يوم الاحد الماضي احتفل سائق «ريد بُل رايسينغ» الهولندي ماكس فيرشتابن بفوزه الأول هذا الموسم في بطولة العالم للفورمولا 1 عندما صعد الى أعلى درجة على منصة التتويج في ختام سباق جائزة الذكرى الـ 70 الكبرى على حلبة سيلفرستون.لكن القصة ليست هنا، وليست في كسر فيرشتابن لهيمنة فريق مرسيدس على سباقات الفئة الأولى مع انطلاق موسمها، ولا في التغلب على بطل العالم البريطاني لويس هاميلتون حيث لا يُقهر. القصة كانت عائلية بحتة، إذ في هذا السباق تخطى ماكس والده السائق السابق يوش فيرشتابن بخوضه السباق الرقم 107 في مسيرته.
رقمٌ كبير من دون شك لأن ماكس لم يتجاوز الـ 22 من العمر، بينما قضى والده سنوات طويلة بين عامي 1994 و2003 ليقف 106 مرات على خط الانطلاق. والمفارقة هنا أن يوش يعتبر أفضل سائق في تاريخ هولندا، لكنه لم يفُز بأي سباق في الفئة الاولى، مكتفياً بالصعود الى منصة التتويج في مناسبتين فقط.
هو يعلم أن التاريخ سيتغيّر عاجلاً أم آجلاً لأن نجله هو مشروع بطل للعالم، إذ إن اللقب الكبير سيكون في انتظاره في المستقبل القريب، وهو الذي جعل والده يقول عنه يوماً بأن دخوله عالم الفورمولا 1 أعطى دفعة كبيرة لهذه الرياضة. وبالتأكيد يبدو يوش محقاً في قوله هذا، إذ إن ماكس ورغم عدم قيادته أفضل سيارة على الحلبة، فقد حقق 9 انتصارات وصعد الى منصة التتويج 35 مرة.
سرّ الشاب الموهوب ليست جرأته فقط بل الحمض النووي الموجود في جسمه والذي ورثه عن والده. الأخير كان الموجّه الأول لنجله ولقّنه كل ما جمعه من خبرات متراكمة أيام كان سائقاً، فترجمه ماكس انتصارات على الحلبات التي يبدو أنها ستتذكر اسمه دائماً.

نجوم المستقبل يهددون آباءهم
إذاً هي الجينات الموجودة في أجساد أولئك الرياضيين المتألقين والذين يمكن أن تجدهم في كل الرياضات البارزة.
هناك في ألمانيا برز اسم جيوفاني راينا الذي تألق مع بوروسيا دورتموند رغم انه لم يتجاوز الـ 17 من العمر. هذا الفتى الذي يُعدّ نجماً عالمياً في طور الإعداد لم تأتِ موهبته بالصدفة، فهو نجل أحد أساطير كرة القدم الأميركية، وكابتن منتخب الولايات المتحدة سابقاً كلاوديو راينا.
لاعب الوسط السابق الذي لمع نجمه في ألمانيا، اسكوتلندا وإنكلترا، أنجب جيوفاني من دانيال إيغان، وهي لاعبة سابقة في منتخب الولايات المتحدة للسيدات. من هنا، ليس مستغرباً أن يحمل جيوفاني جينات والديه ويضع نفسه بين أكثر المواهب المرشحة لتصيب النجومية العالمية. ومما لا شك فيه أن حامل اسم زميل والده السابق في رينجرز، الهولندي جيوفاني فان برونكهورست، يبدو قادراً على تخطّي كلاوديو في الدوري الألماني ومن بوابة المنتخب الأميركي الذي اختاره للدفاع عن ألوانه رغم أنه كانت لديه خيارات ارتداء قميص منتخبات إنكلترا (بحكم ولادته في سندرلاند)، الأرجنتين (حيث تنحدر أصول والده)، والبرتغال (نسبةً إلى جدته).
جينات النجومية الموروثة موجودة في أجساد عددٍ من المتألّقين في رياضات بارزة


