تستمرّ التعقيدات في مسار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، مع رفض البرلمان البريطاني الأسبوع الفائت اتفاق «بريكست» للمرة الثالثة، الأمر الذي يفتح الطريق أمام تأجيل العملية إلى 12 نيسان/أبريل المقبل. وفي الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أنّ الرياضة موجودة في فقاعة بعيدة عن الأحداث السياسية، إلا أنّ كرة القدم لن تسلم من تداعيات الانفصال، الذي سيحدث عاجلاً أو آجلاً، رغم محاولات تأجيله أو إيجاد صيغة لإيقافه.يجد الدوري الإنكليزي لكرة القدم نفسه أمام مأزق حقيقي فور التوصل إلى اتفاق لتنظيم «بريكست»، لتتزايد المخاوف بشأن المستقبل المبهم الذي ينتظر «البريميير ليغ». الدوري الذي يُعدّ الأغنى في العالم، والذي يمتاز بوجود 8 من أنديته ضمن قائمة أغنى 20 نادٍ في العالم، تحوطه المخاوف من اضطرار القائمين عليه إلى إحداث تغييرات جذرية في فلسفتهم الرياضية باستقدام اللاعبين وتنظيم صفوف الفرق بعد حدوث الانفصال. لطالما تميز الدوري الإنكليزي بانفتاحه على الأموال الأجنبية، ولا سيما مع استثمار المليارات الخليجية والروسية والصينية فيه، بالإضافة إلى انفتاحه على اللاعبين الأجانب، الذين قد يصبح مصيرهم معلقاً بعد فقدانهم للامتيازات القانونية التي يتمتعون بها. لذا، إنّ جزءاً كبيراً من نجاح هذا الدوري يستند إلى كونه يضمّ خليطاً واسعاً من اللاعبين والمدربين والمالكين الأجانب، وهو ما قد يتعرض للتهديد في حال الشروع بالخطة البريطانية.
هذا وقد شهد سوق الانتقالات الشتوي الإنكليزي الأخير تراجعاً هذا العام، مقارنةً بالعام الفائت، إذ كانت أغلب الفرق حذرة في إنفاقها، ولا سيما أنها قد لا تتمكن من الاحتفاظ باللاعبين في حال الشروع في عملية الانفصال، وهذا ما حتّم على الأندية إعادة النظر في سياساتها وأهدافها في سوق الانتقالات. بطبيعة الحال، أجمع كل رؤساء أندية الدوري الإنكليزي الـ20 على رفض تنفيذ «بريكست» في الاستفتاء الذي جرى عام 2016، لأنّ عملية الانفصال الأوروبي لا تتوافق مع سياسة الانفتاح على كافة الدول. ورأى الرئيس التنفيذي لرابطة الأندية الإنكليزية ريتشارد سكودامور، أنّ دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيكون «متعارضاً» مع مصالح الدوري الإنكليزي، لأنّ خروجها سيؤثر سلباً في اللعبة التي تواصل نهجها الهادف إلى توسيع مجال أعمالها.
تواجه الأندية الإنكليزية احتمال حرمانها فرصة التعاقد مع اللاعبين الأوروبيين دون الـ18 عاماً


