حين يموت المرء، يكون اليوم الذي مات فيه «يوماً أسود». هو يومٌ بالكاد عاشه أساساً. أهله، ذووه ورفاقه، هؤلاء يعيشون السواد بعد الرحيل. اليوم يليه آخر، وهكذا تمتد الأيام إلى أسابيع وأشهرٍ وسنوات. لا يشعر الميّت بالسواد، لكن من هم حوله يعيشونه، يرونه ويرتدونه. يوم الحدث لا ينتهي بعد انقضائه. جمهور كرة القدم في لبنان ارتدى الأسود. إنها نهاية لعبة الفقراء.قيل إنه «يومٌ أسود» ذاك الذي اتّخذ فيه الاتّحاد اللبناني لكرة القدم قرار «تعليق» الموسم الكروي. حقيقةً، كم من يومٍ أسود عاشته هذه اللعبة خلال السنوات العشرين الماضية؟ يومٌ أسود ذاك الذي ألغيَ فيه الموسم عام 2000 بفِعل التلاعب بالنتائج. ثاني أيام السواد حين أقفلت أبواب المدرجات أمام الجمهور. ثالثها أزمة المراهنات. رابعها فضح التلاعب بالنتائج والتستّر عليها. وبين الأيام السوداء أيامٌ أخرى باللون عينه. هذا منتخبٌ فشل بالتأهّل إلى البطولة وذاك آخر عجز عن الوصول إلى التصفيات النهائية. هنا مبارياتٌ رُحّلت بسبب عدم توفّر ملاعب لاحتضانها، وهناك مباراة ثبت التلاعب بها وغُضّ النظر عنها. والأيام السوداء متفاوتة الدرجات. منها قاتمة اللون، كالمذكورة أولاً. وأخرى أفتح قليلا، كخسارة مباراةٍ نهائية، هزيمة في الـ«دربي»، أو وداع لاعب. الفارق هو أن الأخيرة طبيعية، هذه هي اللعبة، ثمة خاسرٌ دائماً، وهذه الحياة أساساً، الأيام تدور. أما الأولى، فهي بفِعل تراكمات غير طبيعية، كبقاء عضوٍ أو أكثر ضمن الاتحاد في منصبه لأكثر من 20 عاماً، وإدارة نادٍ لم تضع خطة تكفيه مادياً وفنياً لمواسم عدّة، وتلكّؤ لجنةٍ تنفيذية عن القيام بعملها، أو استسلام الهيكل كلّه للضغوط السياسية، بل لتحكّم السياسة أساساً بالرياضة. لم تكن كرة القدم اللبنانية بانتظار اليوم الذي يقرّ فيه الاتحاد «تعليق» الموسم حتّى تلتحف السواد. هو يكسوها منذ زمن. هذا تاريخٌ أسود.

الفشل متجذّر
الاعتقاد أن المشكلات الاقتصادية والأمنية التي تمرّ بها البلاد هي السبب الأساس في ما وصلت إليه اللعبة لا يبدو محقّاً. هذه الأندية، التي طالبت بإلغاء الموسم أولاً، ثم استرحمت بإلغاء الهبوط، وعادت إلى الانسحاب بعدما فتح الاتحاد باب المشاركة الاختيارية، كانت ستصل إلى يومٍ تنسحب فيه، بسبب العجز أو الإفلاس، كما حصل مع أنديةٍ صار اسمها من الماضي. والانسحاب يؤدّي لاحقاً إلى إلغاء البطولات، أو تعليقها. ثم ماذا يعني «تعليق البطولة» بدلاً من إلغائها أساساً؟ ألطف على السمع مثلاً؟ هل يستأنف الاتحاد بطولاته إذا تشكّلت الحكومة واستتب الوضع الأمني وانتعش الاقتصاد بين ليلةٍ وضحاها؟ الاتحاد الذي احتاج إلى أكثر من شهرين لعقد الجمعية العمومية غير العادية، وأكثر من ثلاثة أشهر لاتخاذ قرارٍ غير نهائي، سيجد الحلول فجأة قبل الصيف المقبل؟ ومن أين له الوقت لإقامة بطولةٍ جديدةٍ؟ هذا مع الاعتبار أنه يحتاج إلى «الله أعلم» كم من الوقت لاتخاذ قرارٍ يناسب جميع الأطراف.

