لا يمكن اعتبار تألق لاعب الأنصار الشاب محمد حبوس مجرد مسألة عابرة في ملاعب كرة القدم اللبنانية. هذه الملاعب التي انتظرت مواسم عدة ظهور موهبة جديدة تعطي الأمل بمستقبلٍ أفضل للمنتخب اللبناني وللعبة التي عاشت حالة جمود غير قصيرة على صعيد ولادة علامات فارقة، فكانت أن أطلت وجوه شابة لكنّها في الحقيقة لم تكن تلك المواهب الاستثنائية التي تحظى بإشادات الكل. اليوم تختلف الصورة ولو أن إطلالة حبوس لم تقتصر على عددٍ كبير من المباريات في دوري الدرجة الأولى. لكن كما يقال: «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، وقراءة موهبة هذا الشاب المميز لم تكن صعبة لا بل إن البعض شبّه انطلاقته بتلك التي قدّمت قائد منتخب لبنان حسن معتوق إلى دائرة النجومية والأضواء.المؤسف هنا بالنسبة إلى المنتخب والكرة اللبنانييْن هو أن حبوس لن يستطيع السير على خطى معتوق أو ينافسه مستقبلاً على أرقامه بألوان المنتخب الوطني، فاللاعب وُلد فلسطينياً، وبالتالي في ظل القيود المعروفة على مسألة تجنيس الفلسطينيين تبدو مسألة رؤيته بقميص المنتخب أمراً مستحيلاً حتى هذه اللحظة. مسألة تعيد إلى الذاكرة أسماءً كثيرة فوّت لبنان عليه فرصة الاستفادة منها، وهي تطرح في الوقت نفسه إشكالية كبيرة حول من يستحق الجنسية في موازاة خدمة الوطن، وخصوصاً أولئك الذين تشبه حالاتهم حالة جناح الأنصار المولود من أبٍ فلسطيني وأمٍّ لبنانية. أضف أن والده ليست لديه النيّة لقبول فكرة لعب نجله مع منتخب فلسطين، وهو ما يدفع القيّمين إلى ضرورة التفكير في إيجاد حلٍّ للحالات الاستثنائية المرتبطة بهذا الموضوع، وذلك من أجل المصلحة العامة التي تقتضي الاستفادة من خدمات مواهب وُلدت ونشأت كروياً في لبنان من دون أن تتمكن المنتخبات الوطنية حصراً من الاستفادة منها.

بين منتخبَي لبنان وفلسطين
لائحة طويلة من الأسماء اللامعة أغنت ملاعبنا وكانت تأمل في ارتداء اللون الأحمر دولياً، وهو ما ثبت في حالة أفضل لاعب فلسطيني مرّ على الإطلاق في الملاعب اللبنانية، وهو جمال الخطيب. «الغزال» كان حاله أفضل من غيره، إذ صحيح أنه لعب مع منتخب فلسطين الأول للمرة الأولى في سن الـ 16 عاماً 1967، فهو مثّل منتخب لبنان في 4 مباريات عام 1971 في التصفيات العربية – الآسيوية، مسجلاً اسمه على لائحة الهدّافين. لكن الخطيب لم يحصل على الجنسية اللبنانية بل مُنح جوازَ سفر لبنانياً لسفرة واحدة وللمهمة المنشودة قبل أن تسترده السلطات اللبنانية عند عودة نجم الأنصار والنجمة السابق إلى بيروت.
المؤسف أن الهدف الذي سجّله الخطيب في تلك التصفيات وتألقه بقميص لبنان لم يساعداه للحصول على جوازٍ دائم بل خسر جراء هذا الأمر الكثير، فقرار منحه الجنسية القطرية لتمثيل «العنابي» اصطدم بعقبة في عام 1976 عندما اعترض عدد من الدول المشاركة في كأس الخليج على دفاعه عن ألوان قطر التي وافقت على مضض بحُكم استضافتها للدورة عامذاك. بطبيعة الحال حفلت تلك الفترة من الزمن بالحالات غير الاعتيادية في ما خصّ اللاعبين الفلسطينيين أو اللبنانيين الذين مثّلوا المنتخب الفلسطيني، وأبرزهم طبعاً نجم النجمة سابقاً حسين قاسم شحرور الذي دافع عن ألوان «الفدائي» لمدة 5 سنوات (1968-1973)، وهو المولود في بلدة هونين الحدودية. لكن اللافت أكثر أن نجله محمد الذي لعب للأنصار مثّل لبنان على الصعيد الدولي، وهو الذي لا يُعتبر لاعباً مجنّساً بحُكم لبنانية والده.

مواهب خسرها لبنان
الجنسية اللبنانية حرمت بلا شك أسماء أفضل بكثير عرفها الأنصار تحديداً، لكن كونها فلسطينية فهي بقيت بعيدة عن المنتخب اللبناني. ومن أبرز هذه الأسماء عمر إدلبي الذي أتحف خط وسط الأنصار بإمكاناته الرائعة خلال الفترة الذهبية التي عاشها «الأخضر»، والذي عرف حارساً فلسطينياً كبيراً أيضاً في تلك الفترة هو محمد الشريف، وبعدها بعض المواهب اللافتة أمثال حسين كيبا. وفي فترة التسعينيات أيضاً شكّل إبراهيم مناصري ثنائياً هجومياً رائعاً مع هيثم زين في هجوم التضامن صور، كان بإمكان المنتخب الاستفادة منه بشكلٍ كبير لو حمل الأول الجنسية اللبنانية، تماماً كما هو حال وسيم عبد الهادي الذي لا يزال في مستوى مميّز حتى اليوم رغم تقدّمه في السن، وهو يتصدّر حالياً لائحة هدّافي الدرجة الثانية بـ 7 أهداف بعد 6 مراحل.
تطول اللائحة وتضمّ أسماء اعتُبرت يوماً ما من أهم المواهب الوافدة في لبنان، أمثال الثنائي الذي نشأ مع النجمة رامي وعلي أسعد، وقد كانت انطلاقة الأول خصوصاً شبيهة بما يقدّمه حبوس حالياً مع الأنصار من مستوى لافت. من هنا، ورغم إدراك صعوبة الإقدام على خطوة تفضي إلى تجنيس لاعبٍ فلسطيني، يبدو المسعى إلى هذه المسألة من قبل القيّمين أمراً مطلوباً تحديداً بالنسبة إلى اللاعبين المميزين المولودين في لبنان من أمٍّ لبنانية، حيث سيلتقون مع قوانين الاتحاد الآسيوي الذي شدّد قوانين التجنيس، وسيتمّ السماح لهم قانونياً باللعب بشكلٍ فوري والاستفادة من خدماتهم، ففي نهاية المطاف مصلحة الوطن ومنتخباته تقضي ببذل كل مجهودٍ ممكن لاستقطاب أفضل المواهب المتاحة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا