لم يكن أحد يتوقّع أن تشهد انتخابات اللجنة الأولمبية التي من المفترض أن تقام في الثامن من شباط معركة. بدا أن طريق رئيس اتحاد المبارزة ونادي مون لاسال جهاد سلامة معبّدة نحو الرئاسة. فقد كان هناك شبه إجماع على خلافة سلامة للرئيس الحالي جان همام، حتى دخل «شيطان التفاصيل» على خط الانتخابات وانتقلت الحال من توافق إلى معركة. بدا أن سلامة لا يريد الاكتفاء بمنصب الرئاسة بل يسعى إلى أن يكون رئيساً للجنة إدارية يملك الأكثرية فيها. هذا الأمر يتطلّب منه أن يأخذ من «حصّة» آخرين. فاللجنة التنفيذية للأولمبية اللبنانية مؤلفة من 14 عضواً (سبعة مسيحيين وسبعة مسلمين). غالباً ما كان الأعضاء المسيحيون تتم تسميتهم من سلامة ومعه الحليف القوي جان همام. أمّا الأعضاء المسلمون فكانوا يتوزّعون بين الأطراف المسلمة الأخرى. هذا منطق لا يمكن البوح به علانية أو اعتماده رسمياً في مكان لا يعترف بالطائفية والأديان والأحزاب والطوائف وهو اللجنة الأولمبية الدولية. لكن في لبنان و«موزاييكه» فإنّ جميع الأمور تُدار وفق نظام الستة وستة مكرر سواء بشكل رسمي أو من تحت الطاولة كما هو الحال في الرياضة.
يتّهم المعسكر الثاني سلامة بالهيمنة والتفرّد والحديث عن أرقام غير واقعية

كانت الأمور تسير بشكل «لبناني» طبيعي حتى برزت مشكلتان. الأولى تتعلّق برغبة أعضاء مسيحيين بالترشّح ودخول اللجنة التنفيذية الأولمبية خارج موافقة «الرجل القوي» جهاد سلامة. المشكلة الثانية أن الأخير لا يريد الاكتفاء بالأعضاء المسيحيين، بل يسعى لفرض عضوين آخرين، هما السني مهنّد دبوسي والشيعي جاسم قانصوه. هما عضوان حاليان في اللجنة الأولمبية وفق تسوية حصلت عام 2016. اسم قانصوه كان «مبلوعاً» من قِبل الطرف الثاني. أولاً لما يمثله من حيثية رياضية كونه رئيس الاتحاد اللبناني للبادمنتون ونائب رئيس الاتحاد الدولي للعبة، وله باعٌ طويل في عالم الرياضة. كما أن الجهة التي من المفترض أن تعترض على ترشيح قانصوه تخطّت الأمر مراعاةً للمصلحة العامة ووافقت على عودة قانصوه إلى اللجنة التنفيذية.
المشكلة الكبرى كانت في المرشّح الثاني مهند دبوسي المحسوب على وزير الشباب والرياضة السابق فيصل كرامي والذي تعتبره أطراف عديدة لا يستحق العودة إلى اللجنة التنفيذية، ويجري فرضه بالقوة عبر اتحاد لا يمتّ إليه بصلة وهو اتحاد الفروسية. أبرز المعترضين هو القطاع الرياضي في تيار المستقبل الذي يعتبر أن هناك توجّهاً لتحجيمه والقضم من حصته لحساب طرف لا يحقّ له التدخّل في هذا المجال. اعتراض المستقبل لقي دعماً من أطراف أخرى رأت أن هناك تجاوزاً للخطوط الحمر، خصوصاً أن هناك اتفاقاً سابقاً جرى وضعه برعاية مرجعيّات رفيعة يقضي بأن لا يكون هناك تدخّلٌ في حصة طرف من قبل طرف آخر.


