عند نهاية كلّ موسم كروي، سواء في لبنان أو في أوروبا، تبدأ جماهير كرة القدم، والصحافة والنقاد بالحديث عن أفضل لاعب في كل دوري، أو حتى أفضل لاعب في العالم. الأكيد أن ليس هناك معايير واضحة وثابتة حول الاختيار، فالعاطفة تتدخل في معظم الأحيان، كذلك هناك دور للأرقام والإحصائيات، وهالة اللاعب الإعلامية لها دورها في الأمر. عند اختيار أيّ لاعب في لبنان أو الخارج تنقسم الآراء بين مؤيّد ومعارض.لم ينل هيثم فاعور جائزة أفضل لاعب عن موسم (2014-2015) لكونه اعتلى صدارة ترتيب هدافي الدوري، أو لأنه صاحب أكبر عددٍ من التمريرات الحاسمة. لاعب الوسط الدولي، قد لا يكون أكثر من قطعَ كرات، أو أكثر من استردّ الكرة في الدوري اللبناني. قد لا يكون أيضاً أكثر من خلّص الكرات في الموسم، ونسبة نجاح تمريراته قد لا تكون الأعلى. لا يوجد أي إحصائية تدعم سبب فوزه بجائزة اللاعب الأفضل في لبنان، لكن المصوّتين، مِن «خبراء» ومدربين وإعلاميين وغيرهم، وجدوا فيه أحد اللاعبين الذين ساهموا بقوّة بظفر العهد بلقب الدوري حينها.
بلال نجارين أيضاً سبقه إلى رفع الجائزة. المدافع النجماوي السابق، لم تبرز له أي إحصائيات تُفسّر سبب تفوّقه على غيره من اللاعبين، باستثناء الأهداف التي سجّلها (6)، لكن على عكس فاعور، لم يظفر نجارين باللقب مع النجمة، بل كانت الكأس من نصيب الصفاء، الذي سجّل له المدافع علي السعدي عدد الأهداف عينه الذي سجّله نجارين. حسن معتوق حمل بدوره الجائزة الأخيرة (عن موسم 2018 ـ 2019)، هي الرابعة له، بالتساوي مع نجم النجمة السابق موسى حجيج، كأكثر من حصل عليها.
الجماهير تحب أن ترى الجائزة بيد لاعبها المفضل (أرشيف)

على عكس أوّل مرة، لم يساهم معتوق بفوز فريقه بلقب الدوري في الموسم الأخير، ولم يكن هدّافاً للبطولة كما فعل في المرة الثانية، ولا أكثر من صنع أهدافاً كما حصل حين نال الجائزة في المرة الثالثة. في الواقع، فريق معتوق قبع في المركز الثالث في ترتيب الدوري، وخرج من ربع نهائي مسابقة كأس لبنان. هو سادس الهدّافين، وثاني أفضل صانعي الأهداف، غير ذلك، ليس لديه أي أرقام أخرى. كثيرون عارضوا اختياره، وكثيرون سيعترضون على اختيارات الموسم المقبل وما بعده، كما اعترضوا على المواسم الماضية. إشكالية اختيار اللاعب الأفضل، دولياً ومحليّاً، أن لا معايير واضحة لها، وتغلب عليها أهواء المصوّتين وعاطفتهم.
