لعنة الدقائق القاتلة لا تزال تلاحق المنتخب اللبناني لكرة القدم، والحظ السيئ يرفض أن يخاصم هذا المنتخب والشعب العاشق له. سقطةٌ أخرى لمنتخب لبنان على ملعب صيدا في الدور الحاسم للتصفيات الآسيوية المؤهلة الى نهائيات كأس العالم 2022 لكرة القدم، وهذه المرّة غير مستحقة أكثر من تلك التي عرفها الخميس الماضي أمام الضيف الإيراني.منتخبنا المتطوّر مباراةً بعد أخرى، والأكثر ثقةً بنفسه، والأكثر إيماناً بحظوظه، والأكثر جرأة من أي وقتٍ مضى، بدا أنه تعلّم الكثير من مواجهته الأولى أمام الإمارات التي انتهت بالتعادل السلبي على أرض «الأبيض».
فعلاً، بدا أن المدير الفني إيفان هاشيك حسبها جيّداً، مدركاً بأن الإماراتيين يلعبون كرةً مفتوحة ويبحثون عن المساحات للانطلاق الى الأمام من دون أي تكتلات، فكان أن استغنى عن أحد لاعبي الوسط وهو نادر مطر الذي قدّم مباراةً كبيرة أمام إيران، ليشرك بدلاً منه ربيع عطايا أساسياً بعد طول انتظار.
نجم الأنصار السابق أشعل جبهته هجوماً، وأظهر إمكاناته الفنية والمهارية وقدّم كل ما باستطاعته، لكننا لم نوفّق أوّلاً في التسجيل وخصوصاً من الركلة الحرّة التي نفذها سوني سعد ونجا منها المرمى الإماراتي بأعجوبة في الشوط الأول، ومن ثم فرصة قاسم الزين في الشوط الثاني على مقربةٍ من الشباك حيث أطاح الكرة برأسه بعيداً.
هذه الفرصة الأخيرة كانت ربما مؤشراً إلى أن لبنان لن يفوز بالمباراة، أو ربما كانت نقطة تحوّل دفع اللاعبون ثمنها غالياً. لكن الواقع أن منتخبنا تفوّق على ضيفه في كل شيء تقريباً: في الخطوة وصناعة الفرص، في المواجهات الثنائية، وفي عدد التمريرات، وحتى في الاستحواذ خلال بعض فترات اللقاء، وهي نقطة لم يعرفها خلال مواجهة إيران.
احتكاك لا يرتقي إلى مستوى احتساب ركلة جزاء منح الإمارات فوزاً قاتلاً على لبنان


حسبها هاشيك أيضاً بطريقةٍ مدروسة عندما منع الإماراتيين من اللعب بطريقة مريحة في ما خصّ أسلوبهم المفضّل، مدركاً بأنهم يهوون التحرّك والتمرير بين الخطوط، ويبحثون تحديداً في الهجوم عن هدافهم علي مبخوت الذي واجه الحارس مصطفى مطر كثيراً في لقاء الذهاب، لكن ليس في صيدا حيث أغلق اللبنانيون المنافذ بشكلٍ واضح وبلا شك بتعليماتٍ من مدربهم المحنّك.
هذه النقطة تحديداً تعكس تطوّراً كبيراً أصاب «رجال الأرز» في فترةٍ زمنيةٍ قصيرة، وتعطي أملاً بمرحلةٍ أفضل مستقبلاً، لكن السلبية تبقى في عدم التمتع بنفَس طويل يبقي منتخبنا صامداً حتى اللحظات الأخيرة، إذ كما هي الحال في لقاء إيران، استحق لبنان الخروج بنقطةٍ أقلّه لا بخسارةٍ في ملعبه وبتنازلٍ عن المركز الثالث، وبالتالي تضاؤل الحظوظ أكثر في السباق المونديالي.

