قبل 17 عاماً تقريباً بدأت فكرة ولادة أكاديميات خاصة لكرة القدم، فافتُتحت في فترةٍ قصيرة ثلاث أكاديميات هي «بيروت فوتبول أكاديمي»، «أتلتيكو بيروت»، و«ASA».هذه الأكاديميات تحديداً وضعت الأسس لفكرة جمع اللاعبين الصغار بعيداً من الأندية المعروفة، قبل أن تصبح لاعباً أساسياً في كرة القدم اللبنانية على صعيد تخريج المواهب وتقديم المميزين إلى الفئات العمرية وإلى دوري الأضواء، وهي مسألة مستمرة حتى يومنا هذا، ولو اختلفت النسب والأعداد خلال هذه السنوات.
لكن في تلك الفترة كانت ظاهرة نشوء الأكاديميات هنا وهناك تسير ببطء، حتى الوصول إلى عام 2010 الذي شهد فورة كبيرة على هذا الصعيد، لكن هذه الفورة لم تفضِ إلى نتيجةٍ عامة يمكن القول من خلالها بأن كل الأكاديميات الخاصة هي مفيدة للعبة، ولا غنى عنها لتطويرها بل إن ظهور الكثير منها أضرّ بكرة القدم وبمن عمل بجهد لإنشاء أكاديمية وفق معايير فنية دقيقة.
وفكرة ولادة الأكاديمية الخاصة بدأت بعدما لمس بعض المتابعين من مدربين ولاعبين سابقين بأن هناك مجتمعاً لكرة القدم في لبنان، حيث يحب الآباء ممارسة أولادهم للعبة بغضّ النظر إذا ما كانوا سيستفيدون منها أو سيصبحون لاعبين محترفين. ومن هذا المنطلق كان البحث عن مساحة تؤمّن هذا الهدف، وذلك في موازاة عدم تركيز الأندية بشكلٍ كبير على فرق الفئات العمرية، حيث ينصبّ التركيز غالباً على الفريق الأول، فكانت الطريقة سهلة بالنسبة إلى الساعين لإنشاء أكاديميات، وهي تأمين ملعبٍ أخضر، ومدربٍ (بغضّ النظر إذا كان من حاملي شهادات التدريب أم لا)، وربما لاعبٍ صاحب اسم معروف، وبالتالي تصبح الطريق سالكة لتأسيس المشروع.
أضف أن سبباً آخر أبعد التعقيدات عن استمرار هذه الحالة، وهو أن إنشاء أكاديمية لا يحتاج في بداية المشوار إلى أموالٍ كثيرة، وحتى في مرحلةٍ متقدّمة لا يحتاج إلى دعمٍ مالي (سياسي أو رعائي) على غرار ما تحتاج إليه الأندية مثلاً، ما يعني أن الاكتفاء الذاتي هو الذي يؤمّن التمويل أوتوماتيكياً للأكاديمية ما يجعل استمرارها ممكناً.

معايير ضرورية مطلوبة
وعن المال بحث الكثيرون، منهم لاعبون سابقون، ومنهم هواة للعبة، ومنهم من يملك ملعباً، فأطلق أكاديمية باسمه لأسبابٍ تجارية وللبحث عن مصادر للدخل، ولهذا السبب لم تكن كل الأكاديميات مفيدة أو مثمرة كروياً.
وفي هذا الإطار يقول رئيس أكاديمية «بيروت فوتبول أكاديمي» زياد سعادة: «برأيي لم تنفع غالبية الأكاديميات اللعبة لأن الكثير منها لا تملك ملعباً كبيراً ولا تخوض منافسات البطولات الرسمية أو تشارك في دورات خارجية، بل يبقى نشاطها محدوداً، وهو أمر لا يطوّر اللاعب ولا يفيد المصلحة العامة».
لكن اللافت الآن أن معظم لاعبي منتخبات الفئات العمرية أو اللاعبين المميزين في بطولاتها هم نتاج الأكاديميات لا الأندية، لكن على المدى الطويل يجب تقطير هذه المشاريع الكروية من خلال وضع الاتحاد معايير لضبط تلك الفورة المضرّة في مكانٍ ما وتنظيم هذا القطاع الذي يمكن أن يكون مثمراً إلى حدٍّ كبير، وهي مسألة كان قد بدأ الاتحاد بالعمل عليها بحسب المعلومات، حيث كان هناك إعداد لمشروع خاص لقوننة إنشاء الأكاديميات، وهو ما سيساهم في تطوير الكثير منها، وخصوصاً إذا ما فُرض عليه استقدام مدربين مجازين وفرض رقابة على عملها والدورات التي تنظمها.
يكفي أن تؤمّن ملعباً أخضرَ ومدرباً أو لاعباً صاحب اسمٍ معروف لتؤسّس بالتالي أكاديمية كروية