نسأل أكثر من مصدر رفيع في المعسكر المناوئ لسلامة حول الملاحظات على أداء الأخير، فتكون الإجابة الأولى رفض تهميش أطراف رياضية أساسية في الشارع المسيحي تحت شعار «الأمر لي»، إلى جانب التجارب السابقة مع سلامة والتي يكون فيها تحالف بينه وبين أطراف أخرى في أي استحقاق انتخابي. «وبعد الفوز في هذا الاستحقاق بفضل جهود جميع الأطراف وتعاونها يقوم سلامة بنسب الانتصار إلى التيار الوطني الحر الذي يترأس لجنة الرياضة فيه مع تهميش لدور وفضل الأطراف الأخرى التي تحالفت معه» يقول مصدر رفيع في المعركة الانتخابية لـ«الأخبار».
ويستغرب المصدر ما يشيعه سلامة على صعيد الأرقام في الانتخابات التي يصوّت فيها 28 اتحاداً، خصوصاً استعمال رقم «18» للدلالة على امتلاك سلامة الأكثرية في الانتخابات وضمانه الفوز، في حين أن أرض الواقع تكشف عكس ذلك، وأن «ادّعاء القوة أمرٌ يثير الضحك ويبدو أنه أقرب إلى رفع المعنويات، في حين أن هناك تواصلاً من قِبل اتحادات محسوبة على سلامة مع أشخاص من المعسكر الآخر بهدف التنسيق وتبادل الأصوات. وفي حال حصلت الانتخابات فإنها ستشكّل مفاجأة لسلامة»، يضيف المصدر الرياضي.

سلامة يردّ
يردّ المرشّح للرئاسة جهاد سلامة في اتّصال مع «الأخبار» على الاتّهامات الموجّهة إليه، معتبراً أنه كان منفتحاً في جميع الانتخابات الاتحادية على جميع الأطراف «وقمتُ بالتنازل في العديد من المحطات، انطلاقاً من قاعدة أن الأمور لا تستحق، وتمسّكاً بالتوافق من أجل إرخاء جوّ إيجابي يؤكّد أن الرياضة هي جامعة بعكس السياسة» يقول سلامة.
ويعدّد المرشّح الرئاسي المحطات التي تمسّك فيها بالتوافق من انتخابات اتحاد الشطرنج ورفضه الطلب المقدّم من بعض الأشخاص للحصول على أصوات تساعدهم بالفوز في الانتخابات، مصمّماً على التحالف مع المستقبل. وكذلك الأمر في انتخابات كرة الطاولة ودعم المرشّح بيار الهاني رغم عدم التحالف في انتخابات كرة السلة لاحقاً. أضف إلى ذلك عدم ترشيح أمين السر السابق لاتحاد التنس آلان صايغ رغم أنه كان أميناً للسر ناجحاً، نزولاً عند رغبة رئيس الاتحاد أوليفر فيصل بإيجاد تمثيل شريحة أكبر في اتحاد التنس.
«اتحاد الجمباز مثال آخر على تمسّكي بالتوافق وبحلفائي في تيار المستقبل وحركة أمل، حيث كانت هناك مشكلة وقمت بحلّها عبر سحب المرشح المسيحي روجيه عاد لصالح التوافق السني-الشيعي كي لا يحصل شرخ في اتّحادات أخرى» يقول سلامة.
لكن حين نقول لسلامة أن في انتخابات اتحاد الجمباز حصلت الأندية المحسوبة عليه على أعضاء في الاتحاد بغض النظر عن طائفتهم، يجيبك «لكن في النهاية سحبت المرشح المسيحي والذي هو محبوب من جميع الأطراف لصالح التوافق».
يعتبر سلامة أنه تعرّض للطعن من حلفائه وأصبح بحلٍّ من أيّ التزام سابق


