تأسّس نادي شالكه عام 1904 على يد عمّال في مناجم الفحم. كان العمّال يخصّصون كل وقتهم للنّادي، حيث كان اللّاعبون الأساسيّون منهم يدّخرون مجهوداتهم أثناء العمل، فينامون في المنجم استعداداً للمباراة، فيما ينجز الإحتياطيّون بقيّة العمل. ومثّل ظهور «المولود الحديث» بشرى سارّة لألمانيا، حيث عاشت المملكة وقتها أزهى أيّامها وذلك بعد تطوّر استخدامات الفحم الحجري، الّذي اكتُشف للمرة الأولى في جيلسنكيرشين سنة 1840، حيث كانت المدينة الصّناعيّة الضّخمة اليوم، لا تزال قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 600 نسمة. بسرعة هائلة تحوّلت القرية إلى واحدة من أكبر المدن الصّناعية في أوروبا بعد أن بلغت أوجها في تسعينات القرن الماضي.
يعتبر نادي شالكه من ركائز الكرة الألمانية

لطالما كان نادي شالكه المعروف بـ«الأزرق الملكي» مرشّحاً للفوز بألقاب البطولات الّتي يشارك بها، واستطاع أن يكتب تاريخاً كبيراً بالذّهب خلال مشواره في البطولات المحلية داخل ألمانيا والأوروبيّة، حيث تحتوي خزائن النّادي على الكثير من الألقاب جاءت على فترات متباعدة بين عامي 1934 و2011، وكانت البطولة الأولى الّتي حقّقها هي بطولة الدّوري عام 1934، تبعتها 6 بطولات دوري ألماني، خمس بطولات كأس ألمانيا، كأس سوبر ألماني، كأس الدّوري الألماني، إضافةً لفوزه بالدّوري الأوروبي مرّةً واحدة.
يلعب نادي شالكه مبارياته على ملعب فيلتينز أرينا، وهو من أكثر الملاعب تطّوراً في العالم، حيث أنّه مصمّم على شكل قاعة عملاقة لها سقف متحّرك، كما أنّ أرضيّة الملعب تسحب إلى خارج الملعب كي تتعرّض لأشعة الشّمس، ويتّسع الملعب لـ 62,271 متفرج يقبع أغلبيّتهم في المدرّج الشّمالي حيث يوجد أكثر المشجعين تعصباً «الالتراس»، وشيّد النّفق المؤدّي إلى أرضيّة الملعب على شكل منجم لتذكير اللّاعبين بتاريخ النّادي العريق.
وشالكه كغيره من النّوادي، لديه الأعداء الأزليّين الموجودين تبعاً للحكم الجغرافي، لكنّ العداوة مع الجار بروسيا دورتموند تعود لأسباب تاريخيّة مرتبطة بالسّياسة أكثر، فالجار الأصفر الّذي يقبع على مسافة 15 كلم من الضّفّة الثّانية لنهر الرّور، رفض الانضمام في ثلاثينيّات القرن الماضي إلى الحكم النّازي، بعد أن استنكر حاكم دورتموند الأعمال الوحشيّة الّتي كانت تتّبع من قبل هتلر، فعُزل وقتها عن القيام بأي نشاط رياضي مدى الحياة. ويقال إنّ نادي شالكه كان عِشق أدولف هيتلر الثّاني بعد ألمانيا، وأنّه كان يشاهد المباريات بشكل شبه منتظم، حيث عاش الأزرق الملكي المجد ما بين عامي 1933 و 1943 بعد أن استطاع الوصول لنهائي بطولة ألمانيا تسع مرات وحقّق البطولة في ست مناسبات منها.
عودة أمين حارث باتت قريبة لتدريبات النادي الألماني


