بين الدوري والاستحقاقات الخارجية الخاصة بالأندية والمنتخبات الوطنية في كرة القدم يلحظ المتابع عن كثب مسألة مُهمة وأساسية وهي ترتبط بالجانب التسويقي على وجه التحديد، والذي أصبح أساسياً على صعيد النهوض باللعبة، ومن ثم عملية البناء المفترض أن تُفرز أرباحاً مالية.نظرة سريعة إلى الكثير من المنتخبات الوطنية المشاركة في التصفيات أو البطولات القارّية تترك فكرة حول العمل الذي يتمّ القيام به، للتمكن من تأمين مبالغ مالية كبيرة تساعد في عملية إعداد هذه المنتخبات وتوفير كل حاجاتها. شركات طيران، شركات مياه، فنادق وغيرها، أبرمت عقود رعاية مع الاتحادات، ما وفّر على الأخيرة مبالغ كبيرة، وأمّن حاجات أساسية لمنتخباتها بشكلٍ كبير، وطبعاً أدخل مبالغ غير بسيطة إلى خزائنها المالية.
الأمور تبدو مختلفة هنا في لبنان، إذ أن المنتخب الوطني إذا ما وجد ملعباً مقبولاً للتدرّب عليه لا يمكن مشاهدة لوحات إعلانية حول الملعب تشير إلى رعاة تابعين له، ما يسقط كل تلك الأسئلة التي تتمحور أحياناً حول عدم جلب مدربٍ عالمي ذائع الصيت، أو حول ضعف الاستعدادات وشحّ المعسكرات، إذ أن كل هذا يحتاج إلى المال الوفير في وقتٍ تضيق فيه السوق الإعلانية في البلاد بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهي السوق التي ينأى قسم كبير منها بنفسه عن الرياضة.
إذاً القصة ليست جديدة، لكن من يعرف قيمة المبلغ الذي يتكبّده اتحاد كرة القدم سنوياً لتأمين رحلات السفر لمنتخباته المختلفة، والتي تقدّر بمئات آلاف الدولارات، يعلم تماماً أنه لو حضرت أقله شركة طيران كراعٍ أساس للمنتخبات فإنه سيوفّر ميزانية كبيرة يمكن استخدامها لتعزيز العمل في جوانب أخرى تنعكس إفادةً إيجابية عامة.
لكن لماذا لم تحصل اتفاقات من هذا النوع، وما هي الأسباب الحقيقية وراء ابتعاد المُعلنين عن الملاعب اللبنانية؟
الواقع أن جذب المعلنين يحتاج بالدرجة الأولى إلى تسويق اللعبة عامةً وترك صورة طيّبة عنها تفرض بالتالي على من يريد تسويق منتجه اللجوء إلى ملاعبها لترك اسمه وجذب الزبائن إليه. لكن في فترة من الفترات هؤلاء الزبائن هجروا الملاعب، فكان هذا الأمر مؤثراً في توجّهات أصحاب الإعلان، إضافةً إلى مسألة أخرى وهي الصورة غير الحسنة التي تركتها بعض المباريات إن كان من خلال الملاعب وأرضيّتها السيئة أو المشكلات التي افتعلتها الجماهير. وفي الأسباب المختلفة هذه تحوّلت البوصلة إلى ملاعب أخرى مثل كرة السلة التي امتلأت أرضيّات ملاعبها واللوحات الجانبية بالإعلانات قبل أن تدخل مرحلة صعبة بدورها في الآونة الأخيرة.
الاتحاد اللبناني ومنذ زمنٍ طويل حاول العمل على الجانب التسويقي مدركاً أنه بحاجة إلى تلميع صورة اللعبة من خلال التسويق لها للاستفادة بالتالي من منتجها، لكن ورغم تعيينه أشخاصاً برعوا في هذا المجال، أمثال بيار كاخيا ووضاح الصادق اللذين ترأّسا لجنة التسويق، فإن النهاية كانت سريعة بفعل ترك هؤلاء للمنصب بعدما وجدوا شبه استحالة لتحقيق النجاح في ظل ظروفٍ عدة كانت محيطة باللعبة.