أما في ما يتعلّق بهيمنته على الشارع المسيحي وفرض مرشحين، فيشرح سلامة أن توجهه هو اختيار أعضاء من اتحادات الألعاب الفردية وليس الجماعية، كونها قادرة على إحراز ميداليات أولمبية أكثر، كما أن تلك الاتحادات نجحت في إدارة ألعابها ونشرها وتحقيق نتائج مرموقة. ولذلك رفض التسوية التي طرحها نائب رئيس اتحاد الكرة الطائرة علي خليفة لحلّ الإشكال بين المرشحَين للرئاسة وليد قاصوف وأسعد النخل والتي تقضي بأن يتولّى القاصوف رئاسة الاتحاد ويكون النخل عضواً في اللجنة الأولمبية، وهي تسوية طُرحت قبل انتخابات الكرة الطائرة بأسبوعين لتجنيب اللعبة معركة انتخابية بحضور النخل وجورج نصور وميشال أبي رميا وجهاد سلامة وعلي خليفة ووليد القاصوف. «رفضتُ هذه التسوية لرغبتي بعدم الالتزام بهذا الطرح انطلاقاً من رؤيتي الخاصة حول تمثيل اتحادات الألعاب الفردية، والاتفاق الذي عُقد قبل أربع سنوات بحضور معظم رؤساء الاتحادات حينها، حيث تم الاتفاق على مبدأ المداورة لصالح رؤساء اتحادات كأوليفر فيصل وحبيب ظريفة ورولان سعادة وطوني نصار بأن يكونوا في اللجنة التنفيذية للولاية المقبلة. أما في ما يتعلّق بهيمنتي على الشارع المسيحي فأنا متمسّك بريمون سكر القواتي أو من يختاره انطلاقاً من الوعد بتمثيل اتحاد التزلج في كل لجنة تنفيذية أولمبية، ولنجاحه في إدارة الاتحاد، ورافي مموجوغوليان المحسوب على حزب الطشناق حرصاً على التنوّع، كما أن أعضاء لائحتي الآخرين ليسوا عونيين. فلا ظريفة ولا فيصل ولا نصار ولا سعادة ينتمون إلى التيار الوطني الحر» يشرح رئيس اتحاد المبارزة.


تبقى مسألة فرض أسماء والتدخل بحصص أطراف أخرى وتحديداً المرشح مهنّد دبوسي الذي يتمسك به سلامة بعكس رغبة تيار المستقبل. ويشرح سلامة بأن «دبوسي هو مرشّح العديد من الأندية الطرابلسية الموجودة في أكثر من اتحاد كالسلة والطائرة وكرة الطاولة والتنس والسباحة والفروسية وألعاب قتالية. وتلك الأندية كان لها دور في انتخابات تلك الاتحادات وبالتالي نحن ملتزمون معهم. كما أنني طرحت على مسؤول الرياضة في تيار المستقبل التفاهم مع دبوسي والأندية الطرابلسية الموجودة في الاتحادات أكثر من الأندية البيروتية والجنوبية المحسوبة على تيار المستقبل. خصوصاً أن المستقبل أو الاتحادات السنّية هي ثلاثة: الجمباز والتجذيف والمصارعة، وبالتالي فإن الحصول على عضوين في اللجنة التنفيذية الأولمبية يُعتبر عادلاً.
أما موضوع جاسم قانصوه فدعمي لترشيحه سببه علاقتي الرياضية به انطلاقاً من عمله الناجح في لعبته، ولديه علاقات جيدة بجميع الأطراف ومدعومٌ منها، وما المراكز التي وصل إليها إلّا تأكيد على نجاحه. وإذا أردنا أشخاصاً جيدين فجاسم قانصوه أفضل مثال» يقول سلامة لـ«الأخبار».
تبقى مسألة أخيرة تثير حفيظة الطرف الآخر وهي لغة الأرقام والحديث عن امتلاك سلامة لأكثرية الأصوات في الانتخابات. أمرٌ يرفضه الأخير «لا أتحدث عن أرقام. لديّ تحالفات مع عدد كبير من الاتحادات وقفت إلى جانبها لسنوات طويلة. وهم أقنعوني بالترشح لرئاسة اللجنة الأولمبية، علماً أنني أفضل تسلّمي وزارة الشباب والرياضة. لا أتحدث عن حسابات وأنا أعتبر أنني تعرّضت للطعن من قِبل أشخاص كان من المفترض أن يكونوا حلفاء لي، لكنهم تعمّدوا تهشيم صورتي. وعلمت بالاتصالات التي حصلت في الأيام الماضية وعلى أعلى مستوى من مسؤولين رياضيين.
بعد ما حدث لست ملتزماً مع أحد. أنا ملتزم بالميثاقية في اللجنة الأولمبية. وبعد طعني في الظهر أصبحتُ في موقف المترقّب بانتظار إقفال باب الترشيح. وبعدها سنقوم حلفائي وأنا من مختلف الطوائف بوضع لائحة تضم من يستحق أن يكون عليها» يختم سلامة حديثه لـ«الأخبار».