ارتفع دور الأجهزة الطبية في الأندية، وبات الطبيب والمعالج والاختصاصي الغذائي يتدخلون في نظام اللاعبين الغذائي، وفي تحركاتهم، وفي نشاطاتهم اليومية، حتى حياتهم الخاصة التي لم تعد كذلك ربما. يضع هذا الجهاز اللاعب تحت المجهر طوال الوقت. كل انتكاسة يتعرّض لها لاعب ما، أي وعكة صحّية يمر بها، تطاول أصابع الاتهام الأجهزة الطبية بشكل مباشر. في حادثة غريبة من نوعها، حصلت مشادّة كلامية بين كل من المدرب الإسباني بيب غوارديولا وطبيب النادي البافاري بايرن ميونيخ مولر فولفهارت (عندما كان غوارديولا مدرب للنادي الألماني) أدّت في نهاية المطاف إلى إعلان الأخير استقالته هو وجهازه الطبي من إدارة النادي الألماني. كلام بيب غوارديولا في هذه الحادثة كان لاذعاً وشديد اللهجة، حيث قال «غودين تعافى على الفور في أتلتيكو، لماذا لم تتمكنوا أنتم من ذلك؟ لماذا يستغرق تعافي مصابينا دائماً الكثير من الوقت؟». في تلك الفترة، خسر بيب المباراة أمام أتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا، وخرج بالتالي من البطولة. حينها، خسر غوارديولا لاعبه الفرنسي فرانك ريبري بسبب الإصابة. تحدثت صحيفة «بيلد» الألمانية عن مشادّة شديدة اللهجة بين بيب وفولفهارت داخل غرف الملابس، إلا أن تدخل ريبيري حلّ الموقف. في حادثة مشابهة أيضاً، وتحديداً في العاصمة الإنكليزية الـ«ضبابية» لندن، عندما كان المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو على رأس العارضة الفنية للـ«بلوز» تشيلسي. في ذلك الوقت، تلفّظ مدرب ريال مدريد السابق بألفاظ لا أخلاقية لإيفا كارنيرو التي كانت إحدى الموظفات في جهاز تشيلسي الطبي (بعد أن دخلت إيفا أرض الملعب لعلاج اللاعب المصاب إيدن هازار خلال المباراة). بعد تلك المشادّة التي حدثت بين مورينيو وإيفا، أعلنت الأخيرة عن استقالتها، ورفعت دعوى قضائية ضد المدرب البرتغالي بعد أن تدخل الأخير في عملها.
اليوم، تبرز من جديد مهمّة الجهاز الطبي في الأندية. البطولات أصبحت كثيرة جداً، واللاعبون يخوضون مباراتين في الأسبوع بالحد الأدنى، إضافة الى التدريبات، حتى إن هناك لاعبين لا يرتاحون طوال السنة، ففي الشتاء يلعبون في البطولات المحلية والقارية مع الأندية، وخلال الصيف يخوضون البطولات الدولية مع منتخبات بلادهم. ازدحام جدول المباريات والبطولات يؤدي بشكل أو بآخر الى ارتفاع عدد اللاعبين المصابين، وارتفاع نسبة تعرض اللاعبين للإصابة أيضاً، لذلك فإن دور الجهاز الطبي في الأندية والمنتخبات بات أكثر من مهم، وبات هو المسؤول الأول عن الإصابات خاصة العضلية. هناك العديد من الأندية التي شكت من الإصابات أخيراً، بينها بايرن ميونيخ الألماني، وباريس سان جيرمان الفرنسي، والإدارات تُلقي اللوم على الأجهزة الطبية وجدولة المباريات المزدحمة.


لتفادي الإصابات باتت الأندية تلجأ إلى تدعيم الأجهزة الطبية، والتعاقد مع أطباء يُعتبرون من الأبرز والأكثر كفاءة على مستوى العالم. أما الخطوة الثانية والمهمة أيضاً، فهي توسيع دائرة الخيارات في الفريق، عبر التعاقد مع عدد كبير من اللاعبين، والاعتماد على مبدأ المداورة، وإشراك لاعبين في البطولات المحلية، وآخرين في البطولات القارية لتجنب الإصابات والإرهاق.
كرة القدم في تطور مستمر، والأندية التي لا تواكب هذا التطور ستخسر كثيراً، لذلك تقوم الأندية خاصة التي تنافس أوروبياً وقارياً بتطوير نظام عملها، وداخل هذا النظام هناك الأجهزة الطبية. الأندية أيضاً باتت تهتم بالطبابة والتجهيز البدني على مستوى الأكاديميات، وفي الفترة الأخيرة عمد نادي بنفيكا البرتغالي إلى تطوير أكاديميته بشكل كبير جداً، وخصّص قسماً كبيراً للإعداد البدني، والفحوص الطبية داخل الأكاديمية، من أجل الحفاظ على صحة وسلامة اللاعبين منذ بداية مسيرتهم، لأن هذا الأمر يساعد على تجنيبهم الإصابات في المستقبل.