طريق صعب
خسارة أمس تترك قلقاً كبيراً، ليس من الناحية الفنية بل من الناحية النفسية للمراحل المقبلة، إذ إن الإيمان والإصرار قد ينخفضان عند لاعبي منتخب لبنان (5 نقاط) بعد تحليق إيران (16 نقطة) وكوريا الجنوبية (14 نقطة) في رأس المجموعة الأولى إثر فوزهما على سوريا (3-0) والعراق (3-0) توالياً، وبعد تخطي الإمارات (6 نقاط) لهم في الترتيب، ما قد يفقدهم الحافز أمام العراق وسوريا رغم أن أي نتيجة إيجابية ستؤسّس للكثير مستقبلاً وستترك سعادةً عند الشعب اللبناني الذي التفّ حول منتخبه، وبدا واثقاً في مرحلةٍ ما بأن حلم الوصول الى قطر قابل للتحقيق.
لكن الواقع أن الطريق الى الدوحة مليئة بالعقبات والحفر غير المرئية، وإحداها خبّأها مدرب منتخب الإمارات الهولندي بيرت فان مارفيك حتى منتصف الشوط الثاني عندما دفع بالجناح خليل ابراهيم على الجهة اليمنى، وبالمهاجم المجنّس سيباستيان تيغالي في مركز رأس الحربة.
هنا كانت المفاجأة التي لم نجد لها الترياق سريعاً، إذ إن هذين التبديلين غيّرا كثيراً من مقاربة الإماراتيين لطريقة اللعب، فالبديل الأول أي إبراهيم، ذهب الى مساندة بندر الأحبابي على الجهة اليمنى، ما ترك ثقلاً كبيراً على قاسم الزين، فأرهقه. أما دخول تيغالي فقد وضع مبخوت في مركزٍ بين الوسط والدفاع اللبناني، فوجد بالتالي المساحة للاستلام وتوزيع الكرة وتموين تيغالي أو أي جناحٍ متقدّم.
ضربة معلّم كانت من فان مارفيك لم يستطع اللاعبون اللبنانيون التعامل معها بالشكل المطلوب لأنها بعثرت المنظومة الدفاعية بعد خروج أكثر من لاعب من مركزه للّحاق بالكرة التي عادت لتمرّ بين خطوط التمرير الإماراتية المفتوحة، فكانت تلك الكرة العرضية من ابراهيم من الميمنة الى قلب المنطقة حيث اعتبر الحكم أن عباس عاصي احتك مع تيغالي ليطلق صافرةً لا ترتقي بحسب خبراء التحكيم الى مستوى احتساب ركلة جزاء ويترجم مبخوت فرصته بنجاح قبل خمس دقائق على النهاية.
ظالمة هي فعلاً الكرة لا بسبب الصافرة المشبوهة للحكم الأوسترالي شون إيفانز، بل لأن لبنان لعب كرة جماعية جميلة، وحتى إنه كان يستحق أن يسجّل قبل الإمارات. لكن الظلم انتصر في النهاية، إذ أوضحت الإعادات التلفزيونية أن اللبنانيين هم من استحقوا ركلة جزاء في الدقيقة 94 خلال مواجهةٍ ثنائية بين البديل عمر شعبان وتيغالي نفسه، الذي لمس الكرة بيده داخل المنطقة المحرّمة من دون أن يطلق الحكم صافرته!
نعم، خسر لبنان مع كوريا الجنوبية وإيران بطريقة دراماتيكية، لكن هذه الخسارة تبدو أكثر مرارة لأسبابٍ عدة، إذ إن المنتخب اللبناني قدّم مباراةً أكثر من جيّدة، وربما الأفضل له منذ فترةٍ طويلة، وربما أيضاً لن يكون بمقدور المنتخب تقديم أكثر ممّا قدّمه، أو أن يحالفه التوفيق ويلعب أمام منتخبٍ متراجع ومتردّد وغير واثق وتائه أحياناً مثل الضيف الإماراتي. لكن هذه هي كرة القدم التي لا تكافئ في بعض المرات من يعطيها أكثر من غيره، فظُلمها حاضر وحقوقها ساقطة عندما يقرّر الحظ أن يتفوّق على 11 رجلاً على أرض الملعب، وهذا ما حصل أمس في صيدا.



هاشيك يلوم الحظ


اعتبر المدير الفني لمنتخب لبنان إيفان هاشيك، خلال المؤتمر الصحافي عقب نهاية مباراة لبنان والإمارات أن الحظ وقف بوجه منتخبنا، وأضاف أن المهمة لم تنتهِ بعد حيث شدد على أن الأمل موجود وأن الإمارات تتفوق على لبنان بنقطة.
كما اعتبر التشيكي أن النتيجة كانت دراماتيكية لأنه على رغم الاستحواذ خسر لبنان «ففي النهاية تسجّل النتيجة لا الأداء». وشكر هاشيك لاعبيه على تقديم مباراة جيدة لكنها ليست مثالية برأيه، وأشار إلى أن بطولة كأس العرب ستكون فرصة من أجل التحضير لبقية المباريات في التصفيات.
وأوضح هاشيك أن إشراك ربيع عطايا أمام الإمارات جاء بسبب اختلاف المباراة عن مواجهة إيران، حيث وصفه باللاعب «الجوكر» الذي قدّم مباراة جيدة.
أما المدير الفني لمنتخب الإمارات بيرت فان مارفيك فقد هنأ لاعبيه على تحقيق الفوز، قائلاً إن منتخبه لعب بغياب 6 لاعبين أساسيين حيث اختلف شكل الفريق نوعاً ما.
وأشار إلى أنه كان يطمح لتقديم منتخبٍ بصورة أفضل لكن ملعب المباراة لم يساعد منتخب الإمارات على لعب كرة قدم.
أما مسجّل الهدف علي مبخوت فقال إن الفوز جاء أمام منتخب صعب، مشيراً إلى أن المنتخب سعيد حالياً بأنه أصبح منافساً قوياً ضمن التصفيات الحاسمة.
يذكر أن الجولة السابعة من منافسات المجموعة الأولى ستقام في 27 كانون الثاني 2022، حيث يستضيف لبنان كوريا الجنوبية، بينما يلتقي العراق مع إيران، وسوريا مع الإمارات.