للمرة الخامسة يدخل منتخب الأرجنتين بطولة كوبا أميركا وفي تشكيلته نجمه الأول ليونيل ميسّي. بطولةٌ ليست المفضّلة بالنسبة إلى الشعب الأرجنتيني، لكن الفوز بها قد يُعوّض شيئاً من الإخفاقات المونديالية التي رافقت الـ«ألبيسيلستي» طوال السنوات الـ32 الماضية، ولا بأس بها بعد حرمانٍ من الكؤوس دام 25 عاماً. هذه المرّة ستكون الكأس في البرازيل، وقد يريدها الأرجنتينيون أن تخرج من هذه البلاد أكثر ممّا أن تذهب إلى بلادهم، وهذه المهمّة أوكلت إلى ليونيل ميسي، الساعي بدوره ليكون ابن الأرجنتين الأوّل، ويقترب من إزاحة دييغو مارادونا عن عرشه.يُقال «لكل زمنٍ رجاله». بالنسبة إلى مشجّعٍ أرجنتيني، حضر في ملعب أزتيكا المكسيكي في 22 حزيران 1986، برفقة أكثر من 100 ألف مشجّعٍ آخر، وشاهد لاعباً يمرّ عن مدافعٍ ويُسقط آخر ليُسجّل هدفين في مرمى المنتخب الإنكليزي ويقود الأرجنتين إلى نصف نهائي كأس العالم، قبل أن يُسجّل هدفين آخرين في مرمى بلجيكا، ثم يرفع من بعدها الكأس الذهبية أمام أنظار الفرنسيين، لم تُخلق أقدامٌ أفضل من قدمي دييغو مارادونا، ولا يدٌ أفضل من يده أيضاً. أمّا بالنسبة إلى من لم يُعاصر «إل ديوس»، ورأى ميسّي بعد 28 عاماً على أرض (الجارة) البرازيل، يمرّ إلى جانب مجسّم كأس العالم، وينظر إليه دون أن يلمسه، فمارادونا، لا يزال هو ابن الأرجنتين المفضّل.

قد يرى بعض الأرجنتينيين في ميسّي شخصيةً أفضل من مارادونا، على أساس أنه الأفضل في العالم لخمس سنوات، وقدوةٌ لملايين الأشخاص حول العالم، وحامل بطولات وألقاب كثيرة في جميع المسابقات التي شارك فيها مع ناديه، لكن ما يحصل في العالم يختلف عمّا يحصل في الأرجنتين، وألقاب ميسّي الفردية هذه، أو الجماعية مع برشلونة الإسباني، لم ترفع من شأن الأرجنتين، ولم تأتِ بكأس العالم إلى أرضها، كما فعل الرجل الذي تمرد على جميع القوانين وواجه الفيفا، دييغو مارادونا. المشجعون يقيّمون اللاعبين على أساس ما يقدّمونه على أرض الملعب، لا خارجه، وأرض كتالونيا ليست أرض الأرجنتين. عندما تفوز بكأس العالم لصالح الـ«ألبيسيلستي»، يحقّ لك ما لا يحقّ لغيرك، وما فعله مارادونا بالأمس يشفع له عند الأرجنتينيين عمّا يفعله اليوم خارج الملعب.
وفي الحديث عن الشخصية، كُثرٌ شككوا بدور ميسّي كقائدٍ لمنتخب الأرجنتين، وكما جرت العادة، يُقارن نجم «البلاوغرانا» بسلفه مارادونا. الأخير قال يوماً إن ميسّي «أفضل لاعبٍ في العالم، رفقة البرتغالي كريستيانو رونالدو، لكنه ليس قائداً». يرى كثيرون في هذا الكلام حقيقةً لا يُمكن الهروب منها. ميسّي ليس القائد الأمثل للأرجنتين، ولا لبرشلونة حتّى. تصريحاته الأخيرة بعد الخسارة أمام ليفربول بدوري أبطال أوروبا أكّدت هذا الأمر. دور القائد على أرض الملعب وفي غرف الملابس يترك تأثيراً في باقي اللاعبين، وهو غالباً ما لا يفعله حامل الرقم (10). خافيير ماسكيرانو مثلاً، على الرغم من أنه يُصنّف لاعباً عادياً بالنسبة إلى الكثير من الجماهير، لكنه قائدٌ أفضل من ميسّي لدى الأرجنتينيين.
