قانون واحد يحكم مهنة الكوميدي. عليك دائماً أن تترك الناس ضاحكين. أما بالنسبة إلى مدربي كرة القدم، الأمر يتعلق بتركهم فائزين. في عالم مثالي، عليك أن تتركهم مع توقّع تحقيق نجاح إضافي. لم يكن في مقدور أحد أن يقوم بذلك بشكل لافت أكثر من السير أليكس فيرغسون مع الشياطين الحمر. يونايتد لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام منذ تقاعد «السير» في صيف 2013، رغم حجم الإنفاق غير المسبوق في تاريخ النادي مذّاك وحتى وصول «السبيشال وان» في 2016 وبقائه حتى الآن.
تتحسر جماهير مانشتسر على أيّام السير أليكس فيرغسون

اسمه يصدح على مدرّجات مسرح الأحلام، خالدٌ في ملعب «أولد ترافورد». في الخارج تمثالٌ كبير له، شُيّد تكريماً للإمبراطور الأحمر. مدربٌ غير عادي صاحب مسيرة امتدت قرابة 27 عاماً، حوّل مسار مانشستر يونايتد وكرة القدم الإنكليزية. نظرة العالم أجمع إلى «السير» أليكس فيرغسون، لا شكّ أنها فريدة.
الاسكتلندي الصارم والمنضبط البالغ 76 عاماً، أدار عدداً كبيراً من النجوم واللاعبين الشبّان الذين دافعوا عن ألوان النادي خلال مسيرته الطويلة المتوّجة بـ 38 لقباً. أبرز تلك الألقاب الدوري الإنكليزي الممتاز الذي أضيف إلى خزانة النادي 13 مرة، ودوري أبطال أوروبا مرتين. لعل الدليل الأكبر على تأثيره، هو عدم قدرة يونايتد على إحراز أي من هذين اللقبين منذ اعتزاله في 2013 بعد مسيرة بدأت في عام 1986. حوّل «السير» نادي الشياطين الحمر إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، أكان في كرة القدم مع قاعدة جماهيرية من آسيا إلى أميركا، أو على الصعيد التجاري حيث تقدر قيمة النادي بـ 4.12 مليار دولار أميركي، بحسب مجلة «فوربس» الأميركية.
في المستطيل الأخضر، راهن فيرغسون على عاملين: الصبر، واللاعبين الشبّان الخارجين من أكاديمية النادي. الويلزي ريان غيغز، ديفيد بيكهام، بول سكولز، نيكي بات، غاري وفيل نيفيل. أسماء انضمت إلى الفريق الأول وهم في ريعان الشباب، وأطلق عليهم لقب «فراخ فيرغي»، إلا أنّ هؤلاء أو غالبيتهم أحرزوا لقب بطولة إنكلترا للمرة الأولى في موسم 1992-1993 بعد انتظار منذ 1967، وجعلوا النادي حامل أول لقب لـ «الدوري الإنكليزي الممتاز».
«في الدقيقة التي يعتقد فيها أي لاعب في مانشستر يونايتد أنه أكبر من المدرب، كان عليه الرحيل». هذا ما كتبه «السير» في سيرته الذاتية. رحل كثيرون وبقي فيرغسون وفياً للنادي الذي تسلّم مقاليده في تشرين الثاني/ نوفمبر 1986، في مهمة صعبة كان عمادها مصالحة النادي مع مشجعيه والألقاب.
أنفق مورينيو منذ وصوله إلى مانشستر أكثر من 300 مليون جنيه


تمكّن فيرغسون من كسر الهيمنة التقليدية لفريقي سلتيك ورينجرز في كرة القدم الاسكتلندية، ولعل النجاح الأبرز في مسيرته قبل اليونايتد كان قيادة أبردين الاسكتلندي للتفوق على ريال مدريد في نهائي كأس الكؤوس الأوروبية في 1983.
أتى النجاح الأول للسير في مباراة نهائية في كأس إنكلترا ضد كريستال بالاس. تردّد قبلها أنّ الإدارة كانت على وشك الاستغناء عنه. إلا أنه بعد هذا التتويج، لم ينظر فيرغسون أو يونايتد إلى الوراء أبداً. الناشئون في اليونايتد كانوا مفتاح الثورة. اعتمد المدرب الطموح بشكل كبير عليهم. كان أبرزهم الفرنسي إيريك كانتونا، المهاجم الحادّ الطباع الذي قاد النادي إلى ثنائية محلية ثانية في 1996. عرف فيرغسون بعده نجاحاً منقطع النظير في الموسم 1998-1999، عندما حقق ثلاثية تاريخية في ألقاب الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا. بعد الثلاثية، مُنح فيرغسون لقب «سير» من قبل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية. حتى هو تفاجأ بما حققه «أبناؤه»، إلا أنّ «قتل» المباريات في اللحظات الأخيرة تحوّل مع الوقت لما يشبه علامة مسجلة باسم يونايتد، وفيرغسون. انتظر الاسكتلندي تسعة أعوام لإحراز لقب أوروبي ثانٍ وثالثٍ للنادي، وذلك بعد الفوز بركلات الترجيح على الغريم الإنكليزي تشيلسي في العاصمة الروسية. في 2013 جاء القرار الأصعب. قرر السير أليكس فيرغسون اعتزال التدريب والرحيل عن فريقه.