وتجلّت الكراهيّة بين النّاديين (دورتموند وشالكه)، بعد أن قامت المخابرات النّازيّة بالقبض على عاملين في دورتموند وأعدمتهم لطباعتهم منشورات ضدّ نظام الحكم في أواخر الحرب العالميّة الثّانية، ما ولّد كرهاً عظيماً داخل القلعة الصّفراء أدّى إلى حذف الرّقم 04 من طوابير التّذاكر في ملعب دورتموند، لما يرمزه الرّقم من تاريخ إنشاء النّادي الأزرق.
وشهد «ديربي الرّور» سيطرة كبيرة لنادي شالكه على حساب الجار دورتموند بين عامي 1925 و1943، حيث مني النّادي الأصفر بـ 17 هزيمة ولم يستطع الفوز بمباراة واحدة حتّى أمان شالكه، ما جعل أنصار دورتموند يتّهمون الحكّام بالتّعاطف مع شالكه لكسب رضى هيتلر. إلّا أنّ نادي شالكه في تلك المرحلة أصدر بياناً استنكر فيه عودة أسباب نجاح النّادي في تلك الحقبة لدعم هتلر، وأعادوا سبب النّجاح إلى اعتماد النّادي وقتها على أسلوب جديد في كرة القدم، عماده الكرات القصيرة السّريعة، والّتي نالت بدورها إعجاب الجماهير الألمانيّة كافّة، واستطاع النّادي الألماني عن طريقها أن يسيطر على الكرة الألمانيّة في حقبة تعدّ الأفضل لعمّال المناجم.
لم تبخل مناجم الفحم بإظهار بعض المواهب الذّهبيّة، حيث تعدّ مدرسة جيلسنكيرشن من أنجح المدارس المؤثّرة على الكرة الألمانيّة، يشهد على ذلك وجود 5 أسماء لعبت للمانشافت في مونديال روسيا 2018 تخرّجت من نادي شالكه في وقت سابق، وهم مانويل نويير حارس مرمى بايرن ميونخ الحالي، مسعود أوزيل نجم نادي أرسنال، بينديكت هوفديس قلب دفاع يوفنتوس الإيطالي، جوليان دراكسلر جوهرة وسط باريس سان جيرمان إضافةً للموهبة الألمانيّة المنتقلة حديثاً لبايرن ميونخ ليون غوريتزكا، مع الأخذ بالاعتبار الاستبعاد المفاجئ لجناح مانشستر سيتي ليروا ساني الذي نشأ في شالكه، بينما يمثّل اللّاعب أمين حارث اليوم أحد أبرز المواهب الموجودة بالفريق والّتي ينتظر منها أن تعيد العملاق الألماني إلى منصّات التّتويج. فيما تتمثّل أساطير النّادي بهدّافهم التّاريخي كلاوس فيشر والّذي يعدّ ثاني أفضل هدّاف في تاريخ الدّوري الألماني، إضافةً لكلّ من ايبي ساند، ارنست كوزورا، كلاوس فليتشر، ينز ليمان وغيرهم.
وغاب نادي شالكه عن المنافسة على الألقاب لفترة طويلة، وذلك بعد أن أصبح يعتمد على سياسة بيع النّجوم للاستفادة من عوائدها الماليّة، إلّا أنّ النّادي الألماني استطاع أن يقدّم موسماً مميّزاً العام الفائت جعله يحتلّ مركز الوصيف في الدّوري الألماني بعد العملاق البافاري بايرن ميونخ.



المستقبل لأمين حارث
سطعت في سماء الكرة الألمانيّة العديد من الأسماء العربيّة الّتي تركت بصمة في البونديسليغا، على غرار قلب دفاع بايرن ميونخ السّابق اللّاعب المغربي مهدي بن عطيّة، إضافةً لقائد نادي كولن السّابق، نجم الدّفاع اللّبناني اللّاعب يوسف محمّد، فيما يمثّل اللّاعب المغربي أمين حارث، آخر الأسماء العربيّة الرّنّانة في سماء البوندسليغا.
أمين حارث هو لاعب وسط ميدان مغربي من مواليد 1997، بدأ مشواره الاحترافي مع نادي نانت الفرنسي بعد أن صعد من مدرستهم عام 2016، ولم يستطع اللّاعب أن يقنع المدرّب وقتها، حيث سجّل هدفاً واحداً في ثلاثين مباراة لعبها رفقة النّادي الفرنسي. رغم ذلك لفت أداء اللّاعب كشّافي نادي شالكه الألماني، فوقّعوا معه عام 2017 في عقدٍ يمتدّ لأربع سنوات مقابل 10 ملايين يورو. قدّم اللّاعب في أولى مواسمه مستويات جيّدة رفقة الأزرق الملكي، وظهرت طينته المميزة بعدما دخل بديلاً في ديربي الرّور أمام دورتموند، حيث كان المارد الأصفر متفوّقاً 4-0 عند نهاية الشّوط الأوّل، إلّا أنّ دخول اللّاعب في الدقيقة 33 مثّل نقطة التّحوّل حيث ساهم في تغيير المباراة بعد أن سجّل الهدف الثّاني وساهم في صناعة الهدفين الثّالث والرّابع، إضافة لتسبّبه في طرد مهاجم دورتموند بيير إيمريك أوباميانغ، لتنتهي المباراة وقتها بالتّعادل الإيجابي 4-4 في عودة تعدّ الأجمل في تاريخ الدّوري الألماني.
وفاز اللّاعب المغربي بجائزة أفضل لاعب صاعد في الدّوري الألماني لموسم 2017/2018، إلّا أنّه لم يقدّم الكثير رفقة منتخب بلاده في مونديال روسيا حيث لم تستطع المغرب الصّعود لدوري الـ16، وأثناء إجازة ما بعد المونديال حُكم عليه بالسّجن أربعة أشهر مع وقف التّنفيذ إضافةً لدفع مبلغ 900 دولار وذلك بعد أن وجد في السّيّارة الّتي تسبّبت في مقتل مواطن مغربيّ يبلغ من العمر 28 عاماً، والّتي كان يقودها أخوه الصّغير بإذن منه. إلّا أن اللّاعب سيعود قريباً للتّدريبات وفقاً لما أدلاه المدير الرّياضي لنادي شالكه، وسيكون أمين الرّكيزة الأساسيّة الّتي يعتمد عليها الفريق مطلع الموسم الجديد للمنافسة على كلّ لقب ممكن.