أُغرم بنادي الحكمة في يومٍ مأساوي لفريقه الذي عرف سقوطاً مدوياً أمام الأنصار في طرابلس. مذّاك وجد نفسه في قلب النادي الأخضر، ووجد مكاناً في قلوب الحكماويين بسرعةٍ كبيرة. كيف لا، وهو الذي خرج عليهم في تسعينيات القرن الماضي مفصحاً عن طموحاتٍ اعتبرها البعض خيالية وقتذاك، وهو الذي اختصرها لاحقاً بتحويل النادي العريق في بيروت إلى بطلٍ لقارة آسيا. طبعاً هو كان يتحدث في ميادين كرة القدم التي كانت الأساس في إنشاء نادٍ اسمه الحكمة، لكن الواقع الذي فُرض عليه منعه من إصابة الحلم المنشود، وهي مسألة تبدو أشبه بقناعةٍ راسخة عند الحكماويين حتى اليوم، وهم الذين وجدوا أنفسهم مضطهدين، بحسب قول بعضهم، واقتنعوا بأن هناك استحالة لرؤية ناديهم على منصة التتويج.
شويري أدرك أن السيطرة على سوق الإعلانات هي غير السيطرة على الساحة الكروية، وخصوصاً في ظل التعقيدات الكثيرة التي كانت موجودة فيها، فوجد الملاذ في أرضٍ خصبة لتحقيق الأحلام، وفي لعبةٍ تحوّلت لاحقاً إلى مرادفٍ لاسمه بعدما أصبحت الإنجازات مرادفةً لناديه ولها على مختلف المستويات.
إذاً ما عجز عنه الرجل في كرة القدم فعله في كرة السلة، فأصبح الحكمة بطلاً للبنان، بطلاً للعرب وبطلاً لآسيا.
لكن هذه الألقاب التي قد يأتي أي رئيسٍ لنادٍ لبناني ويجمعها إذا ما ثابر ووضع الميزانية الثقيلة والاستراتيجية الدقيقة، توازيها إنجازات من نوعٍ آخر، بدأت من إرساء نهضة على صعيد كرة السلة انتقلت عدواها عبر السنوات إلى رياضات أخرى أرادت أن تنسخ بعض إنجازات المستديرة البرتقالية، وهي إذ لم تنجح في هذا الأمر في مكانٍ ما فإن اجتهادها لبلوغ طموحاتها وأهدافها انعكس رفعةً في مستواها في فترة لاحقة، ما ساهم في ازدهارها أيضاً.
وهذه النهضة ترافقت مع نقل اللعبة من مجرد رياضة بين رياضات كثيرة إلى رياضة وطنية ومساحة لجمع شريحة من اللبنانيين شعرت يوماً أنها غير قادرة على التعبير، ولو أنها في بعض الأحيان ذهبت في اتجاهٍ غير رياضي من خلال هتافاتها أو توجهاتها (في تلك الفترة وبعدها قال البعض إن شويري أتى وأراد عبر إنجازات الحكمة انتشال المسيحيين من الإحباط الذي عاشوه بعد نهاية الحرب الأهلية واتفاق الطائف). من هنا، تحوّلت قاعة نادي غزير إلى ملتقى رياضي كبير، وإلى ساحة لتظهير الإنجازات المبنية على جهدٍ وتعبٍ وإيمانٍ بتحقيق أحلامٍ احتفل بها اللبنانيون في مختلف ساحات المناطق، وأحياناً حتى الساعات الأولى من الصباح.
التعب والعرق اختصرهما أكثر من صورة للرجل وهو يرفع الكؤوس مع نجوم فريقه الذين حوّلهم إلى رموزٍ رياضية ورسم حولهم هالة الأبطال. هي نقطة يتوقف كثيرون عندها اليوم، ففي زمن شويري عاش اللاعب اللبناني أياماً مجيدة، وعرف الحياة الاحترافية وكسب احترام الأندية التي لم يعد قسمٌ لا يستهان به منها يؤمن به بشكلٍ كامل، وهو ما يوسّع الهوة أكثر بين طرفي الارتباط الأساسيين في كرة السلة اللبنانية.
في زمن شويري أصبح اللاعبون من مشاهير البلاد، وبالكاد كانوا يسيرون أمتاراً قليلة من دون أن يلحظ أحد مرورهم. هم تحوّلوا إلى شخصيات عامة بفعل الإضاءة الإعلامية التي صوّبها عليهم بشكلٍ مكثّف، بينما قاتل خلفاؤهم عبر السنوات الأخيرة للمطالبة بحقوقهم أو الحصول عليها من الأندية. ولا يمكن اليوم نكران أن الفارق يبدو شاسعاً بين لاعبي الجيل القديم والرعيل الحالي، إن كان على صعيد النجومية أو حتى في بعض الأحيان على صعيد القدرة المالية التي جعلت لاعبين سابقين يعيشون حياة الثراء ويؤسسون لمشاريع كبيرة بعد اعتزالهم، ومنهم من كسب ماله بشكل «مكافأة» شخصية من شويري تقديراً لعطاءاته أو أحياناً لضمان بقائه في الحكمة أو حتى في كرة السلة اللبنانية.
أندية الوقت الراهن لا يمكن لومها في أماكن كثيرة أيضاً، فهي لسوء حظّها لا تنشط أو تعيش في زمن الرئيس الذي يمكن وصفه بـ «رئيس الكل»، فقد ترأّس عملياً أنديةً من دون أن تكون لديه صفة رسمية فيها، وذلك من خلال دعمها مالياً (تماماً كما فعل مع المنتخبات)، والهدف هو الحفاظ على صورة وسمعة وتنافسية اللعبة، وإبعاد الخضات عنها وعن اتحاداتها التي بدا القيّمون عليها في فترةٍ من الفترات أضعف من الرجل القوي والمتحكّم فيها وباللعبة عامةً.
طبعاً قد يكون من الظلم للرؤساء الذين تعاقبوا على الاتحادات والأندية مقارنتهم بشويري بسبب الظروف المختلفة التي واجهوها غالباً، وهي بدت صعبة جداً منذ 2010 حتى يومنا هذا. لكن من الظلم أيضاً ألا يتمّ ذكر شويري على أنه شخصية استثنائية محنّكة وذكية ومدركة لكل شيء لناحية العمل الإداري الذي قارب المثالية، والدليل أنه ترك إرثاً عاد الحكماويون للسير وفق نهجه أخيراً، معتبرين أنه خشبة الخلاص للنادي المتقهقر منذ رحيل راعيه التاريخي.
رحيلٌ استذكره الحكماويون في كل مرةٍ وجدوا فيها ناديهم يسير على جلجلة العذاب، لكن لا شك في أنهم لا يستذكرونه في محطات الخيبات فقط بل في كل حنين إلى أيامٍ ذهبية صنعها بحبٍّ وشغفٍ قلّ نظيرهما.