«الشياطين الحمر» وحقبة مويس الفاشلة
حقبة اليونايتد مع المدرّب دايفيد مويس كان عنوانها الفشل. عُين مويس مدرباً لمانشستر يونايتد في 10 مايو 2013 ووقع عقداً لست سنوات. لكنه رحل بعد أقل من موسم واحد في المنصب، بعدما أعلنت إدارة النادي الإنكليزي قرار الإقالة. بداية مويس السريعة الانتهاء كانت مع إحراز روبن فان بيرسي هدفين، ليقود «الحمر» بذلك إلى الفوز على ويغان اتلتيك في مباراة الدرع الخيرية التي كانت الأولى للمدرب الجديد مع يونايتد. كما بدأ مشواره في الدوري بالفوز 4-1 خارج أرضه على سوانزي سيتي. بعدها بدأت الهزائم تنهال على المدرّب الاسكتلندي. خسر الفريق ثلاث مرات في أول ست مباريات بالدوري من بينها هزيمة ساحقة برباعية أمام غريمه مانشستر سيتي في أسوأ بداية موسم ليونايتد منذ 24 عاماً. ثم خسر الفريق مباراتين متتاليتين على أرضه أمام إيفرتون ونيوكاسل يونايتد في أوائل ديسمبر، ليتراجع إلى المركز التاسع في الترتيب بفارق 12 نقطة خلف الصدارة. خسائر أخرى عديدة في كأس الاتحاد الإنكليزي وفي دوري أبطال أوروبا زادت الأمور تعقيداً على مويس. والأسوأ من ذلك كله، عوقب بغرامة مالية قدرها 8000 جنيه استرليني من قِبل الاتحاد الإنكليزي بسبب انتقاداته للتحكيم. وصل استياء بعض المشجعين من نتائج الفريق إلى حدّ استئجار طائرة لرفع لافتة فوق استاد أولد ترافورد كُتب عليها «أنت الشخص الخطأ، ارحل يا مويس». انتهت مسيرة مويس في يونايتد بالهزيمة بهدفين نظيفين أمام فريقه السابق إيفرتون، ليتراجع أمل الفريق في بلوغ دوري أبطال أوروبا الموسم التالي. أقيل مويس قبل نهاية الموسم. عُيّن رايان غيغز، أسطورة اليونايتد، لقيادة الفريق في الأربع مباريات المتبقية في الدوري.

لويس فان غال: تاريخ حافل بالإقالات والاستقالات
منذ انطلاقته مدرباً لأياكس أمستردام في 1997 وحتى أيامه الحرجة مع مانشستر يونايتد من 2014 حتى 2016، ذاق لويس فان غال كمدرب مرارة الطّرد من الفرق في مرتين، فيما قدّم استقالته في أجواء سيئة في 4 مناسبات، أما استقالاته في أجواء جيّدة من الفرق التي درّبها فلم تحدث سوى مرتين. في ديسمبر 2015، ضجت الكرة الإنكليزية بأحداث المؤتمر الصحافي الذي انسحب منه الهولندي مع انتقادات كثيرة من بعض الصحف الإنكليزية لتصرّف المدرب المخضرم. انسحب فان غال بعد خمس دقائق فقط من بداية المؤتمر قبل مواجهة ستوك سيتي حينها. بعدما انتقد الصحافيين بشدة على نشرهم أنباء عن إقالته وطالبهم بالاعتذار من دون أن يلبوا طلبه.
صحيفة «ذا صن» سخرت بشدّة من تصريحاته. كتبت اليوم التالي للمؤتمر على غلاف عددها «نعم نعتذر. نعتذر لأنك خرجت من دوري الأبطال. نعتذر لأنك لم تفز في آخر ست مباريات في كل المسابقات. نعتذر لأن الفريق تراجع من المركز الأول إلى الخامس. نعتذر لأنك جعلت الجماهير تملّ من مشاهدة المباريات. نعتذر لأنك أنفقت 250 مليون جنيه استرليني لتحقّق كل ذلك». الاستحواذ السلبي استراتيجية اعتمدها فان غال، أفقدت مانشستر يونايتد بريقه، وجعلت النادي أسير الفشل في الفوز ولو بأداء باهت. في أيار 2016 أعلنت صحيفة «ذا صن» رسمياً أن المدرب الهولندي انتهى مشواره مع الشياطين الحمر. أكدت إدارة مان يونايتد ذلك ليودع اللاعبون والجماهير مدرب برشلونة السابق.

