بعد تتويجه بدوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة توالياً (موسم 2017 ـ 2018)، أعلن المدرب الفرنسي زين الدين زيدان خروجه من ريال مدريد، في خطوةٍ غامضةٍ ومفاجئة. ترافق ذلك مع الإعلان «الصاعقة» لرحيل نجم الفريق الأول كريستيانو رونالدو إلى يوفنتوس الإيطالي. خسارتان ثقيلتان أسقطتا الفريق الأفضل أوروبياً في غضون أشهرٍ قليلة من القمة إلى القاع. اليوم، عاد زيدان، ماذا سيتغير؟بعد خروج زيدان من مدريد، تعاقب على إدارة العارضة الفنيّة للنادي الملكي، كل من جولين لوبيتيغي وسانتياغو سولاري، ليقال الاثنان بعد أقل من موسم، نظراً لنتائج الفريق الكارثية تحت إشرافهما. لوبيتيغي الذي أقيل من تدريب المنتخب الإسباني قبل المونديال بأسبوع، أقيل من ريال مدريد بعد الخسارة القاسية أمام نادي برشلونة بـ 5 أهداف مقابل هدف وحيد، في قمة مباريات الجولة العاشرة من الدوري الإسباني. في ظل عدم وجود البديل الملائم في السوق حينها، لجأ بيريز إلى سانتياغو سولاري، مدرب فريق شباب ريال مدريد «كاستيا». الأخير حاز ثقة مالك النادي بعد سلسلةٍ من النتائج الإيجابية في مبارياته الأربع الأولى، ليحظى بعقدٍ يمتد إلى ثلاث سنوات. من هنا بدأت المشاكل.
فور تعيينه مدرباً للفريق، نشأت خلافات عديدة بين اللاعبين والمدرب الأرجنتيني الشاب، عكسها باضوح تصريح اللاعب فرانشيسكو إيسكو، بتفضيله أسلوب المدرب السابق لوبيتيغي على المدرب الجديد. أمرٌ أجلس اللاعب أغلب فترات الموسم على دكة البدلاء، بعد أن كان أساسيّاً، وأثبت نفسه كثيراً تحت قيادة زيدان ولوبيتيغي. النتائج المثالية في بادئ الأمر، التي جاءت أمام اختبارات غير حقيقية لتبيان نجاح سولاري من عدمه، سرعان ما اتخذت منعطفاً مغايراً تماماً، إذ شهدت الأيام الأخيرة في حقبة سولاري أحد أكثر الأسابيع كارثيةً في تاريخ النادي. رغم تقديمه نسخة جيدة في نصف نهائي كأس الملك أمام برشلونة، وحسم موقعة الذهاب بتعادلٍ إيجابي بهدفٍ لمثله، أُقصي ريال مدريد بعد أن مني بخسارة قاسية بنتيجة (3-0) في الإياب. تبع الإقصاء خسارة صعبة بهدفٍ نظيف أمام المنافس الكاتالوني وسّعت الفجوة مع المتصدر في تريتب الدوري، تلتها خسارة موجعة على أرضه بأربعة أهداف لهدف أمام نادي أياكس أمستردام الهولندي، وضعته خارج دوري أبطال أوروبا من دور الـ16 (بعد أن كان حامل اللقب في ثلاث مناسبات أخيرة). ثلاث خسارات أخرجت النادي الملكي من ثلاث بطولات، الأمر الذي أدى إلى خروج سولاري من داخل أسوار السنتياغو بيرنابيو.
بعودته إلى ريال مدريد، دخل زيدان باب الصفقات الضبابية، نظراً للفترة القصيرة بين رحيله وعودته المتمثلة بـ284 يوماً. ماذا تغير بأقل من سنة؟
كان السبب الرئيسي وراء رحيل زين الدين زيدان آنذاك، إدراكه لإقبال الفريق على أزمة حقيقية في ظل سياسة التقشف المتبعة من رئيس النادي فلورونتينو بيريز، وهو ما حدث فعلاً بعد أشهرٍ قليلة من رحيله. أدرك بيريز خطأه، فأعاد زيدان الذي لم يتردد بقبول العرض، بعد أن تلقى وعداً بمنحه الميزانية الكافية لإعادة هيكلة الريال من جديد. الميزانية الضخمة المقدرة بـ300 مليون يورو ستتيح لزيزو بناء منظومة جديدة دون ضغوط، إذ إنّ الفشل الآن في تحقيق الألقاب لن يضع الضغط عليه نظراً لتذبذب الفريق أخيراً.
أثبتت التجربة فشل مدربين كبار في حقبتهم الثانية مع الفرق التي دربوها


مع الخروج من كافة البطولات، بات أمل زيدان الوحيد هو الدوري الإسباني رغم صعوبة الوضع، نظراً لتربع برشلونة على عرش الصدارة بفارق 12 نقطة عن الثالث ريال مدريد، ما سيجعل من الموسم الحالي تجربةً لبعض اللاعبين الجدد أمثال فينيسيوس، والظهير الأيسر ريغيلون، فيما ستبدأ الرحلة الفعلية للمدرب الفرنسي انطلاقاً من الموسم المقبل. الفترة الباقية من الموسم ستكون مرحلة بناء للمدرب الإسباني، ليدخل الموسم المقبل بتشكيلة قويّة.
