لطالما كان هناك تصويب على عمل الاكاديميات الخاصة ودورها في الكرة اللبنانية، فهي اصلاً نشأت على فكرة القيام بعملٍ تجاري يعود بالربح على اصحابه. مدربون حاليون، لاعبون سابقون، وكثير من الاشخاص الذين امتلكوا تجربة في اللعبة، ذهبوا الى تأسيس اكاديميات في ملاعب مختلفة الاحجام.في الشكل كانت البداية بحثاً عن «بيزنس» معيّن، وهو ما يرنو اليه كثيرون حتى يومنا هذا، لكن هناك من اتخذ توجّهاً آخر يعكس ادارة العمل بالشكل الصحيح لناحية كسب المزيد من خلال تحقيق المزيد. والعبارة الاخيرة تعني ان تحقيق النتائج التي تُقدّم الاكاديمية على انها ناشطة ونشيطة وناجحة في آنٍ معاً، سيجلب اليها المزيد من الطلاب، وبالتالي ستستفيد بشكلٍ اكبر.
كما يمكن اعتبار ان بعض المشرفين على الاكاديميات، وبعدما ازداد عدد الطلاب لديهم ووصل الى عتبة ألف طالب، بدأوا يشعرون بالمسؤولية تجاه العمل الذي يقومون به، فخلق العدد الكبير لهم مجموعة من التحديات التي فرضت العمل الجديّ، وهو ما عاد بالفائدة عليهم.
ويمكن الاتفاق على شيء ايضاً، وهو انه لا يمكن مطالبة كل الاكاديميات بالوصول الى النتيجة نفسها، اذ انه في ظل عدم وجود معايير معيّنة، تعمل كل اكاديمية بحسب امكانياتها، اي بحسب الملعب الذي تنشط عليه مثلاً، او القدرة المالية لاستقدام افضل المدربين.
اما الاكيد فان النظرة الى الصورة العامة للنشاط الكروي في لبنان، تترك انطباعاً بأن هناك جديّة في العمل الاكاديمي الخاص، وذلك من خلال النسبة العالية من اللاعبين القادمين من الاكاديميات للدفاع عن الوان منتخبات الفئات العمرية، وخصوصاً دون الـ16 سنة، وهو عمر حساس لتقديم اللاعب الجيّد او العمل على صقل موهبته.
لكن هل خرجت الاكاديميات نهائياً من دائرة «البيزنس»؟
سؤال يجيب عنه رئيس «بيروت فوتبول أكاديمي» زياد سعادة، من خلال ذهاب نادي الراسينغ الى توقيع اتفاقية تعاون معه، وذلك في موازاة توقيع 9 لاعبين شبان من أكاديميته على كشوفات النادي العريق.
ويقول سعادة: «حتى في اوروبا ولدى الاندية الكبيرة، هناك ما يسمى الاكاديمية، وهناك ما يُطلق عليه اسم المدرسة (سكول). والفارق بين الاكاديمية والمدرسة كبير، اذ ان الاولى تعمل بشكل احترافي، بينما تعطي الثانية مساحة لمحبي اللعبة من غير الموهوبين لممارسة اللعبة في اجواء مهيّئة لهم ضمن اطار رسمي».
اما حول سبب بروز لاعبين من الاكاديميات اكثر من الاندية، فهو بحسب رأيه «العمل الذي تبدأه هذه الاكاديميات مع اللاعبين وهم في سنٍّ صغيرة، اي في السابعة او الثامنة من العمر، وهم يبقون معها حتى الـ14 او الـ 15 من العمر، فتدخلهم في اسلوبها ويعتادونها ما ينعكس نتائج ايجابية في نهاية المطاف».
أدخل الاتحاد اللبناني الأكاديميات الخاصة في حساباته بعدما لمس جديّة في عمل الكثير منها


لكن لا يمكن اسقاط مسألة مهمة، وهي انه اذا لم يكن هناك استمرارية في العمل مع اللاعب عندما يصل الى هذه المرحلة من العمر، فإنه لن يبلغ اعلى مستوى في اللعبة. ولهذه الاسباب ذهبت اكاديميات الصف الاول الى توقيع اتفاقيات مع اندية اوروبية، على غرار ما فعلت اكاديمية اتلتيكو التي ارتبطت بنادي ليون الفرنسي المعروف جداً بتخريج النجوم في فرنسا من اكاديميته، اضافةً الى اكاديمية «BFA» التي ارتبطت بنادٍ فرنسي آخر هو باريس سان جيرمان.
