منذ تسعينيات القرن الماضي، وبداية الألفية الجديدة بدأت كرة السلة اللبنانية تشق طريقها نحو العالميّة، وتحديداً عبر ناديَي الحكمة والرياضي، كما منتخب لبنان. استفاد المنتخب من نجاحات الأندية، إضافة إلى اللاعبين المحترفين في أبرز الدوريات العالمية، ووصل إلى نهائيات كأس العالم التي استضافتها إنديانابولس الأميركية عام 2002 عبر التصفيات، ولكنه خسر أمام البرازيل وبورتوريكو وتركيا توالياً. بعدها بأربع سنوات عاد لبنان وتأهل إلى كأس العالم في اليابان وسجل إنجازاً تاريخياً بالفوز على فنزويلا وفرنسا، ولكنه لم يذهب بعيداً في البطولة، بعد الخسارة من نيجيريا والأرجنتين وصربيا. مشاركتان حجزتا للبنان مكاناً بين الكبار، كما بات منتخب الأرز حينها رقماً صعباً في قارة آسيا.
الأكيد أن المشاركة في المونديال المقبل لن تكون للمشاركة فقط (الأخبار)

موسم 2005 بدأ تراجع الحكمة، وتقدم الرياضي بقوة، ولكن البلد دخل بأزمات سياسية متتالية أثرت سلباً على جميع المرافق والقطاعات، والرياضة لم تكن استثناءً. تراجع منتخب لبنان لكرة السلة، ولكنه عاد وظهر في بطولة العالم 2010 بتركيا عبر بطاقة دعوة، ففاز على كندا، ثم خسر من فرنسا وإسبانيا ولتوانيا ونيوزيلندا، لتعيش بعدها السلة اللبنانية سنوات عجاف حتى عام 2022.
حقق لبنان بطولة العرب للمرة الأولى في تاريخه كما احتل وصافة آسيا


غاب لبنان عن جميع النسخ اللاحقة من المونديال السلّوي، وشكل الخروج من ربع نهائي بطولة آسيا عام 2017، التي استضافها مجمع نهاد نوفل في ذوق مكايل شمال بيروت نكسة للعبة في لبنان، فيما كان الفشل بالتأهل إلى مونديال الصين عام 2019 عقب 6 خسارات في التصفيات، ضربة قاضية أدت إلى اعتزال عدد من اللاعبين بعدها.
دخلت اللعبة في مرحلة حساسة، ولكنها سرعان ما استعادت توازنها. برزت أسماء جديدة أعطت دفعاً كبيراً للمنتخب والأندية على حد سواء، فنفض لبنان غبار الخيبات وبدأ تصفيات كأس العالم 2022 بأفضل طريقة ممكنة. أحرز المنتخب فوزان على اندونيسيا في كانون الأول عام 2021، قبل أن يتوجه في شباط عام 2022 إلى الإمارات لخوض منافسات البطولة العربية، فحقق 5 انتصارات على الصومال (2) والجزائر والأردن وتونس في النهائي، ليرفع بذلك لقبه العربي الأول.
لقب أعطى اللبنانيين دفعة معنوية كبيرة فعادوا وحققوا 7 انتصارات من 8 مباريات عام 2022 ضمن التصفيات فقط، ليضمنوا الوصول إلى المونديال السلوي.
وخلال هذه الفترة أيضاً، خاض لبنان غمار بطولة آسيا، تحديداً في شهر تموز على الأراضي الإندونيسية. فاز على الفليبين، ثم أسقط نيوزيلندا للمرة الأولى في تاريخه قبل أن يتجاوز الهند. وكانت المفاجأة الأكبر بتجاوز الصين في ربع النهائي قبل الفوز على الأردن مجدداً في المربع الذهبي.


وخسر منتخب الأرز المباراة النهائية أمام استراليا بفارق نقطتين فقط (75 ـ 73). بطولة آسيوية أكثر من مثالية خاضها اللبنانيون، شرفوا خلالها كرة السلة العربية والغرب آسيوية، كما اختير خلالها النجم وائل عرقجي أفضل لاعب في آسيا عن جدارة واستحقاق. وخلال هذه الفترة برز لاعبون رائعون بينهم سيرجيو الدرويش وعلي منصور وكريم درويش، إضافة إلى علي مزهر وعمر جمال الدين ويوسف خياط، وغيرهم الكثير من الذين كانوا خير ممثل للمنتخب إلى جانب المخضرم علي حيدر ووائل عرقجي...
والجدير ذكره أيضاً، أن هذا العام شهد وصول منتخبَي تحت 16 وتحت 18 عاماً إلى المونديال أيضاً.
لبنان اليوم استعاد مكانته في عالم كرة السلة، والأكيد أن المشاركة في المونديال المقبل لن تكون للمشاركة فقط، بل لتحقيق إنجاز والوصول إلى أدوار خروج المغلوب، فالتجربة أثبتت أن المستحيل ليس لبنانياً، وأن من يُسقط نيوزيلندا والصين ويجاري استراليا، يمكن له الفوز على منتخبات أوروبا وأميركا اللاتينية، وكتابة تاريخ جديد في نهائيات كاس العالم.


البناء على الإنجاز


النتائج المذهلة عام 2022 سيراكم عليها الاتحاد اللبناني لكرة السلة، كما جميع الأندية التي باتت مطالبة بتعزيز فئاتها العمرية نتيجة توجه الكثير من صغار السن لممارسة اللعبة لكي يكونوا نجوماً في المستقبل، على غرار النجوم الحاليين، ويرفدوا المنتخبات بجميع فئاتها.
العودة إلى ما قبل 2022 لم تعد مقبولة، والجمهور لن يسمح بأن ينتظر 12 عاماً أخرى ليصل المنتخب إلى المونديال، كما حصل بين عام 2010 والعام الحالي، وبالتالي فإن العمل كبير والجهد يجب أن يكون مضاعفاً لكي تحجز جميع المنتخبات مكاناً ثابتاً في المونديال على غرار كبار منتخبات أوروبا وأميركا وأفريقيا.