كما يبدو لافتاً حالياً أن هناك مواهب كثيرة من مواليد أعوام 2005، 2006، و2007، يعتبرها الكثير من المراقبين بأنها تتمتع بمستوى عالمي، وهي موزّعة على كل المراكز وقادمة من أكاديميات مختلفة، لكنها تحتاج إلى رعاية رسمية أيضاً من خلال الأخذ بتجارب سابقة أثبتت نجاحها في هذا المجال، على غرار التجربة القطرية حيث نشأ لاعبو «العنابي» سويّاً منذ الصغر ووصولاً إلى المنتخب الأول تحت إشراف مدربين أجانب متخصصين بالفئات العمرية، فكانت النتيجة فوز قطر بكأس آسيا.
ويعلّق صاحب أكاديمية «ASA» رائد الصديق، والمرشح لعضوية اللجنة التنفيذية في الاتحاد اللبناني: «صحيح أن هناك أكاديميات لا تفعل شيئاً سوى محاولة الكسب المادي، لكنّ المسؤولية على الأندية أيضاً، فهي إما لم تقم بواجبها وسمحت تالياً بولادة الكثير من الأكاديميات التي أمّنت المساحة للعب للصغار، وإما لم تعرف كيفية الاستفادة من الأكاديميات فنياً، رغم أن هذه الأخيرة قامت بالعمل بدلاً منها، وبات حضورها أقوى في بعض الأحيان». ويضيف: «هناك أكاديميات تقوم بعملٍ ممتاز، لكن للأسف تلك السيئة تعكس صورة سلبية عن الأكاديميات الجيّدة حتى».

لجنة اتحادية خاصة
الواقع أنه في هذا الإطار ومع ازدياد عدد اللاعبين الممارسين لكرة القدم، ومع ارتفاع عدد الأكاديميات، يرى مراقبون بأن خلق لجنةٍ خاصة بهذا القطاع في الاتحاد أصبح ضرورة لمجاراة عمل الأكاديميات الرائدة، وهي التي كانت قد سبقت عمل الاتحاد وأطلقت في ما بينها خلال سنوات مضت بطولات خاصة بالبراعم وغيرها.
إذاً على المسؤولين والأندية والعاملين في مجال كرة القدم أن يؤمنوا بدورٍ أساسي يمكن أن تلعبه الأكاديميات الجديّة في عملها، وبالتالي خصّها برعايةٍ تماماً كما هو حال الأندية الأخرى، بينما يذهب البعض إلى اقتراح استخدام الأموال القادمة من الخارج لدعم قطاع الفئات العمرية في عملية شاملة لتطوير المنتخبات من خلال وجود مدربين أجانب ومعسكرات دائمة تساهم في رفع مستوى اللاعبين الصغار.
وهنا يصوّب سعادة على نقطةٍ أخرى قائلاً: «صحيح أننا ننتظر من الأكاديمية الخاصة تقديم لاعبين مميزين وتطوير آخرين، لكن هذا الأمر ليس هدف وجودها الوحيد، إذ ليس بالضرورة أن تكون قادرة على رفع اللاعب إلى مستوى أعلى، وليس هذا واجبها أيضاً بشكلٍ أو بآخر لأن هناك عدداً من الأولاد لا يريدون أصلاً أن يحترفوا اللعب، بل إن هدفهم الأساس هو الاستمتاع بالكرة. وهنا تخلق الأكاديمية جوّاً منظماً ومنضبطاً لممارسة الرياضة في مكانٍ آمن، حيث الإفادة أيضاً من تواصل الصغار بعضهم مع بعض وتقوية شخصياتهم، وخلق صداقات، والحفاظ على جسم سليم». ويختم: «هذه المسألة موجودة في أوروبا حتى، إذ هناك في أندية كثيرة أكاديمية للاعبين الذين ينشدون السير على طريق الاحتراف، ومدرسةً لأولئك الذين لا يريدون أكثر من ممارسة نشاطٍ كروي من باب الترفيه والهواية».
لكن في مختلف الأحوال يحتاج الوضع العام إلى تنظيمٍ وإعادة ترتيب من خلال فرض معايير صارمة، أقلّها منع أي شخصٍ لا يحمل شهادة تدريبية من إنشاء أكاديمية مثلاً، وهو ما سيرفع من مستوى تدريب الصغار، ويفتح تالياً باب المنافسة بين الأكاديميات لتقديم مواهب مميزة، وهي مسألة ستعود عليها بالفائدة والأرباح لأن من سيحقق النتائج الأفضل في النهاية سيكون محط الاهتمام والمتابعة...