كثر شككوا بدور ميسي كقائد لمنتخب الأرجنتين


لم يخفِ مارادونا أن زملاءه الذين شاركوا معه في مونديال 1986 أفضل من الذين يرافقون ميسّي. تصريحات النجم الأرجنتيني دائماً ما تكون متضاربة، وغالباً لا يُبنى عليها لأنها في الكثير من الأحيان تكون عاطفية، لكنه أصاب في هذا التصريح، حين اكتفى بتسمية اللاعبين الذين لعبوا معه، مؤكداً أنهم أفضل من الذين خاضوا مونديالي البرازيل 2014 وروسيا 2018، إلا أن هذه نصف الحقيقة فقط. يذهب البعض إلى لوم هؤلاء لعدم ظفر ميسّي باللقب القاري الأغلى، أو بأي لقبٍ للمنتخب الأرجنتيني. حامل الرقم (10)، سجّل نحو ضعف ما سجّله مارادونا لمنتخب بلاده، ومعظمها في بطولاتٍ رسمية. شارك في مسابقاتٍ أكثر، ولعب عدداً أكبر من المباريات، فكيف لا يكون أفضل من دييغو؟ لأن النتائج تحكم بكرة القدم، ومارادونا الذي لم يسجّل أي هدفٍ من أهداف الأرجنتين الثلاثة في نهائي مونديال 1986، كان النجم الأوّل لما قدّمه في مبارياتٍ سابقة. ميسّي أيضاً، لم يسجّل في النهائي بمواجهة ألمانيا، لكن على عكس سلفه، لم يُسجّل في نصف النهائي، ولا في ربع النهائي، ولا في دور الـ16 حتّى. زملاء ميسّي ساعدوه أيضاً، هذه نصف الحقيقة الثانية، لكنهم ذهبوا ضحيّة عدم فوزه بلقبٍ قاريّ. غونزالو هيغواين أهدر فرصةً سهلة، وأضاع هدفاً آخر، ربما كان لميسّي دورٌ فيه لو سُجّل، لكن هيغوايين، الضحيّة الأكبر، له أهدافٌ دولية أكثر من خورخي فالدانو، لعب أكثر منه أيضاً. حاله كحال زميله حين يقارن بمارادونا، ومشكلته هي عينها: النتيجة النهائية. فالدانو سجّل في النهائي، هيغواين لم يفعل. صحيحٌ أن الأسماء التي لعبت إلى جانب مارادونا أكبر من الذين يلعبون برفقة ميسّي اليوم، لكن بعض نجوم منتخب الأرجنتين، هم أيضاً من نجوم اللعبة حول العالم، ولا صورة لهم على حائط الشرف الأرجنتيني.
اليوم بات هيغواين خارج الصورة. ربما لم يكن ليُستدعى من الأساس في ظل المستوى الذي يقدّمه مع تشيلسي. سيرجيو أغوييرو سيحضر بدلاً منه، وسيكون حتماً ضحيّةً جديدة، سواء فازت الأرجنتين بلقب كوبا أميركا أو لم تفعل، كل اللاعبين ضحايا في الأرجنتين طالما أن الأنظار موجّهةٌ نحو ميسّي، اللاعب الذي قدّم لكتالونيا أكثر ممّا فعل للأرجنتين، وسيبقى الرقم (2) في بلاده بالنسبة إلى الجمهور هناك، حتّى يحمل كأس العالم. قبل ذلك، فرصةٌ تاسعةٌ، قبل العاشرة على أرض وطنه بعد عامٍ من اليوم، ليظفر بلقب القارة، ويقترب من عرش مارادونا. قد يكون ميسّي أفضل لاعبٍ في العالم، لكن ليس في الأرجنتين، حتى الآن.