«كانت أكثر من خيبة أمل، لقد كان أكبر ظلمٍ في مسيرتي». هكذا علّق الفرنسي فرانك ريبيري على عدم فوزه بالكرة الذهبية عام (2013)، التي تُوّج بها البرتغالي كريستيانو رونالدو، في حين حلّ لاعب «الديوك الفرنسية» السابق ثالثاً بعد الأرجنتيني ليونيل ميسي. كثيرون رأوا أن ريبيري كان يستحق الجائزة في ذلك الموسم، حين ساهم بظفر بايرن ميونخ الألماني بخمسة ألقاب، من بينها دوري أبطال أوروبا، والدوري المحلّي «بوندسليغا»، حيث نال جائزة أفضل لاعب بعد اعتلائه صدارة صانعي الأهداف. كريستيانو رونالدو لم يتوّج بأي لقبٍ في ذلك الموسم، لكنّه كان هدّاف دوري الأبطال، وقاد البرتغال إلى نهائيات كأس العالم (2014) بعد أداءٍ مذهل أمام السويد ضمن التصفيات. هنا، غلبت الأرقام الفردية على الجوائز الجماعية، على عكس ما حصل حين فاز لاعب الوسط الكرواتي لوكا مودريتش بالجائزة. اللاعب وصل مع منتخب بلاده إلى نهائي كأس العالم، حمل كأس دوري الأبطال مع ريال مدريد الإسباني إلى جانب ثلاث كؤوس أخرى، في حين أن منافسه الفرنسي أنطوان غريزمان (لاعب أتليتيكو مدريد الإسباني)، ساهم بتتويج منتخب بلاده بالمونديال (أكثر من ساهم بتسجيل أهدافٍ في البطولة)، وظفر بلقب الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ» مع أتلتيكو مدريد، مساهماً بتسجيل (28) هدفاً في الدوري المحلي، أقل بثلاثة أهداف من رونالدو، الذي حلّ ثانياً في تصويت اللاعب الأفضل، بعد فوزه بلقب دوري الأبطال. المفارقة هنا، أن الهولندي ويسلي سنايدر وصل أيضاً إلى نهائي كأس العالم وحمل هو الآخر كأس دوري الأبطال عام 2010، تماماً كما فعل مودريتش، لكنه لم يكن بين أفضل ثلاثة لاعبين.
لا معايير واضحة في اختيار أفضل لاعب في العالم أو في الدوريات المختلفة


اختيار أفضل لاعب في العالم، تعتبر مسألة بالغة التعقيد، تُثار مع ختام كل موسم. المعايير تختلف من سنةٍ إلى أخرى، وحتى من دوري إلى آخر، بين من يُساهم بفوز الفريق الذي يلعب له بالألقاب، وبين من يقدّم الأداء الأعلى ويكسر الأرقام القياسية. المصوّتون هم قادة الفرق والمنتخبات ومدربيهم، إلى جانب الإعلاميين، وما يسمّى بـ«الخبراء»، مِمّن يرشّحون اللاعبين للجائزة. الأهواء تبدو غالبةً في التصويت، والعاطفة قد تلعب دورها أيضاً، خاصةً في البطولة اللبنانية، حيث أن كل الناشطين في اللعبة قد تجمعهم طاولةٌ واحدة، وإن كانت مشاهدة نجوم العالم بشكلٍ أسبوعي أمراً متوفّراً، فهو ليس كذلك في لبنان مع عدم تغطية جميع المباريات. الوقت أيضاً يلعب دوراً مهمّاً في التصويت. البعض قد ينسى ما قدّمه اللاعبون مع بداية الموسم، ويحكمون على الأداء في المباريات الأخيرة (خاصة أنه ليس هناك إحصائيات للاعبين والمباريات في لبنان بالشكل المطلوب). الأكيد أن لكلّ شخصٍ رأياً ورؤية مختلفة عن الآخر، لكن حين يُحصر التصويت بين أهل الاختصاص وتوضع معايير محددة لاختيار اللاعب الأفضل، تُحصر النتائج ويُصبح التصويت أكثر اتّزاناً.
لا يتعلّق الأمر بالانتقاص من قيمة لاعبٍ ما ودوره في فريقه، إنّما في تحديد المعايير، إذا وجدت. في الواقع، مع كل جائزةٍ جديدة، يبدو أكثر وضوحاً أن اللاعب يتحوّل هو نفسه إلى المعيار. قد تكون الأرقام الفردية هي المهمّة، أو الألقاب الجماعية أهم، أو حتّى المساهمة فيها، أو حتّى متعة الأداء المُقدّم، فالعين تحكم أيضاً، وقد تغلب المنطق أحياناً. التصويت على جائزة اللاعب الأفضل، إن كان تحت رعاية الاتحاد الدولي للعبة «فيفا»، أو الاتحادات الكروية المحليّة أو الصحافة الرياضية، قد يتحوّل إلى تصويتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، إذا فقد قيمته، ويصبح الصوت بـ«لايك» للاعبٍ ما، و«قلب» للاعبٍ آخر. السجال الذي حصل هذا العام سيتكرر في المستقبل، وخاصة عند اختيار أفضل لاعب مقبل، فالـ«معركة» بدأت من الآن بين جماهير كلّ من ميسي ورونالدو وفيرجيل فان دايك.