النتائج لا يجب أن تكون أولوية مع الصغار المدرب اللبناني مظلوم، ولا يلقى الدعم الكافي

مشاكل عديدة تعاني منها كرة القدم اللبنانية على أكثر من مستوى. الموسم المنقضي يُعَدّ الأسوأ خلال السنوات الأخيرة، نظراً لضعف مستوى عدد كبير من الأندية، وانعدام المنافسة. العهد بطل الـ«دوبليه»، والذي وصل إلى نهائي منطقة غرب آسيا في كأس الاتحاد الآسيوي، لم يعانِ كثيراً للفوز بالبطولات، خاصة أنه يملك استقراراً فنيّاً وإدارياً. وما يميّزه فعلاً، هو العمل الجاد على مستوى الفئات العمريّة. تفوق العهد يبدو أنه سيستمر للموسم المقبل، رغم العمل المميّز الذي تقوم به إدارة نادي الأنصار. الأندية بدأت عملها، وكذلك الاتحاد، ولكن واقع الكرة اللبنانية تحيط به علامات استفهام كبيرة، وهي التي أضاء عليها المدرب الإسباني دانيال خيمينيز في حديث مع «الأخبار»، وهو مدرب فئات عمرية سابق في أكاديمية برشلونة الإسبانية، ومشرف على عدد من أندية الفئات العمرية في لبنان، ومدرب أكاديمية «advanced soccer».
لا يمكن الحديث عن كرة القدم دون الانطلاق من الأساس، وهو الفئات العمرية. هذا القطاع هو الذي يشكل الخزان الرئيسي للأندية، لتكون قادرة على الاستمرار والمنافسة، دون دفع تكاليف مالية هائلة، نتيجة شراء اللاعبين. يرى المدرب الإسباني دانيال خمينيز إيجابيات كثيرة، كما سلبيات كثيرة في الكرة اللبنانية، وفي الفئات العمرية. هو يرى أن «هنا في لبنان يريدون الوصول للاحتراف، لكن فقط بالكلمات، ولا يعون أن تحقيق ذلك يحتاج للوقت ولكثير من الجهد، وهم غير مستعدين لتغيير هذه العقلية». يتحدث المدرب بعد ثلاث سنوات من العمل في مجال الفئات العمرية في لبنان، وهو راقب العمل في أكثر من نادٍ، وفي أكثر من منطقة.
تحدث خيمينيز عن إيجابيات وسلبيات في الكرة اللبنانية (هيثم الموسوي)

المدرب لا يضع اللوم على الأكاديميات، ولا حتى على المدربين مباشرةً، فالمشكلة الأساسية التي يشير إليها خيمينيز، أن الإدارات دائماً ما تكون متطلبة جداً. الأخيرة تريد تحقيق نتائج مميّزة في وقت قصير جداً. لا يخفي المدرب أنه عايش «هوساً كبيراً» بتحقيق النتائج في لبنان، حتى مع فئات سنيّة صغيرة جداً، وهذا غير سليم بحسب رأيه، وله انعكاسه السلبي على تطور اللاعب، وبالتالي على دوري الدرجة الأولى في لبنان. ويضيف المدرب الإسباني: «النتائج لا يجب أن تكون أولوية مع الصغار، على اللاعب الشاب أن يتعلم أشياء ومبادئ كثيرة قبل الفوز...».
الموارد البشرية المتوافرة قادرة على رفع مستوى اللعبة