خسائر بالجملة
المشكلة الجديدة ليست في الاتّحاد حصراً، بل إن الأندية تتحمّل المسؤولية الأكبر. سهلٌ على اتحاد اللعبة أن يحدد موعداً لاستكمال البطولة، أو إقامة بطولةٍ جديدة، إذا أعلنت الأندية مشاركتها. لكن هذه الأخيرة، التي «انبطحت» على مدى سنواتٍ للمرجعيات السياسية، واعتمدت عليها في تأمين الميزانية، أو حتّى على ملكيةٍ أو رئاسةٍ فردية، لم تحسب حساب أن تصل إلى يومٍ ينسحب فيه الأفراد المموّلون، وتكون الرياضة آخر اهتمامات الزعماء السياسيين، هذا إذا كانت ضمن اهتماماتهم أصلاً. هذه الأندية تجاهلت التسويق لنفسها، حتّى إلى جمهورها، فكيف لاستقدام جمهورٍ جديد؟ بكيت على أطلال إنجازاتٍ للعبةٍ، لم تعد كما هي منذ وقت طويل. من كان يوقّع عقداً مقابل منقوشة جبنة و«اسبدرين» (هكذا بدأت كرة القدم) صار هو نفسه، وليس من خلفه فحسب، يطالب بمئات آلاف الدولارات. الملاعب لم تعد رملية، والمدرجات صارت بحاجةٍ إلى مقاعد. الجمهور باتت له اهتماماتٌ أخرى، قد تكون ضمن القطاع الرياضي، لكن على نطاقٍ أوسع. لم تعد اللعبة المحلية مصدر الترفيه الوحيد بالنسبة إليه، ومن عمل على شدّ هذا الجمهور نحوه، ضمن القطاعات الترفيهية الأخرى ـ هذا إذا كان هناك من يعتقد أن اللعبة لا تزال محصورة ضمن مجال الترفيه ـ كان يسرقه من الأندية والملاعب في لبنان.
لم تكن كرة القدم اللبنانية بانتظار اليوم الذي يقرّ فيه الاتحاد «تعليق» الموسم حتّى تلتحف السواد. هو يكسوها منذ زمن


هذه الأندية أفلست منذ زمن، والأزمة الاقتصادية الحالية فضحتها. من يتذرّع بحجة الوضع الأمني انسحب من البطولة أساساً، على الرغم من أن بعض الفرق ضمن دوريات الشباب والكرة النسائية تلعب بشكلٍ اعتيادي. على أساس أن حياة لاعب الفريق الأول أغلى من حياة الشباب.
عموماً، هذا موسمٌ انتهى. موسمٌ أسود، أكثر سواداً من مواسم سابقة. النتيجة لن تكون إلغاء البطولات فحسب، بل ما سيترتّب عن هذا القرار، من تراجعٍ في مستوى اللياقة البدنية عند اللاعبين، والتأثير الذي سيطرأ على المنتخب، وعلى المواسم المقبلة، بل على سمعة اللعبة. سيخرج من يشرح أسباب الإلغاء من داخل الاتحاد، هناك حيث طُرح «النموذج العراقي»، القاضي باختيارية المشاركة بالنسبة إلى الأندية، لكن هذا النموذج السهل تغيّر، وما عاد يلائم الوضع في لبنان. في العراق البطولات ستُستأنف، على الرغم من الأوضاع الأمنية الأصعب التي يعانيها البلد بالمقارنة مع الحال في لبنان.
هو زمن الثورة، أو الانتفاضة، أو الحراك أو الصراخ أو الخروج عن الواقع المُلزم أو كسر القيود، مهما كانت التسمية. وحتّى يكون هناك حراك، يجب على أحدٍ أن يتحرّك. اللاعبون هم المتضرّرون الأساسيون من قراراتٍ «مجحفة» صدرت عن الهيكل ككل، من الاتحاد إلى الأندية، ومن المفترض أن يتحرّكوا، أن تكون لهم كلمة. الاحتجاج بـ«بوست» على وسائل التواصل الاجتماعي يُنسى مع سحب الشاشة إلى الأسفل قليلاً.



دورة وديّة رباعية


ينظّم نادي العهد دورة وديّة رباعية، بمشاركة أندية النجمة، البرج وشباب الساحل، انطلاقاً من الجمعة المقبل. الدورة تهدف إلى إبقاء اللاعبين ضمن الجهوزية لأي استحقاق مقبل، خاصةً أن العهد يشارك في مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي، وسيبدأ مشواره في 10 شباط/فبراير. وكان العهد قد شارك في دورة حارة حريك السداسية، التي توّج الأنصار بلقبها، وشاركت فيها أندية شباب الساحل، البرج، الشباب الغازية والراسينغ.