بعد تأكيدها في بداية العام الحالي أنها تنوي البحث عن مخرج يسمح للرياضيين الروس والبيلاروس المشاركة في أولمبياد باريس 2024، تحت عنوان أنه «لا ينبغي أن يُحرم أيّ رياضي من المشاركة (في التظاهرات الرياضية) بسبب جواز سفره»، عادت اللجنة الأولمبية الدولية وتراجعت أخيراً عن قرارها على وقع التهديدات الغربيّة. وقبل حوالي 48 ساعة، أصدرت الأولمبيّة الدوليّة قرارها القاضي بإعادة الرياضيين الروس والبيلاروس إلى المسابقات الدوليّة، تحت علم محايد و«بصفة فردية»، مشترطة عدم دعمهم ما وصفته بالتدخّل العسكري الروسي في أوكرانيا.

وحاولت اللجنة الهروب إلى الأمام، حينما أعلنت لجنتها التنفيذية أنها ستقرّر «في الوقت المناسب» مشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس في أولمبياد باريس 2024 الصيفي، بصفة فردية. وقال رئيس اللجنة، الألماني توماس باخ: «نريد مراقبة تنفيذ هذه التوصيات لأطول فترة ممكنة حتى نتمكن من اتخاذ قرار واضح. الهيئة لم تحدّد جدولاً زمنياً، لا أحد يعلم ماذا سيحدث غداً أو بعد تسعة أشهر». وعلى رغم انطلاق التصفيات المؤهلة إلى الألعاب الأولمبية، إلا أن الهيئة الأولمبية لم تعلن عن عودة اللاعبين الروس والبيلاروس بعد إلى المنافسات. والواضح أنها ستترك الأمور حتى اللحظة الأخيرة، ليتم دعوة بعض الرياضيين للمشاركة تحت العلم الأولمبي وليس تحت علم بلادهم، كما حصل في الدورات الممتدة من 2016 وحتى 2022 بشكل ظالم. وحذرت العديد من الأطراف هنا، أن يتم الضغط على بعض الرياضيين لإطلاق مواقف سياسية معادية للدولة الروسية.
كل هذه التفاصيل تدل بشكل واضح على أن اللجنة الأولمبية خضعت للضغط، بخاصة في وقت هددت أكثر من 30 دولة معظمهم من أوروبا الغربية بمقاطعة الألعاب الأولمبية في باريس، في حال تمت الموافقة على مشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس بصفة منتخب وتحت علم بلادهم. كما أن العديد من الهيئات الرياضية _المعارضة لموسكو _ أصدرت بيانات تطالب باستمرار منع الرياضة الروسية عن المشاركات الخارجية، بخاصة الأولمبية منها. وتدخل رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي لدى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وطالبه بعدم استقبال الرياضيين الروس.
سقط مجدداً مبدأ فصل السياسة عن الرياضة الذي يجب أن تلتزم به اللجان والاتحادات الرياضية


وفي هذا الإطار جددت العديد من الجهات التذكير بأنه لا يحق لأي دولة تحديد من يشارك في الألعاب الأولمبية، على اعتبار أن القرار الأول والأخير في تحديد المشاركين يعود للجنة الأولمبية الدولية. كما أن الأمر المهم الذي تخالفه الأولمبية الدولية، ومعها الاتحادات الرياضية على اختلافها هو مبدأ فصل السياسة على الرياضة، والذي في حال ثبوته يعرض أي اتحاد أو جهة رياضية للإيقاف لفترة طويلة.
ورداً على القرار اعتبر رئيس اللجنة الأولمبية الروسية، ستانيسلاف بوزدنياكوف، أن المعايير التي أعلنتها اللجنة الأولمبية الدولية «غير مقبولة على الإطلاق». وذكّرت العديد من الجهات الرياضية بما فعلته واشنطن وحلفاؤها سابقاً من أجل وضع الرياضة الروسية تحت العقوبات، بخاصة من خلال قضية التنشط الممنهج التي فتحت قبل أولمبياد سوتشي الشتوي عام 2014. وفي تلك الفترة وتحديداً في 2016، فرّ مدير المختبر الروسي لمكافحة المنشّطات، غريغوري رودتشنكوف، إلى واشنطن بذريعة «الخوف على أمنه الشخصي»، ليَعقب ذلك بعد أربع سنوات طرْح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قانون «غريغوري رودتشنكوف لمكافحة المنشّطات»، والذي يسمح للمحاكم الأميركية بإصدار أحكام جنائية بتهمة تعاطي المنشّطات في الأحداث التي يشارك فيها الرياضيون الأميركيون.
هذه الأحداث والتطورات الممتدة من عام 2012 وحتى اليوم ينبغي التحقيق بها بشكل معمق من قبل هيئات دولية على أعلى مستوى، مع الابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين. فإيقاف الرياضة الروسية عن المشاركات الخارجية على خلفية العملية العسكرية الدائرة في أوكرانيا، كان يستوجب إيقاف الرياضة في العديد من الدول أو الكيانات المنخرطة بالحروب، مثل الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، ويعتدي على شعبها، بينما تشارك منتخباته وأنديته في المسابقات الدولية... وهذا الأمر ينسحب على العديد من الدول الغربية مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا التي تحتل مناطق واسعة من أفريقيا وآسيا وتنهب ثروات الشعوب، ولا تخضع لأي عقوبات. سقطت الأولمبية الدولية مجدداً، ويبدو أن الرياضيين الروس سيشاركون مرة أخرى تحت علم محايد، ومن دون رفع علم بلادهم ولا سماع نشيدهم، وفي الأمر عدم عدالة مع الرياضيين الآخرين.