وهذه الخطوات سمحت للاكاديميات بالاستفادة من قدوم كوادر فنيين أجانب ساعدوها على تطوير كوادرها التدريبيين ولاعبيها من خلال اتباع اساليب التدريب الاوروبية والنهج التنظيمي الذي من شأنه رفع مستوى العمل، ما ينعكس ايجاباً على الجانب الفني وتالياً النتائج.
من هنا، لمس الاتحاد اللبناني جديّة ايضاً في عمل الكثير من الاكاديميات، وعرف تأثيرها الايجابي في دورة العمل الكروية، فبات راعياً لها في الكثير من نشاطاتها، وأدخلها دورات الـ«غراسروتس» الخاصة باللاعبين من سن الـ9 سنوات حتى الـ14 سنة، وهو ما اعطاها دفعة كبيرة ودافعاً لمواصلة العمل الجديّ، اضافةً الى دفعة اخرى للاعبين الذين بدأوا ينشطون على مستوى تنافسي ولم يكتفوا بخوض المباريات الودية فقط.
وبفعل المنافسة في العمل التي ولدت بين الاكاديميات، ما افرز عملاً تطويرياً كبيراً على صعيد مقاربتها للعبة، اخذت هذه الاكاديميات دور اندية كثيرة على صعيد صقل المواهب وتخريجها، اضافةً الى خطف الالقاب منها.
وعند هذه النقطة يتوقف رئيس اكاديمية «أدفانسد سوكر اكاديمي» (ASA) رائد الصدّيق، الذي يصوّب على امرٍ مهم يُبرز فيه السبب الرئيس وراء التفوّق الاكاديمي على نظيره الخاص بالاندية، فيقول: «نحن نملك هوية تتمثّل بالعمل مع الصغار حصراً، ونملك ملاعبنا، ونملك طريقة عمل مبنية على تمويل انفسنا من خلال ما يدخل الى ميزانيتنا، ما يعني اننا نصرف المبالغ على فرق الفئات العمرية دون سواها من دون ان يكون لدينا اي هموم اخرى، او اذا صح التعبير وجود فريقٍ اوّل، وهو ما يعيق عمل الكثير من الاندية التي تشارك في بطولات الفئات العمرية لمجرد المشاركة او كواجب مفروض».
ويضيف: «لا يمكن لوم الاندية كثيراً في ظل المتطلبات الكبيرة لتأسيس فرقٍ عديدة منافسة في مختلف الفئات، لكن نحن نريحها اليوم من همٍّ كبير، لذا ذهب عددٌ منها الى توقيع اتفاقيات مع الاكاديميات التي تلعب باسمها وتحمل اليها اللاعبين من دون ان تكلّفها الاموال».
والاكيد ان الاكاديمية التي لا تلعب في بطولة لبنان لديها نقص فني كبير، فالمشاركة في بطولة رسمية منظّمة تعطيها بُعداً جدّياً، وتفيد اللاعب كثيراً لناحية رفع مستواه من خلال المساحة التنافسية، اضافةً طبعاً الى المشاركات الخارجية التي تزيد من خبرته، ولو انها تكون غالباً من مال ذويه.
وبالحديث عن الاهالي، فإن الميسورين منهم باتوا يفضّلون ارسال اولادهم الى اكاديميات خاصة حيث يشعرون باهتمام مباشر بهم من قبل مدربين صُرفت الاموال عليهم للانخراط في دورات تدريبية محلية وخارجية من اجل تطوير معرفتهم، وخصوصاً في التعامل مع الاولاد. ويترافق هذا مع تأمين الاولاد صحياً، بينما هناك ضعف في الاندية على هذا الصعيد وقلّة اهتمام بسبب الشحّ المادي. كما تضاف نقطة مهمة، وهي ان الاكاديميات تعمل 12 شهراً بعكس الاندية التي تعمل موسمياً، علماً بأن موسمها في بطولات الفئات العمرية لا يمتد الى اكثر من 16 اسبوعاً كحدٍّ اقصى في حال بلغت المراحل النهائية.