يتكبّد الاتحاد اللبناني مئات آلاف الدولارات سنوياً لتأمين رحلات السفر لمنتخباته


إذاً العقبات حضرت دائماً فبقي لبنان منتظراً وقوعه في مجموعة واحدة مع منتخبات كبيرة تستطيع تسويق مبارياتها وبيعها بمبالغ عالية للاستفادة في هذا المجال، وذلك رغم الفرصة الكبيرة التي أتيحت له بفعل تأهّله إلى كأس آسيا، حيث كان بالإمكان الربط مع رعاة عديدين في السوق من خلال حملة تسويقية واسعة النطاق للمنتخب واللعبة عامةً. هي مسألة ليست بالسهلة لأن أي حملة من هذا النوع تكلّف مبالغ طائلة، وهي مبالغ يفضّل الاتحاد توفيرها لحاجات أخرى، وهو الذي لا يعيش وفرة مالية دائمة بفعل المصاريف السنوية الكثيرة التي تعرقل الكثير من مشاريعه. علماً أن قسماً كبيراً من اللبنانيين قد لا يكون مدركاً أن المنتخب سيخوض لقاء مع تركمانستان في التصفيات الآسيوية المزدوجة مساء غدٍ (الساعة 19.00 على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية)، وهو أمر مردّه إلى ضعف التسويق للمباراة، الأمر الذي سيرتد سلباً على المردود المالي الناتج عن بيع تذاكر الدخول لحضورها...
بارقة أمل صغيرة أطلّت قبل عامين عبر تعيين موظفين متخصّصين في المجال التسويقي، ثم تأليف لجنة جديدة يرأسها عضو اللجنة التنفيذية وائل شهيّب وضمّته الى جانب الموظفَين وعضوين آخرين. لكن سرعان ما غادر الرجلان منصبيهما إلى عملٍ آخر، في وقتٍ تقدّم فيه شهيّب باستقالته برسالة ا
إلى الأمانة العامة في الثالث من أيلول الماضي، وذلك حسبما قال في اتصالٍ مع «الأخبار»، موضحاً سبب القرار بالقول، «لأن مطلبي كان تعيين مدير تسويق يمكنه تفعيل عمل اللجنة، بعيداً عن طلب الاتحاد الآسيوي بوجود هذا المنصب لتلبية مجموعة شروطه التي كان قد أرسلها الى الاتحادات الوطنية في القارة الآسيوية».
لكن شهيّب لا يغلق الباب حول العودة إلى العمل وطلب تجاهل هذه الاستقالة في حال أقدم الاتحاد على هذه الخطوة التي يضعها الاتحاد في الحسبان حسبما اأشار الأمين العام جهاد الشحف في مقابلة تلفزيونية، كاشفاً عن مجموعة قرارات تطويرية وضعها الاتحاد على الطاولة للسير بها من أجل رفع مستوى اللعبة وتحريك عجلتها التسويقية.
وأشار شهيّب إلى سعي سابق من قبله في الموسم الماضي للعمل مع الاتحاد الآسيوي لا سيما مسؤول التطوير روبير السبع، وبالتواصل مع المستشار المنتدب جيف ويلسون لوضع خطة تسويقية وتأمين كل ما يلزم لوضعها حيّز التنفيذ، «لكن هذه الخطوة بحاجة إلى عمل جدي لجذب الرعاة وإغرائهم، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي جعلت الشركات تقوم بعمليات حسابية دقيقة قبل صرف أي مبالغ في هذا المجال».
أما الشركة الوحيدة التي تحتاج إليها كرة القدم حالياً فهي شركة متخصّصة تقوم بتقديمها بطريقة جذّابة كعنصر أساس في سوق الاعلانات التي عادت أخيراً من خلال القطاع الخاص الى الملاعب فزيّنتها وتركت انطباعاً جميلاً، بأن هناك من لا يزال يؤمن باللعبة ويعمل من أجلها وفيها.