وليس بعيداً من دورتموند، يبدو الهداف الموهوب إيرلينغ هالاند جاهزاً لجعل بلاده النروج تنسى اسم والده ألف – إينغه هالاند. الأخير اشتهر بكرهه لمانشستر يونايتد أيام كان لاعباً لمانشستر سيتي في إنكلترا حيث قضى 10 سنوات (دافع عن ألوان نوتنغهام فوريست وليدز يونايتد أيضاً)، وحيث انتهت مسيرته عملياً بعد إصابة تعرّض لها في الركبة بسبب مخاشنة قائد «الشياطين الحمر» الإيرلندي روي كين له.
اليوم لا يشكّك أحدٌ بأن إيرلينغ سيتخطى والده بكل شيء، فأرقامه وهو الذي بلغ الـ 20 من العمر الشهر الماضي، تحكي عنه كثيراً، إذ منذ وصوله إلى ألمانيا في منتصف الموسم المنتهي أخذ البوندسليغا بعاصفته التهديفية وبات الهدف الاول لأكبر الأندية الأوروبية التي لن تتردد في دفع أكبر مبلغ ممكن للتعاقد معه عندما تسنح لها الفرصة.
وبالحديث عن ألمانيا، لا يخفى أن أكبر عناوين الموسم المقبل سيكون اسم لوروي سانيه القادم الى بايرن ميونيخ بعد فترة ناجحة مع مانشستر سيتي الذي انتقل إليه إثر صعوده الصاروخي نحو النجومية من أكاديمية شالكه الى الفريق الأول في هذا النادي.
ألمانيا كلها تعرف طبعاً قدرات سانيه، لكن الواقع أنه سيحتاج للقيام بأشياءٍ كبيرة لتخطي أرقام والده سليمان الذي يعدّ أحد أوائل المهاجمين الافارقة الذين تألقوا في الملاعب الالمانية مسجلاً 116 هدفاً. سانيه الأب الذي لعب مع منتخب السنغال 55 مباراة دولية سجل خلالها 29 هدفاً، يعرف تماماً أن ساحة ابنه أوسع بكثير لحصد الألقاب والنجومية القصوى، ففي نهاية المطاف يلعب لوروي مع أهم فريقٍ في البوندسليغا أي بايرن ميونيخ ويدافع عن ألوان أحد أهم المنتخب في التاريخ أي منتخب المانيا.

مواهب سلوية بالوراثة
الأمثلة الحالية كثيرة في كرة القدم، لكنها حاضرة في رياضات أخرى مثل كرة السلة حيث ورث نجم غولدن ستايت ووريرز ستيفن كوري موهبة التصويب بدقة من والده ديل. الأخير كان أحد أفضل المسددين خلال أيامه لاعباً حيث قُدّرت نسبة نجاحه في الرميات الثلاثية في ختام مسيرته بـ 40%. اليوم ولداه ستيفن وسيث يعدّان أيضاً من أفضل المسددين في الدوري الأميركي الشمالي للمحترفين، الأول بالكمية والنوعية التي منحته جائزة الـ «أم في بي» مرتين، والثاني بوضع نفسه في مركزٍ متقدّم على لائحة أفضل مسددي الثلاثيات في تاريخ الدوري بنسبة نجاح وصلت الى 44.3%.
تيم هارداواي أيضاً وجد نفسه في ظل نجله الذي يحمل اسم تيم هارداواي جونيور، فما أن دخل الأخير عالم الـ «أن بي آي» حتى أظهر موهبة كبيرة في التسديد عن خط الثلاث نقاط، وهي ميزة لم يعرفها والده الذي اشتهر باختراقاته للسلة.
وعن الثلاثيات نتحدث لنذكر اسم أحد أفضل اللاعبين في هذا المجال وهو كلاي طومبسون الذي بفضل سلاحه الفتاك حمل اللقب أكثر من مرّة الى غولدن ستايت. والده ميشال لم يلعب لمواسم طويلة في دوري العمالقة، لكنه رغم ذلك أنهى مسيرته بمعدلّ بلغ 20.8 نقطة في المباراة الواحدة. معدلٌ أكثر من جيّد لكنه لا يساوي شيئاً مقارنةً بما حققه كلاي الفائز بثلاثة خواتم، والذي خاض مباراة «كل النجوم» 5 مرات.
وبين الراحل كوبي براينت ووالده جو، والنجم السِابق غرانت هيل ووالده كالفن تكثر أسماء النجوم الذين تفوّقوا على آبائهم في الدوري الأميركي، وهو الأمر عينه الذي ينطبق على رياضات أخرى تعدّ محظوظة بأن أسماء النجوم السابقين الذين أغنوها لم تمت بل تحيا من جديد بشكلٍ أجمل وأفضل بكثير.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا