ترقّب كبير لما ستكون عليه صورة الدوري اللبناني لكرة القدم لموسم 2019-2020 في حال تمّ استكماله. ففي ظلّ الشكوك الكثيرة حول هذه المسألة طفت إلى العلن اجتهادات قانونية وطروحات سريّة وأخرى علنية بما خصّ الشكل الجديد للبطولة، أو إذا صح التعبير ذاك الذي سيتماشى مع الوضع القائم في البلاد والحالة الاستثنائية التي تعيشها، وتحديداً من الناحية الاقتصادية. لذا لا يخفى أن السبب الأخير يعرقل إلى حدٍّ كبير استكمال البطولة بالشكل المطلوب، وهو السبب الذي دفع كل الأندية الـ 12 في الدرجة الأولى إلى البحث عن حلولٍ تناسبها ولا تقضي عليها فنياً، فأراد البعض مربّعاً ذهبياً، ولا يمانع البعض الآخر إقامة دوري من مرحلةٍ واحدة، بينما تأمل شريحة عدم اعتماد هبوط أيّ نادٍ إلى الدرجة الثانية في نهاية الموسم.
مباراة بين النجمة والأنصار على ملعب المدينة الرياضية في بداية الألفية (أرشيف ـ عدنان الحاج علي)

إذاً السبب ليس ما يرتبط بالجانب الأمني فقط، وهو الجانب الذي كان أولاً وراء إيقاف الدوري هذا الموسم، فتشعّبُ الأسباب واشتباك المصالح يعقّدان الأمور أكثر فأكثر، لأن المسألة تختلف عمّا عرفه الدوري في محطات أخرى في الماضي البعيد، حيث كانت المعادلة بسيطة مثلاً: الحرب تعني لا دوري، والسلم يعني عودة النشاط.
من هنا، يشكّك كثيرون في إمكانية إعادة إطلاق الموسم الشهر المقبل بحسب ما يخطّط الاتّحاد، لا لأن الأمور تبدو مفتوحة على جميع الاحتمالات في ما خصّ الجمعية العمومية غير العادية، بل لأنّ الأمن قد لا يكون متوفّراً في ظلّ انشغال القوى الأمنية بما يحدث في الشارع وعدم قدرتها على مواكبة المباريات، ولأنه من غير المنطقي إقامة أي مباراة بحضور الجمهور في وقتٍ «يغلي الشارع» أكثر من أيّ وقتٍ مضى وسط انجرار قسمٍ منه إلى زواريب السياسة والطائفية.
لذا فإنّ البطولة التي انطلقت عام 1933 تبدو مهدّدة بالعودة إلى الوراء كثيراً، أي إلى فترةٍ من فترات خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما أُقيمت بشكلٍ متقطّع لأسبابٍ مختلفة. الحرب في تلك الفترات لم تُدخل الإحباط إلى نفوس الكرويين بالشكل الذي يلمسه الجميع حالياً من خلال تعاطيهم أو مقاربتهم للحالة العامّة للعبة.
العودة إلى السبعينيات تعيدنا إلى الكلام الذي تناوله غالباً أولئك الذين عاصروا تلك الفترة، حيث يتّفقون على أنّ الاتّحاد اللبناني لكرة القدم كان كـ«الخاتم في اصبع ناديين تحديداً هما هومنتمن والراسينغ». الأخير وفي موازاة عدم إقامة البطولة بانتظام، اكتسب لقب «سندباد الكرة اللبنانية» بفعل جولاته المكوكيّة للعب المباريات الخارجية. هو فعلها في مطلع السبعينيات وجال لأشهرٍ عدة في أوروبا الشرقية، فما كان من الاتّحاد إلّا أن أوقف الدوري كرمى لعينيه. البطولة عادت حينها وتمّ اختصارها، فكان أول لقب للنجمة في موسم 1972-1973 بعد إقامة مرحلة الذهاب فقط!

فاز أولمبيك بيروت باللقب عام 2003 (أرشيف ـ عدنان الحاج علي)

طبعاً فترة السبعينيات كانت صعبة وتأثّرت بالحرب اللبنانية، فولدت بطولات مثل دورة 16 آذار في ذكرى الراحل كمال جنبلاط، ودورة الأضحى التي انطلقت عام 1974، ودورة حبيب أبي شهلا وغيرها، إلى «دوري مصغّر» نُظّم في عام 1977 بمشاركة 4 فرق هي الأنصار، الشبيبة المزرعة، الصفاء، والتضامن بيروت، وفاز بها «الأخضر» بعد إقامة كل مبارياتها على ملعب بيروت البلدي.
هذه المحطّة لم تكن الوحيدة التي فاز فيها الأنصار بلقبٍ بوجود فرقٍ قليلة. فحالة الانقسام التي عرفتها البلاد على مستويات عدة أواخر الثمانينيات، وشملت كرة القدم بأوجهٍ مختلفة، توّج الأنصاريون خلالها بلقبهم الأول في الدوري (عام 1988 تحديداً) بعد استكماله بوجود السلام زغرتا والشبيبة المزرعة وشباب الساحل، وذلك إثر انسحاب الصفاء والرياضة والأدب والنجمة والتضامن بيروت.
فترة الثمانينيات كانت أصلاً مليئة بالأمور المثيرة للجدل، لكنها شكّلت نقطة تحوّل مفصليّة في مصير ومستقبل اللعبة، خصوصاً بعد إسقاط اتّحاد حميد خوري في أيار 1985 على خلفية النتائج السيئة للمنتخب اللبناني في تصفيات مونديال 1986، حيث سقط أمام العراق بسداسية نظيفة ذهاباً وإياباً في المباراتين اللتين أقيمتا في مدينة الطائف السعودية، إضافةً إلى خسارتين أمام قطر (0-7) ذهاباً و(0-8) اياباً، وأخرى وديّة أمام عُمان بخمسة أهداف نظيفة.

مباراة بين النجمة وهومنتمن على ملعب برج حمود (أرشيف ـ عدنان الحاج علي)

وقتذاك كانت هناك محاولات لمنع سفر اللاعبين بالقوّة، وكانت هناك اتّهامات ببيع هؤلاء للمباريات في زمنٍ احتاجوا فيه إلى الأموال، لكن في نهاية المطاف نجح «الانقلاب» ولو أنه ولّد اتّحادين، أحدهما في «بيروت الشرقية» وترأسه إمون عساف، والآخر في «بيروت الغربية» برئاسة نبيل الراعي وبوجود «الرجل القوي» رهيف علامة.
بعدها انتظمت البطولة وأقيمت في أسوأ الأحوال، أو بعد مرور البلاد بفتراتٍ عصيبة. كذلك شهدت تجربة من نوعٍ آخر وهي إقامة دوري من مجموعتين بمشاركة 20 فريقاً، فاز بلقبه الأنصار بطل مجموعته عام 1991 بتغلّبه في النهائي على التضامن بيروت بطل المجموعة الأخرى (2-1 و2-0)، في المباراتين اللتين أُقيمتا على ملعب بلدية برج حمود.
أسبابٌ كثيرة وغير اعتيادية تمنع استئناف الدوري بأيّ شكلٍ من الأشكال


مرّت 10 أعوام على التاريخ المذكور وجاء إلغاء الدوري الذي فاز بلقبه التضامن صور عام 2001، وهذه المرّة لسببٍ جديد هو التلاعب بنتائج المباريات على حدّ اتّهام الاتّحاد للنادي الجنوبي. هذا الاتّحاد ما لبث أن لقي «المصير الأسود»، لتطلّ البطولة بعد فترةٍ قصيرة معتمدةً على مربعٍ ذهبي، فكان اللقب بالشكل الجديد في عام 2003 من نصيب أولمبيك بيروت، محرزاً لقبه الوحيد بعد جمعه كوكبة من النجوم المحليين والأجانب، مستفيداً من دعمٍ مادي قلّ نظيره.
هو دوري التناقضات والتغييرات والتبدل في التوازنات، لكن بالنسبة إلى جمهور الكرة تحمل البطولة اللبنانية طابعاً خاصاً، يختصر أقلّه بالارتباط العاطفي بين الجمهور وفرقه تاريخياً، بغض النظر عن شكل البطولة والأسباب التي لفتت الأنظار إليها، أو تلك التي عرقلتها في محطات معيّنة من تاريخها.