كان من المفترض أن تعجّ العاصمة اليابانية أمس بآلاف الزوّار والمشجّعين الآتين من مختلف أصقاع الأرض للمشاركة في الحدث الرياضي الأكبر عالميّاً، والذي كان من المقرّر أن يُفتتح اليوم الجمعة. لكن تفشّي الفيروس دفع إلى تأجيل الأولمبياد عاماً كاملاً. تأجيلٌ فرض احتفالاً متواضعاً في الملعب الوطني أمام مدرّجات خالية بعدما منعت السلطات حضور الجماهير، إثر تزايد حالات الإصابة بكورونا، قبل عام من موعد حفل الافتتاح الجديد في 24 تموز/ يوليو 2021. أُعيد ضبط لوحات العدّ التنازلي لموعد انطلاق الألعاب في مختلف أنحاء طوكيو، حيث تشير الأرقام إلى تبقي «365 يوماً لأولمبياد طوكيو 2020»، نظراً إلى أن الدورة ستحتفظ باسمها الرسمي.
على الرغم من الانتكاسة والإحباط اللذين يحيطان بالأجواء، يؤكّد المسؤولون اليابانيّون والأولمبيّون أنّ إقامة الألعاب العام المقبل ستكون رسالة أمل لتجاوز العالم محنة فيروس كورونا الذي تسبّب بوفاة أكثر من 617 ألف شخص حول العالم، منذ ظهوره للمرة الأولى في الصين أواخر 2019.
ورأى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ الأسبوع الفائت أن أولمبياد طوكيو قد يشكّل «حدثاً فريداً للعالم بأسره»، مشيراً إلى أنه سيكون «أوّل تجمّع عالمي بعد فيروس كورونا».
ومع ذلك، لم يخفِ الخبراء والمسؤولون، بمن فيهم باخ ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، احتمال الاضطرار إلى اتّخاذ قرار بإلغاء دورة ألعاب أولمبية للمرة الأولى في زمن السلم، ما لم تتم السيطرة على الوباء بحلول العام المقبل.
واتّخذ الطرفان في آذار/ مارس الماضي قراراً تاريخياً بتأجيل الأولمبياد مع تفشّي الوباء على نطاق واسع، حيث فرض العديد من دول العالم إجراءات الإغلاق التام بما يشمل حركة التنقل والسفر، ما حال دون مواصلة الرياضيّين تمارينهم وجمّد التصفيات المؤهّلة إلى الدورة الأولمبية.
ومنذ ذاك الحين، رفعت الدول تدريجياً القيود لا سيما في أوروبا حيث تراجع عدد الإصابات والوفيات، لكنّ الفيروس لا يزال يتفشّى بقوة في بلدان أخرى كالولايات المتّحدة والبرازيل والهند.
وفي المدن التي رفعت إجراءات الإغلاق التام أو تمّ تخفيفها، سُجّل ظهور موجات جديدة من الإصابات، ما يثير تساؤلات حول كيفية إقامة حدث يحضره عشرات الآلاف من الأشخاص القادمين من جميع أنحاء العالم من رياضيين ومشجعين وعاملين في التنظيم.

سلبية الرأي العام
كما يبدو الرأي العام في اليابان أقلّ تفاؤلاً، حيث أظهر استطلاعان في تموز/ يوليو أنّ ربع السكان فقط يرغبون في إقامة الدورة، فيما ترى الغالبية وجوب إرجائها مجدّداً أو إلغائها بالكامل.
وتقول ساشيكو أهونوان (50 عاماً)، الموظّفة في أحد متاجر العاصمة، لوكالة «فرانس برس»: «أنا قلقة حيال الوضع حتى العام المقبل. من غير الواضح إلى أيّ مدى سيكون فيروس كورونا تحت السيطرة».
وأعلنت طوكيو تسجيل 366 إصابة بكورونا، وحثّت عمدة المدينة يوريكو كويكي الأربعاء السكان على البقاء في منازلهم في نهاية الأسبوع المقبلة الممتدة أربعة أيام، ضمن المساعي لاحتواء الوباء.
وأقرّ المسؤولون اليابانيون بأنّ تأجيل الأولمبياد لمرة ثانية سيكون شبه مستحيل، وسيضطرون في حال عدم التمكّن من إقامة الألعاب، إلى إلغائها بالكامل، نظراً إلى الصعوبات اللوجستية والتحديات المالية التي يفرضها تأجيل حدث من هذا الحجم.
ويتوقّع أن يشارك في أولمبياد طوكيو نحو 11 ألف رياضي، وأيّ تعديل في موعده مجدّداً سيؤثر على روزنامات شائكة للعديد من الاتّحادات الكبرى.
وأعلنت اللجنة المنظمة حلّ معضلة أساسيّة طرحها التأجيل الأول، وهي ضمان توفّر كلّ المنشآت والمواقع المقرّرة لاستضافة الأولمبياد لصيف 2021، كما أنّها لم تدخل الكثير من التعديلات على جدول المنافسات.
ومع تحديد الجدول الزمني، يمكن للرياضيين بدء التحضير للدورة المؤجّلة، بحسب المدير الرياضي للألعاب كوجي موروفوشي الذي رأى مؤخراً أنه يمكن لهؤلاء «أن يضعوا أهدافاً ملموسة للعمل من أجلها». إلّا أنّ الرياضيين يبدون أقل تفاؤلاً. وأقرّ البطل الأولمبي الياباني للجودو شوهاي أونو في حديث إلى قناة «أن إتش كاي» العامّة «لأكون صريحاً، ما زلت لا أستطيع التفكير بأولمبياد العام المقبل. أنا أضع هدفاً للأسبوع المقبل فقط».
ولا تزل الكلفة النهائية لتأجيل الألعاب وإعادة حجز المنشآت غير واضحة، حيث يسعى المنظمون لإقامة ألعاب أبسط والتخفيف قدر الإمكان من فخامة الدورة، لا سيما في حفلَي الافتتاح والختام.
كما لا تزال التدابير اللازمة للحؤول دون انتشار الفيروس، في حال عدم السيطرة عليه بحلول العام المقبل، غير واضحة بعد.
وتبقى مسألة وصول الرياضيين والمشجعين معضلة أساسية نظراً إلى إغلاق اليابان حدودها أمام القادمين من جميع الدول باستثناء مجموعة محدودة من الدول، كجزء من إجراءات الحكومة المحلّية لمكافحة تفشّي الفيروس.
وردّاً على سؤال حول سيناريو إقامة الألعاب بدون متفرّجين، قال باخ الأسبوع الماضي: «ألعاب أولمبية خلف أبواب موصدة هي أمر لا نريد القيام به. نعمل على حلّ من أجل الألعاب الأولمبية يضمن من جهة صحّة كلّ المشاركين، ويعكس من جهة أخرى الروحيّة الأولمبية».