حققت اليابانية نعومي أوساكا لقبها الثاني في البطولات الكبرى لكرة المضرب (غراند سلام)، بفوزها في بطولة أوستراليا المفتوحة على التشيكية بيترا كفيتوفا بمجموعتين مقابل مجموعة واحدة بواقع (7-6) و(5-7) و(6-4). ويوم أمس فاز الصربي نوفاك ديوكوفيتش على الإسباني رافاييل نادال في نهائي البطولة عينها (رجال) بثلاث مجموعات دون ردّ، ليحصد لقبه السابع في أوستراليا (رقم قياسي). إلّا أن اللافت كان حجم الجوائز، والأموال التي حققها اللاعبون من هذه البطولة، والتي إن دلّت على شيء فهو حجم الإنفاق والإعلان في رياضة التنس، وهي التي تعتبر لعبة للأغنياء نظراً للتكلفة المالية العالية التي يدفعها كل من يريد أن يمارس هذه الرياضة.من الملاعب الملكية في فرنسا، إلى الملعب الرئيسي في ويمبلدون (بريطانيا)، مرت رياضة كرة المضرب بتحولاتٍ كثيرة. ومن الملك هنري الثامن إلى الإسباني رافاييل نادال، فرضت «اللعبة البيضاء» كما تسمّى، نفسها، حتى أصبحت من أكثر الرياضات شهرةً حول العالم. إلا أنّ هذه الرياضة العالمية التي لا تعرف ركوداً، تواصل تحريك ماكينة الأموال دون توقف، وبحركة تزداد كل عام، إذ تواصل بطولات الـ«غراند سلام» الأربع الكبرى تنافسها، وذلك عبر سلاح الجوائز المالية.
بيترا كفيتوفا

على عكس سائر الألعاب الرياضية، لم يكن الظهور الأول للعبة التنس في شكل رياضة تنافسية، بل نشأت كطريقة من طرق الترويح و قضاء الوقت للنبلاء و الأمراء الفرنسيين في القرن الحادي عشر الميلادي، إذ كان يُمارس شكلاً قريباً من أشكال اللعبة الحالية في أفنية القصور وحدائقها. لذلك، تُعرَف كرة المضرب في الأوساط الرياضية على أنها رياضة الأغنياء، فهي أصبحت أكثر شعبية بين الطبقة الأرستقراطية، قبل أن تأخذ بالانتشار وتصبح أكثر شيوعاً لدى فئات المجتمع التي تمتلك أموالاً أقل من الأمراء، ولكن بطبيعة الحال هي لعبة لمن يملكون المال. التنس لا تزال حتى الآن لعبة الأغنياء، إذ يتكبد اللاعبون الناشئون خلال بداياتهم في اللعبة أموالاً طائلة بهدف الاحتراف والتعلم في أكاديميّات خاصة. فعلى سبيل المثال، تتقاضى أكاديميّة رافاييل نادال للتنس، التي افتُتحت عام 2016 في جزيرة مايوركا الإسبانية، 56 ألف يورو (62 ألف دولار) سنوياً مقابل تعليم التنس والدراسة الأكاديميّة، فيما تبلغ تكلفة أكاديمية باتريك مراد أوغلو المطلة على ساحل الريفييرا الفرنسية، حيث تدربت سيرينا ويليامز والصربي نوفاك ديوكوفيتش، نحو 40 ألف يورو سنوياً. لذلك، ترتفع تكاليف إعداد لاعب تنس محترف، ولا سيما في ظل عدم وجود ضمانات لنجاحه في عالم الاحتراف، مع وصول أغلب اللاعبين إلى ذروة مسيرتهم في أواخر العشرينيات من العمر، وعدم فوز لاعبين صغار السن ببطولات كبرى إلا في ما ندر، كفوز اليابانية الشابة نعومي أوساكا على الأميركية سيرينا ويليامز في نهائي بطولة أميركا المفتوحة، وإحرازها لقب أوستراليا المفتوحة قبل أيّام. لكن في حال تمكُّن أحدهم من الفوز بإحدى البطولات الأربع الكبرى، يحصل على أرباح خياليّة.
رافاييل نادال

وتقام هذه البطولات مرة واحدة في السنة، وهي منظَّمة على التوالي، بطولة أوستراليا المفتوحة، بطولة فرنسا المفتوحة (دورة رولان غاروس)، بطولة ويمبلدون وبطولة أميركا المفتوحة. ويحصل الفائز بإحدى هذه البطولات على ألفي نقطة، عوضاً عن الجوائز المالية الضخمة والشهرة في عالم الكرة الصفراء، إلى جانب عقود الرعاية والإعلانات.
تفوق تكاليف العام الواحد لتعلّم رياضة التنس 40 ألف دولار أميركي كمعدل وسطي