ريال اليوم ليس ريال مدريد الذي كان مع زيدان الموسم الماضي. كريستيانو رونالدو غير موجود، وكذلك النتائج الإيجابية غائبة، رونالدو ترك فراغاً كبيراً بعد رحيله. النتائج السيئة أخيراً أعطت نظرة أكثر شمولية عن رؤية زيدان. الآن سيحصل المدرب الفرنسي على ما كان يحتاجه، ميزانية ضخمة تجعله قادراً على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. ما الأهداف إذاً؟
في فترته الأولى، كان هدف إدارة النادي يتمحور حول دوري الأبطال. مع السيطرة المطلقة أوروبياً، لم يتمكن ريال مدريد من تحويل النجاح الأوروبي إلى الدوري المحلي، ففشل في تحقيق أكثر من لقبين في العقد الأخير. في تلك الفترة، حصل أتلتيكو مدريد على لقب دوري إسباني، فيما حصل برشلونة على ستة ألقاب، مع اقترابه من تحقيق اللقب الـ26 في تاريخه، مقلصاً الهوة أكثر مع ريال مدريد (33 لقباً).
من المتوقع أن يشهد سوق الانتقالات الصيفي حركةً غزيرة، إذ ستتمحور الصفقة الأولى حول معوّض رونالدو. في وقتٍ سابق، أظهر لاعب تشيلسي إيدين هازار اهتماماً واضحاً بانتقاله إلى ريال مدريد، وأبدى في أكثر من مناسبة حلمه باللعب تحت إمرة زيدان. مع عودة هذا الأخير إلى القلعة الملكية، من المرجح أن يكون هازارد الصفقة الأولى للمدرب الفرنسي في حقبته الثانية، نظراً لوجود سنة واحدة في عقده، ما سيسهل عملية الانتقال، على عكس المعوقات التي توجد في عقدي نيمار دا سيلفا وكيليان مبابي. ترميم الشق الهجومي لن يُحل بلاعب واحد، إذ من الأسماء التي قد يتخلى زيدان عنها، الويلزي غاريث بايل. رغم تسجيله هدفين في نهائي دوري الأبطال الأخير لزيدان أمام ليفربول، قد يتخلى المدرب الفرنسي عن الجناح الويلزي بعد أن اتصفت الفترة التي قضاها في مدريد بالفشل في معظم فتراتها. رغم قدومه مقابل 100 مليون يورو، كأغلى صفقة في العالم آنذاك، لم يستطع ابن الـ29 عاماً تقديم نسخة مشابهة بمستواه المعهود برفقة توتنهام الإنكليزي. أمرٌ قد يعيد أسينسيو إلى الفريق الأساسي من جديد. زيدان الذي جاء في ظروفٍ صعبة في فترته الأولى، يعيش أمراً مشابهاً اليوم. مع المدربين السابقين، فقد ريال مدريد غرفة الملابس. ظهر جلياً استياء العديد من اللاعبين جراء إجلاسهم على مقاعد البدلاء. الآن، سيجد الحرس القديم فرصة جديدة للعودة إلى التشكيل الأساسي على غرار مارسيلو وإيسكو.
تحدٍّ جدّي يعيشه المدرب الفرنسي في حقبته الثانية، قد يدفعه إلى التخلي عن بعض أهم الأسماء التي ساهمت بنجاح اسمه مدرباً، أو أقله جلب البدلاء المناسبين لهم لحين رحيلهم أو اعتزالهم. مع نهاية الموسم، سيكمل قائد الفريق سيرجيو راموس عامه الـ33، فيما سيدخل لوكا مودريتش، الحائز جائزة أفضل لاعب في العالم في نسختها الأخيرة، في عامه الـ34. رغم أهمية اللاعبين في المنظومة فنياً، وكونهما عنصرين بارزين في غرفة الملابس، قد يكونان ضحية لمشروع زيدان الجديد الذي يعنى ببناء فريق ما بعد الحقبة الذهبية، خصوصاً مودريتش الذي أبدى سابقاً رغبته في اختتام مسيرته في إيطاليا، تحديداً في إنتر ميلانو.
فور إقالته، حظيت وجهة زيدان المقبلة باهتمام المحللين، لرؤية ما قد يصنعه المدرب الفرنسي في فريق آخر بثقافةٍ مختلفة. دوريان كالإيطالي والإنكليزي كانا سيشكلان اختباراً حقيقياً لزيدان، غير أن هذا الأخير اختار الخيار الأصعب بعودته. أثبتت التجربة فشل مدربين كبار في حقبتهم الثانية مع الفرق التي دربوها، لعل أبرزهم أريغو ساكي مع ميلان وجوزي مورينيو مع تشيلسي. ولأن مسيرته التدريبية عرفت «المعجزات»، قد لا يشمل التاريخ زيدان في هذه النقطة، ليستكمل ما أنجزه في فترته الأولى من نجاحات.