لا يهتم المتابع لكرة القدم كثيراً بحراس المرمى. عشاق الكرة يحبون المهاجمين الذين يسجلون الأهداف، ولكنهم يتناسون أن للحارس دوراً مهماً جداً. على مدى السنوات مرّ عدد من الحراس الذين تركوا بصمتهم في عالم الكرة، بينهم الألماني المميّز أوليفر كان، الإيطالي جيانلويجي بوفون، الدانماركي بيتر شمايكل، وغيرهم الكثير. اليوم هناك عدد من الحراس المميّزين، ولكنهم أيضاً يعيشون في ظلّ المهاجمين، رغم أنّ شهرتهم لا بأس بها، ولكنهم يستحقّون المزيد من الدعم.يُعتبر كريستيانو رونالدو أحد أهم اللاعبين الذين مرّوا في تاريخ النادي الملكي ريال مدريد. الأمر عينه بالنسبة إلى القطب الثاني في إسبانيا، نادي برشلونة ونجمه الأرجنتيني ليونيل ميسي. في كلّ فريق من بين أقوى أندية العالم، يوجد هذا اللاعب، الذي يكون النجم الأول، ويعتمد عليه الفريق، ليفوز في النهاية بجائزة أفضل لاعب في العالم. انحصرت هذه الجائزة بكلٍّ من كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي في آخر عشر سنوات، وحتّى أنها، لم تكن تُمنح سوى للاعبي الهجوم في أغلب الأحيان. في 2018، الأمر اختلف، فاز لاعب خط الوسط الكرواتي لوكا مودريتش بالجائزة. تصدّر هذا الحدث عناوين الصحف والمواقع والشبكات العالمية كافة. لماذا؟ في المقام الأول، لأنه كسر احتكار النجمين لهذه الجائزة، وفي المقام الثاني لأنه لاعب خطّ وسط، وهذه ظاهرة ليست مألوفة كثيراً.
لكن، ما يغفل عنه المتابعون والنقاد، هو منح هذه الجائزة، للاعب ضمن الفريق، لا تقلّ أهميته عن المهاجم، وعن صانع الألعاب وحتى المدافعين، وهو حارس المرمى. لم يستطع أيّ حارس مرمى على مرّ التاريخ، تحقيق جائزة أفضل لاعب في العالم، رغم أنّ أهمية مركز حارس المرمى، لا تقلّ عن غيرها من المراكز، نظراً إلى الدور الكبير الذي يقوم به الحارس في المباريات.
اليوم يوجد الكثير من حرّاس المرمى الجيّدين، بينهم الحارس الفرنسي هوغو لوريس (حامي عرين توتنهام الإنكليزي)، الحارس الكوستاريكي كيلور نافاس (ريال مدريد)، حارس المرمى الألماني مانويل نوير (بايرن ميونيخ)، لكن في الوقت عينه، هناك حرّاس، يُعتبرون الأفضل في العالم حالياً، وهم الألماني مارك أندريه تير شتيغن حارس مرمى برشلونة الإسباني، الإسباني دافيد دي خيا حارس مرمى مانشستر يونايتد الإنكليزي، والسلوفيني يان أوبلاك حارس مرمى أتلتيكو مدريد الإسباني، وحارس ليفربول الإنكليزي أليسون بيكير الذي فاز مؤخراً بجائزة أفضل حارس مرمى في إنكلترا. هؤلاء الحرّاس، يعتبرون من أهم عناصر الفرق التي ينشطون فيها، فكما يعتبر ليو ميسي الملهم وصانع الفارق الأول في برشلونة، للألماني تير شتيغين دور كبير في تقدّم النادي الكاتالوني إلى أدوار متقدمة، إن كان على صعيد الدوري والكأس أو على صعيد دوري أبطال أوروبا.
كان نادي بوروسيا مونشنغلادباخ، هو الفريق الأول الذي لعب له والذي نشأ فيه تير شتيغن. عندما تعاقدت معه إدارة النادي الإسباني، لم يكن المتابعون يعلمون من هو مارك أندريه، ومن أين أتى، إلّا أن الصحف الألمانية كانت على دراية بقيمة الحارس الشاب، الذي اقتنصه برشلونة. منذ ذلك الحين، مرّ تير شتيغن بمراحل صعبة، حتى وصل إلى المرحلة الأفضل له مع الفريق، من بينها الصراع على المركز الأساسي مع الحارس التشيلياني كلاوديو برافو. شتيغن، يُعتبر اليوم من بين أفضل حراس العالم، وقيمته في برشلونة تكاد تقترب من الأرجنتيني ليو ميسي، فالأخير دوره حساس ومهم في المقدّمة، والآخر يحمي عرين النادي بكلّ ثقة وأناقة.