هذا وقد شهدت اللعبة في السنوات الأخيرة إقبالاً جماهيرياً متزايداً، ما أدى بالتالي إلى زيادة معدل سعر تذاكر المباريات. وفي كل مرة ازدادت فيها قيمة الجائزة المالية المقدَّمة بمقدار (1 إلى 3 ملايين دولار)، زاد الحضور بمعدل 2 إلى 4 آلاف شخص. هكذا، ارتفعت قيمة الجائزة المالية للبطولات الأربع الكبرى مع مرور السنين، لتصل إلى عشرات ملايين الدولارات. وزادت بطولة أوستراليا المفتوحة هذا العام من قيمة الجوائز إلى أعلى مستوى تاريخي بلغ 62.5 مليون دولار، بزيادة 14٪ عن عام 2018. فيما عرفت بطولة فرنسا المفتوحة، ثانية بطولات الغراند سلام، زيادةً في مجموع أموال الجوائز وصلت إلى 48 مليون دولار العام الماضي. وهذه الزيادة في قيمة الجائزة الفرنسية هي جزء من خطة لمدة 4 سنوات حيث ستشهد البطولة زيادة في قيمة الجائزة قدرها 10٪ إلى 15٪ كل عام. أما في ما يخص بطولة ويمبلدون، أعرق بطولات التنس، فقد أُعلِنَت زيادة بنسبة 5٪ في إجمالي رصيد الجوائز، لتصل إلى 40.79 مليون دولار. نصل أخيراً إلى بطولة أميركا المفتوحة، التي تمتاز بكونها الأعلى أجراً من حيث مجموع الأموال. وأصبحت البطولة أكثر البطولات الأربع المربحة، إذ أعلنت السلطات زيادة أخرى بنسبة 6٪ في مجموع أموال الجوائز لعام 2018، ليبلغ مجموع الجوائز 53 مليون دولار.

نعومي أوساكا

هكذا، تبدو أرباح بطولات التنس مغرية جداً، فمجرد وجود اسم اللاعب في الجدول الرئيسي لبطولة غراند سلام يدرّ عليه أموالاً طائلة حتى لو خرج خاسراً من البطولة منذ الأدوار الأولى. إلا أنّ سبب ارتفاع العوائد المالية المستمر سنة تلو أخرى، يأتي بعد شكوى أعضاء اتحاد لاعبي التنس المحترفين من أنهم لا يحصلون على عوائد ماليّة كافية. وأشار كريغ تيلي، المدير التنفيذي لبطولة أوستراليا المفتوحة إلى أنّ هذه الزيادات وسيلة يعتمدها المنظمون لخلق مسار وظيفي مستديم للاعبين، وذلك من أجل عدم حصر الاستفادة المالية لأصحاب المراكز المتقدمة فقط. ففي التنس، يتقاسم «الفطيرة» أصحاب التصنيفات الأولى، فيما يُترك الفتات للآخرين. وفي هذا السياق، أبدى المصنف الأول على العالم، الإسباني رافاييل نادال، دعمه للاعبين المطالبين بنصيب أكبر من عائدات التنس، قائلاً إنّ أصحاب التصنيف المنخفض يجب أن يحصلوا على مورد رزق من هذه الرياضة أيضاً. وأتت تصريحات نادال، الذي جمع 94 مليون دولار من الجوائز المالية للبطولات، بعد احتجاجات بسبب الطريقة التي يجري فيها توزيع عائدات البطولات الأربع الكبرى. إلا أنّ أصحاب التصنيف المنخفض ليسوا فقط من عانوا بسبب حصولهم على عوائد مالية أقل. فالأميركيّة سيرينا ويليامز جمعت عوائد مالية تقدر بـ 81.7 مليون دولار منذ بداية مسيرتها وحتى عام 2017، بعد تتويجها بـ23 لقباً من ألقاب الغراند سلام. فيما حصل نوفاك ديوكوفيتش على 108.8 ملايين دولار مقابل فوزه بـ12 لقباً فقط، (بعد فوزه في بطولة أستراليا أمس وصل إلى 17 لقباً في البطولات الكبرى)، فالجائزة المالية المقدَّمة للذكور والإناث لم تكن متساوية سابقاً، واستغرق الأمر 28 سنة حتى حققت البطولات الأربع الكبرى هذه المساواة، رغم استمرار الجدل القائم حول ذلك، بحجة أنّ مباريات السيدات تجتذب جمهوراً أقل، وتولد أموالاً أقل لهذه الرياضة.