المشكلة في التعامل الإداري، أو التطلب إذا صح التعبير من قبل الإدارات، يقابله شيء مهم وإيجابي جداً في لبنان، وهو المواهب. يتحدث دانيال خيمينيز تقنياً في ما يخص كرة القدم اللبنانية. وأعرب «داني» عن تفاجئه الشديد بجودة اللاعب اللبناني وموهبته، وأنه لم يكن ينتظر ذلك عند قدومه إلى لبنان. وقال بعد مراقبة ومتابعة دقيقة: «قد تجد بعض اللاعبين في الفرق اللبنانية أفضل تقنياً وفردياً من بعض الذين يلعبون في فرق إسبانية، ولكن حين تحاول دمجه في تلك المنظومة، لن ينجح على الإطلاق». وقد تكون لعبة الـ«ميني فوتبول» هي المسؤولة تحديداً عن تلك الظاهرة، فهي ــ بحسب رأيه ــ تحسّن اللاعب تقنياً، لكنها تفقده الكثير من مبادئ كرة القدم الحقيقية. ويعلل قائلاً: «يمكن كرةَ الشوارع أن تعلمك الكثير، لكنك بحاجة دائماً إلى المدرب الذي يعلمك أشياء لا يمكنك تعلمها في الشارع». كلام دانيال خيمينيز هنا يتقاطع مع عدد من المدربين الأجانب الذين أشرفوا على أندية لبنانية على مدى السنوات، والذين أجمعوا على أن اللاعب اللبناني يمتلك الموهبة، ولكنه لا يعرف كرة القدم على الورقة والقلم. وبمعنى أدق، اللاعب هنا لا يجيد اللعب في المنظومة، وهو ضعيف في تطبيق الخطط والتكتيكات، حتى إن هذا الأمر يظهر في مباريات المنتخب.
وبالحديث عن المدربين، أكد داني أن بعض المدربين الموجودين في لبنان «مميزون»، وهناك «مدربون يملكون التواضع»، كما هو الحال في برشلونة أو في أي مكان. يرى المدرب الإسباني الشاب، الذي قضى فترة في أكاديمية برشلونة، أن «كمية الشهادات التي تحصل عليها وحدها، والبلد الذي تأتي منه لا يجعلانك مدرباً جيداً»، ويرى أن مشكلة المدرب اللبناني الأساسية هي التأسيس المحصور بشهادات الاتحاد الآسيوي (A ، B، C)، وهو سقفٌ يمنعه من التطور ومراكمة الخبرات ما لم يخرج من بلاده. وبناءً على ذلك، يرى أن المدرب اللبناني مظلوم من حيث التسهيلات، ويعلّل قائلاً: «أنا في لبنان منذ ثلاث سنوات، ولم تسنح لي فرصة حضور أي مؤتمر أو ورشة عمل مختصة بكرة القدم». في الحديث عن المدربين يستطرد، فهو يرى أيضاً أن جزءاً من طاقة المدرب اللبناني تستنزف خارج الملعب، في مهمات من غير اختصاصه، تُلقى على كاهله، منها الإدارية والمالية واللوجستية. وبحسب دانيال، بعض المدربين، نتيجةً لهذه الأمور التي ليس من اختصاصهم أصلاً، لا يتفرغون 100 بالمئة لعملهم كمدربين وحسب، وهذا من شأنه أن يؤثر بشكلٍ أو بآخر بالإنتاجية، وبنوعية التدريبات.

يمتلك لبنان مواهب مميزة في كرة القدم وهي تحتاج الى المتابعة


انعكاس هذه المشكلات على دوري الدرجة الأولى يبدو واضحاً بطبيعة الحال، إلا أن اللوم الأكبر بحسب رأي المدرب الإسباني يقع على اللاعب. وفي هذا الإطار، يرى أن اللاعب يجب أن يتصرف باحترافية بمجرد تقاضيه بدلاً مادياً مهما كانت قيمته، ويضيف: «الرواتب المتواضعة ليست إلا عذراً وذريعة لتبرير بعض التراخي وعدم الاحترافية. لا شك في أن هذه النقطة بالغة الأهمية، فالعقلية الاحترافية ركيزة أساسية لدى كل لاعب، وللأسف هي أكثر ما نفتقده اليوم في لعبتنا». وبالحديث عن العقلية، لم يقصد داني فقط «الأكل والنوم والانضباط»، بل تطرق إلى جزء آخر من العقلية «اللبنانية الخاصة»، وهي «السلبية التي لمسها من جميع مجتمع اللعبة». انطلاقاً من الإعلام، مروراً باللاعبين ووصولاً إلى الأهل. يرى المدرب أن الكرة اللبنانية تتلقى سهاماً من دون أي ساتر، فأغلب الأهالي يفضلون ويحاولون منع اتخاذ أطفالهم من كرة القدم مهنة خوفاً منهم على مستقبلٍ غير مطمئن، والإعلام يقوم بعمله بالتصويب على المشاكل بشكل دائم، واللاعبون يشتكون من حال اللعبة... واللعبة متروكة من دون أي دعم، معنوياً كان أو فعلياً. إذاً، هي قراءة شاملة لواقع اللعبة، والمسؤولية لا تقع على جانب دون الآخر، فالجميع مسؤول، من إداريين إلى لاعبين، وحتى الأهل، والإعلام.
مدرب الفئات العمرية شدّد على وجوب وأهمية احتضان كرة القدم اللبنانية من قبل جميع مكوناتها بهدف دعمها، وعدم الاكتفاء بالنقد والتذمر غير المجديين. فبحسب المتابعة، «الموارد البشرية المتوافرة في لبنان من طراز رفيع وقادرة على رفع مستوى اللعبة إن استُثمِر بها بالطريقة المناسبة»، يختم دانيال خيمينيز حديثه مع «الأخبار».