إنه صيف عام 2014. تنظيم "داعش" يسيطر على الفلوجة ويقترب من الموصل. في الأثناء، فريق ريزاسبور التركي لكرة القدم يُجري معسكراً استعدادياً في مدينة فلوريدا الأميركية. لم يفكّر لاعب الفريق وقتها، العراقي علي عدنان كاظم، مرّتين. بدلاً من الرفاهية تحت شمس شواطئ فلوريدا عاد إلى شمس الصحراء الحارقة. التحق بالجيش العراقي متطوّعاً لمقاتلة التنظيم الإرهابي. في إحدى المقابلات التلفزيونية، سأل المذيع الشاب البالغ حينها 20 عاماً: لقد كنتَ لاعباً مميزاً في الملاعب، وها أنت الآن تقاتل داعش. ما الذي دفعك للقتال إلى جانب الجيش العراقي؟ مجدداً، لم يفكر علي مرّتين. قالها بلغة الواثق: "مع عائلتي وأشقائي، نساند جميعاً الجيش العراقي. نحن مستعدون لإثبات ذلك قريباً ضد داعش. أعتقد أنهم ضعفاء، الإعلام هو الذي جعلهم يبدون أقوياء على عكس ما هم عليه، وأعتقد أن الجيش العراقي سيهزمهم قريباً"، قبل أن يضيف: "لقد لبّينا جميعاً نداء العراق".هكذا، لم يتوان علي عن التضحية براحته ونجوميته وشهرته كلاعب يمثل العراق في الدوري التركي ليرفع اسم بلده في ميادين القتال بعد أن رفعه في عالم الكرة. لم يبال بالانتقادات التي صوّبت عليه بعد خطوته تلك. كان همّه الوحيد أن يخدم بلده، لو تطلب الأمر منه أن يقدّم كل ما يملك. في ساحات القتال، كان لا يتوانى عن التقاط الصور التذكارية بالبزة العسكرية إلى جانب «رفاق السلاح» بدلاً من رفاق الكرة! أما المقاتلون فكانوا يتباهون لوجود نجم عرفوه وأحبوه في الملاعب إلى جانبهم بين وابل النيران وتَعَب القتال. كان وجوده مهماً للغاية. يقول أحدهم: "لقد رفع معنوياتنا".
تجربة كانت لا شك مؤثرة في حياة هذا الشاب في مستهل مسيرته الكروية، لكن ما حصده منها كان كبيراً. تحوّل إلى بطل في عيون العراقيين. علي عدنان كاظم. مواليد حيّ القاهرة في الأعظمية في بغداد في 19 كانون الأول عام 1993. شرب حبّ الكرة منذ الصغر، إذ إن العائلة كروية بامتياز وأشهر من أن تُعرَّف، فوالده هو عدنان كاظم الذي كان في صفوف منتخب العراق عندما أحرز كأس آسيا للشباب عام 1977، أما عمّه فهو علي كاظم الأكثر شهرة والذي يُعتبر من أبرز المهاجمين في تاريخ الكرة العراقية في السبعينيات والثمانينيات أيام جيل حسين سعيد وأحمد راضي.
نما علي على عشق الكرة في شوارع الأعظمية. نشأ في ظل الاحتلال الأميركي للعراق والتفجيرات التي كانت تضرب بغداد. يقول في إحدى المقابلات الصحافية مستذكراً تلك الفترة: "يمكنك أن تتخيّل أن كل يوم كان يمثّل صراعاً من أجل البقاء، ولكن الأطفال كانوا يحاولون أن يستمتعوا بحياتهم في ظل كل الصراعات. كنت أنا وأصدقائي نلعب كرة القدم في الشوارع لنشغل أنفسنا أو نشاهد مباريات الكرة العالمية على التلفاز... كانت كرة القدم شغلنا الشاغل ووسيلة الترفيه الوحيدة لنا". هكذا كانت الكرة حلماً لعلي. في 2003 وعند احتلال الأميركيين العراق، بدأ علي مشواره يافعاً في نادي الزوراء الشهير في العاصمة ثم انتقل إلى الفريق الشهير الآخر القوة الجوية، لكن خطوته الأولى كلاعب كانت في فريق شباب بغداد عام 2010 الذي استمر فيه حتى 2013. ذلك العام شكّل نقطة التحوّل في مسيرة علي عندما شارك مع منتخب "أسود الرافدين" في كأس العالم للشباب في تركيا حيث حل العراق في المركز الرابع وبرزت موهبة علي ولفتت أنظار العديد من الفرق الأوروبية ليضمه ريزاسبور. علي يعتبر أن بدايته مع هذا الفريق رغم العروض من فرق أكثر شهرة كانت مفيدة له إذ إنه كان لا يزال صغيراً حينها.
النقلة النوعية في مسيرة علي كانت في 2015، عندما تلقّى اتصالاً تبلّغ فيه أن أودينيزي الإيطالي يريد التعاقد معه. كان وقع المفاجأة كبيراً عليه. كيف لا؟ وأودينيزي نادٍ معروف في إيطاليا ولعب في صفوفه نجوم أمثال المحلي أنطونيو دي ناتالي والألماني أوليفر بيرهوف والتشيلياني أليكسيس سانشيز والكولومبي خوان كوادرادو. مجدداً، لم يفكّر علي مرّتين. وافق على الفور. بمجرّد أن وضع توقيعه على كشوفات النادي دخل علي التاريخ. أصبح أول عراقي يلعب في الدوري الإيطالي.
البداية ستظلّ في الذاكرة، فقد فاز أودينيزي على يوفنتوس البطل في عقر داره. التاريخ سيكتبه علي مرة ثانية في العام التالي عندما بات أول لاعب عراقي يسجّل هدفاً في "الكالشيو". كان ذلك في المباراة أمام جنوى. الإشادات انهالت على الشاب العراقي. الإعجاب كبُر به. موهوب هو في مركز الظهير الأيسر. يجيد الواجبين الدفاعي والهجومي. تأثّر في صغره بالبرازيلي روبرتو كارلوس. دعنا نقول إذاً إنه "روبرتو كارلوس العراق".
هكذا، بات علي مع الوقت من العناصر الأساسية في تشكيلة أودينيزي. السبت الماضي، كان يسجل هدفاً في المباراة أمام ساسوولو. هدف وصلت أصداؤه إلى بغداد. مجدداً، علي مصدر لفرح العراقيين الشغوفين بالكرة. علي عدنان كاظم الذي شقّ طريقه نحو النجاح بلا مساعدة من أحد. مكانته كبيرة في قلوب العراقيين. قاتل يوماً للدفاع عن وطنه، وها هو يحمل أحلام شعبه، إلى ملاعب الأضواء الإيطالية.