مورينيو يُظلِم مسرح الأحلام
حقق البرتغالي جوزيه مورينيو ألقاباً عديدة مع بورتو وتشيلسي وريال مدريد، ولكن تبقى صفة الدفاع ملاصقة للمدرب البرتغالي. لا يبدو «السبيشال وان» كما سمّى نفسه مرتاحاً في مدينة مانشستر، حتى أنه لا يقدم أداءً جيّداً. هناك في «أولد ترافورد»، حقق رقماً سلبياً لم يحدث منذ 26 عاماً. مانشستر يونايتد لم يتعرض للخسارة مرتين في أول ثلاث جولات له بالدوري منذ 1992. مرّ موسم البرتغالي الأول في مدينة مانشستر بالعديد من المنعطفات، من بداية جيدة للدوري إلى عدد من المباريات المحبطة، وسلسلة طويلة من المباريات بلا هزيمة، نصفها تعادلات. تحوّلت بطولة الدوري الأوروبي، التي لم تكن ترقَ إلى فريق بحجم مانشستر، إلى بوابة التأهل الوحيدة الباقية لدوري أبطال أوروبا، بعد أن أصبحت بقية مباريات البرمييرليغ «مباريات لا نريد أن نلعبها». في نهاية الموسم ما قبل الماضي كان من الواضح وجود العديد من الثغرات التي تحتاج إلى التدعيم، في الأظهرة وقلب الدفاع ومركز لاعب الوسط المدافع، بالإضافة إلى مهاجم بعد إصابة زلاتان إبراهيموفيتش. بالفعل تحرك جوزيه لضم لاعب الوسط الصربي نيمانيا ماتيتش أهم صفقة لموسم 2017، وروميلو لوكاكو الذي أثبت نجاحه على قلّة حصيلته التهديفية مقارنة بهدافي بقيّة المنافسين، وعلى حساب ألفارو موراتا الذي بدأ بقوة مع تشيلسي قبل أن يهوي إلى مقاعد البدلاء. قبل بداية الموسم الحالي، بعث مورينيو برسائل جمّة مفادها: لن نفوز. في خطوة أحبطت جماهير اليونايتد، بدأ الدوري بفوز على ليستر سيتي، ثم خسارة صاعقة من برايتون، بعدها خسارة مذلّة بثلاثية من توتنهام. في مثل هذه المواقف لن يبحث أحد عن لاعب ما أخطأ في لعبة ما، أو لاعب فشل في تسجيل فرصة سهلة، كل الأقلام والأصوات والأسهم ستوجّه إلى المدرّب، ولكن لأنه مورينيو، من السهل التوقع أن لديه دائماً مخرجاً للأمور. فبدلاً من محاولة تخفيف وطأة الحدث على جماهير النادي التي سخرت منه بالتصفيق، كان الخيار الأسهل هو التهرّب من المسؤولية وإلقاء كل اللوم على التاريخ. فاز مورينيو على بيرنلي وتوجه إلى تحية الجماهير في المباراة الأخيرة.
بطبيعة الحال، ما حصل كان بسبب بعض المغالطات التي قام بها مورينيو. لم ينفق أي من المدربين السابقين ما أنفقه هو في عامين. صرف البرتغالي منذ وصوله إلى القلعة الحمراء أكثر من 300 مليون جنيه إسترليني. ببساطة هذا الرقم لا يسمح لك أن تودّع أمجد البطولات الموسم الماضي أمام إشبيلية، ولا أن تبدأ ببداية كارثية كما حدث هذا الموسم. يعتبر جوزيه أنّ الحلول في المركز الثاني الموسم المنصرم وراء مانشستر سيتي ليس بالأمر السيئ، وأنه أفضل مركز للشياطين الحمر منذ اعتزال السير أليكس فيرغسون.
هكذا بات مستقبل مورينيو حديث الساعة في أوساط اللعبة في إنكلترا، ومع ذلك، يحظى مورينيو بدعم كبار المسؤولين في النادي الذين يعتقدون أنه قادر على قلب الأمور. من يعلم، قد يفعلها البرتغالي ويعود من بعيد. لكن أن يُعيد مورينيو إلى النادي بريقه الذي كان في عهدة السير فيرغسون، فهذا حلمٌ صعب المنال.