الأمر عينه بالنسبة إلى دافيد دي خيا، حارس مرمى الشياطين الحمر، الذي فاز بجائزة أفضل لاعب في الفريق في آخر 4 مواسم. الأمر الذي يعطي صورة عن مدى أهميّة الحارس الإسباني بين أسوار ملعب «أولد ترافورد». لا يختلف اثنان على أن مانشستر يعاني كثيراً مؤخراً ولم ينجح في الوصول إلى دوري أبطال أوروبا، كما أن حارسه أخطأ كثيراً نتيجة اهتزاز الثقة في المراحل الأخيرة من الدولي، ولكن دي خيا يبقى فعلاً حارساً مميّزاً أيضاً.
أمّا بالنسبة إلى يان أوبلاك، فهنا الأمر مختلف، حارس مرمى أتلتيكو مدريد، يملك أرقاماً لا تصدّق في الدوري الإسباني، فقد حافظ الحارس السلوفيني على نظافة شباكه في أكثر من 80 مناسبة خلال مباريات الدوري الإسباني. وفي إحصائية نُشرت فإنه خلال 140 مباراة تلقّت شباكه 84 هدفاً، بمعدّل 0.6 هدف في المباراة الواحدة.

هناك أسباب من الممكن أن تساعد حارس المرمى على الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من المباريات بشباك نظيفة، بينها قوّة خط الدفاع، وهذا ما يشتهر به فريق الأتلتي (الأمر عينه مع حارس يوفنتوس السابق جيالويجي بوفون، الذي كان يقف أمامه كل من بونوتشي، بارزالي وكيليني).
وأخيراً كان هناك الحارس البرازيلي أليسون، الذي حافظ على نظافة شباكه الموسم الماضي في 21 مباراة مع ليفربول، ليستحق جائزة أفضل حارس في الدوري الإنكليزي الممتاز للموسم المنتهي. وكان أليسون قد ساعد روما الإيطالي الموسم الماضي للذهاب بعيداً في دوري أبطال أوروبا.
هناك أزمة حرّاس مرمى في الوقت الحالي. كل الفرق القوية في الدوريات الخمسة الكبرى، تحتاج في تشكيلتها لحارس يمكنه أن يتحمّل ضغط المباريات، وأن يكون على أتم جاهزيته. ندرة المواهب في هذا المركز، أدّت إلى ارتفاع أسعار هؤلاء الحرّاس، وهذا ما حصل مع ليفربول وتشيلسي، اللذين اضطرا لشراء حارسي مرمى بمبالغ طائلة. الأول، تمكّن من تدعيم صفوفه بالحارس البرازيلي أليسون بيكير، حارس مرمى روما الإيطالي السابق بمبلغ وصل إلى 70 مليون يورو، كأغلى حارس في تاريخ كرة القدم. المَبلغ الكبير دفع بإدارة نادي أتلتيك بلبالو الإسباني، لاستغلال الظرف، وبيع حارس الفريق الإسباني كيبا أريازابالاغا لنادي تشيلسي بمبلغ وصل إلى 80 مليون يورو، ليتم كسر رقمين خلال فترة انتقالات واحدة. هذه المبالغ التي تُدفع لحرّاس المرمى، جعلت الأندية تستغلّ الموقف وترفع أسعار حراسها. ويتعرّض حرّاس المرمى لظلم في التقييم على منصّات التتويج، وأكبر دليل على ذلك، هو فوز النجم الأرجنتيني ليو ميسي بجائزة أفضل لاعب في المونديال في 2014، على حساب الحارس الألماني مانويل نوير، الذي قدّم بدوره أداء لافتاً في تلك البطولة.
ما يمكن استنتاجه، هو أن حارس المرمى، بات لاعباً أهم من غيره في تشكيلة أي فريق، فأن تدفع إدارة تشيلسي مبلغاً وصل إلى ثمانين مليون يورو بحارس شاب وصاعد، هذا يعني أن حارس المرمى بات لاعباً أساسياً وحجراً لا يمكن تحريكه في تشكيلة أي فريق، ولم لا؟ فقد نرى في المستقبل القريب، أحد هؤلاء الحرّاس الشباب، يرفع جائزة الكرة الذهبية يوماً ما.