لطالما تميزت أندية الدوري الإنكليزي باحتضانها لأبرز المواهب الشابة، إلا أنّ ذلك لن يدوم طويلاً في حال الخروج من المنطقة الاقتصادية الأوروبية، وهو المرجَّح بموجب «بريكست». تواجه أندية الدوري الإنكليزي احتمال حرمانها فرصة التعاقد مع اللاعبين الأوروبيين دون الـ18 عاماً، لأنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم يمنع انتقال اللاعبين ما دون الـ18 من عمرهم من دولة إلى أخرى، باستثناء الانتقالات التي تجري بين دول الاتحاد الأوروبي. وقد سمح هذا الاستثناء سابقاً للاعبين مثل الإسباني سيسك فابريغاس والفرنسي بول بوغبا بالانتقال إلى إنكلترا، وهما في السادسة عشرة من العمر فقط. إلى جانب ذلك، ينوي الاتحاد تقليل العدد المسموح به حالياً من اللاعبين الأجانب في الأندية الإنكليزية، وهو 17 لاعباً، إلى 12 لاعباً، ما يمثل نسبة أقل من النصف في الفريق الذي يتكون من 25 لاعباً. وبحسب تقرير كشفت عنه صحيفة «التايمز»، فإنّ هذا الشرط لن يُفعَّل على الفور، تجنّباً لأي أضرار مالية قد تلحق بالأندية وعقود اللاعبين، إلا أنّ ذلك سيجعل توقيع اللاعبين الأجانب لاحقاً أكثر صعوبة، وسيؤدي إلى خسارة جزء كبير من الجمهور الأجنبي المتابع.
والأمر لم يقتصر عند هذا الحد، إذ إنّ اللاعبين الأوروبيين سيواجهون قيوداً تتعلق بحركة الانتقال إلى اللعب في الدوري الإنكليزي، بعدما كانوا سابقاً ينتقلون دون الحاجة إلى تصاريح عمل، وذلك بسبب امتياز حرية تنقل الأفراد بين دول الاتحاد الأوروبي. إلا أنّه بعد الانفصال، عليهم استيفاء كافة الشروط الموقعة على الأجانب من قارات إفريقيا وآسيا والأميركتين، في ما يخص الحصول على تصريح بالعمل. وكي يحصل اللاعبون من خارج الاتحاد الأوروبي على تصريح عمل في بريطانيا، لا بد لهم من تلبية معايير صارمة، كمعرفة عدد البطولات التي فازوا بها، وترتيب بلادهم فى تصنيفات الفيفا العالمية، إلى جانب مشاركة اللاعب بنسبة معينة من المباريات مع منتخب بلاده. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية في آذار/مارس الماضي أن 332 لاعباً أوروبياً في الدوري الإنكليزي الممتاز ودوري الدرجة الثانية والدوري الاسكتلندي الممتاز لن يفوا بالمعايير الحالية الخاصة باللاعبين من خارج الاتحاد الأوروبي، في حال خروج بريطانيا من التكتل. وبطبيعة الحال، سيخسر «البريمييرليغ» جزءاً كبيراً من شعبيته العالمية أمام منافسيه من البطولات الأوروبية الكبرى الأخرى مثل الدوري الألماني والايطالي، إن تراجع عدد نجومه. وقد بدأت تأثيرات الانفصال الأوروبي بالظهور منذ إجراء الاستفتاء في بريطانيا عام 2016، وذلك عندما تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني مقابل العملات الأوروبية، الأمر الذي سبّب المشاكل للأندية الإنكليزية، بسبب ارتفاع كلفة شراء اللاعبين الجدد. ففي ظل التنافس الكبير الذي تشهده سوق الانتقالات الأوروبية، سيكون من الصعب بالنسبة إلى الأندية التوقيع مع لاعبين بسبب ارتفاع الكلفة، وهذا ما عبّر عنه الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو مدرب نادي توتنهام، الذي أشار إلى أنّ تراجع قيمة العملة كان سبب امتناع فريقه عن تعزيز صفوفه بلاعبين جدد في فترة الانتقالات الصيفية. ورغم أنّ الأصوات تتعالى بالرفض لخطوة بريطانيا المقبلة، ولا سيما مع توقيع أكثر من 6 ملايين شخص على العريضة الإلكترونية التي تطالب بإلغاء «بريكست»، إلا أنّ الحكومة ماضيةٌ في قرارها حتى الساعة، ولا شكّ في أنّ القادم، أيّاً كان، سيغيّر وجه كرة القدم الإنكليزية.

المواهب المحلية تستفيد
رغم الاعتراضات الكثيرة على الانفصال، إلا أنّ آخرين رحبوا بهذه الخطوة، على اعتبار أنّ ذلك سيمنح فرصة أكبر للمواهب الإنكليزية الشابة للبروز وإظهار طاقاتها. وتسعى الهيئات الكروية في البلاد للاستفادة من «بريكست» من أجل طرح قوانين جديدة تسمح بالتقليل من وجود اللاعبين الأجانب في صفوف الأندية الإنكليزية، بهدف منح المزيد من الوقت للمواهب البريطانية الشابة. ففي إحصائية أجريت العام الفائت، تبين أنّ أقل من 28 في المئة من مجموع اللاعبين الذين شاركوا كأساسيين في مباريات الدوري الإنكليزي الممتاز كانوا من الإنكليز. ويتوقع الكثيرون أنّ الاعتماد على المواهب المحلية الصاعدة بدلاً من إعارتها إلى الفرق الرديفة قد يعود بالنفع على المنتخب الإنكليزي الذي لم يتذوق طعم التتويج بالألقاب منذ عام 1966.



الفورمولا 1 ضحية أيضاً؟


ليست رياضة كرة القدم الرياضة الوحيدة المتضررة من الانفصال، إذ تخشى فرق الفورمولا 1 أيضاً على مصيرها إزاء التهديدات التي ستواجهها في حال الشروع بالـ«بريكست»، حيث إنّ العديد منها تتخذ من مدن المملكة المتحدة مقراً لها. ومن الفرق العشرة المشاركة في بطولة 2019، توجد مقارّ سبعة في المملكة المتحدة، بينما تستضيف القارة الأوروبية 7 سباقات ضمن منافسات بطولة العالم، ما يجعل خروج بريطانيا من الاتحاد القاري، ولا سيما دون اتفاق حتى الآن بين الطرفين، أشبه بصداع غير مرغوب فيه حتى في بطولة معولمة لهذا الحد. وحذّرت فرق عدّة من أنّ «بريكست» سيؤدي إلى عواقب لوجستية وخيمة في صناعة تعتمد كثيراً على طواقم توظيفية دولية وعمليات شحن سلع وتجهيزات ونقلها بين مختلف دول العالم مع كل سباق. إلا أنّ الآراء منقسمة كثيراً في البطولة بشأن تداعيات الانفصال الذي كان من المقرر أن يدخل حيّز التنفيذ يوم الجمعة الفائت، قبل أن تحصل رئيسة الوزراء تيريزا ماي على تأجيل أوروبي لمدة ثلاثة أسابيع لنيل موافقة مجلس العموم على الاتفاق أو العثور على بديل آخر.