منذ عودة الراسينغ إلى مصافّ أندية الدرجة الأولى لموسم 2007-2008، وهو يعيش بأوجه مختلفة. هو النادي العريق الذي غالباً ما كان ندّاً عنيداً في دوري الأضواء، لكن ليس بعد الآن. السيناريو يتكرر مرة جديدة، ويهبط الفريق إلى الدرجة الثانية.حالة لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام، لكون الراسينغ يتمتع بحيثية كبيرة في كرة القدم اللبنانية، وبخصوصية أيضاً لدى شريحة واسعة من متابعي اللعبة، بغضّ النظر عمّا إذا كان من مشجعيه أو العكس.
أسباب الكارثة الراسينغاوية كثيرة، ولا ترتبط طبعاً بصافرة تحكيمية في مباراةٍ ما، أو بخسارة غير مستحقة في مباراة أخرى، بل بعوامل عدة أوصلت في نهاية المطاف إلى النتيجة التي توقّعها كثيرون استناداً إلى معطيات كانت واضحة أمام العيان منذ ما قبل انطلاق الموسم.
وعند تلك الفترة يبدأ الكلام، إذ إن الفريق لم يكن حاضراً لخوض المراحل الأولى من البطولة المحلية، لكونه قد جُمع قبل مدة قصيرة من انطلاق المشوار، وهو ما أثّر فيه كثيراً لفترة غير بسيطة. والأكيد أن هذه النقطة لا ترتبط بالعنصر المالي الذي لا يمكن أن يكون سبباً مباشراً في هبوط الراسينغ، لكون غالبية الفرق في الدوري عانت على هذا الصعيد، لا بل باعتراف الإداريين واللاعبين، إن الكل حصل على مستحقاته، وبالتالي يمكن إسقاط احتمال المشكلة المالية كسببٍ رئيس في ما آلت إليه الأمور.
الواقع أن هذا الاستعراض لمشكلة بدت أسوأ في أندية أخرى بقيت في دوري الأضواء، يحصر الكلام في الجانب التقني، وذلك انطلاقاً من سياسة التعاقدات المعتمدة في النادي منذ مواسم عدة، والتي تعتمد في قسمٍ كبير منها على استعارة لاعبين من أندية أخرى، وهي مسألة أثّرت موسمياً في الفريق، لكون هؤلاء اللاعبين يحتاجون بالتأكيد إلى أكثر من موسم لإيجاد الكيميائية (الانسجام) المطلوبة، وبالتالي جعل فريقهم متماسكاً إلى أبعد الحدود.
إذاً هي مشكلة الخطة الفنية الطويلة الأمد التي لم تكن موجودة وتركت أسوأ ذيولها على الفريق خلال الموسم المنتهي، وهي مسألة ترافقت أيضاً مع عدم استفادة الراسينغ، ومنذ الموسم الماضي من العنصر الأجنبي.
سقوط الراسينغ يشكّل خسارة على الصعيد الديموغرافي للفوتبول


وإلى الموسم الماضي يمكن العودة والتوقف واستنتاج مسألة واحدة تفضي إلى أنه لا يمكن الاستغراب كثيراً أنّ الفريق هبط إلى الثانية، لأن المشكلات التي كانت موجودة لم تُحلّ، بل زادت بفعل التأخر في الإعداد وتجميع فريق بما تيسّر، فكانت سلسلة الخسائر التي تعدت الـ 10 في الموسم الذي سبق الدليل على أن النادي مُقدِم على كارثة، وهو ما حصل لانتفاء العلاج التام.

خسائر بالجملة
هبوط الراسينغ يترك خسائر بالجملة في اللعبة، إذ إن دوري الدرجة الأولى خسر فريقاً عريقاً واسماً مهماً في المعادلة الكروية، كان له دوره في تقديم لاعبين مميزين خلال مواسم عدة، تركوا بصماتهم الإيجابية في اللعبة عامةً. كذلك كان لنادي الراسينغ دور في الذهاب نحو نواحٍ تطويرية، منها كان هذا الموسم عندما أطلّ من ملعب مجمع فؤاد شهاب الرياضي في جونية، ليعكس صورة بـأن النادي المنتمي إلى منطقة الأشرفية يهمّه الظهور بصورة طيّبة بعيداً من الملاعب المهترئة التي أُجبر على خوض مبارياته عليها في محطات عدة.
وعند ذكر الأشرفية، يمكن ذكر خسارة على الصعيد الديموغرافي للفوتبول، إذ إن الراسينغ ينتمي إلى منطقة تحتاج حالياً إلى نادٍ يمثّلها في دوري الدرجة الأولى التي افتقدت أولاً لهومنتمن وهومنمن، ومن ثم للحكمة، الذي ينتظر غريمه في الثانية ليطلق معه «الدربي» من جديد. وفي منطقة مثل الأشرفية، وامتداداً إلى المناطق الأخرى في محيطها، تظهر الخسارة لعدم وجود نادٍ في الدرجة الأولى يغري النشء للاتجاه إليه والدفاع عن ألوانه بدلاً من الذهاب إلى أندية أخرى يمكن أن تتيح لهم هذه الفرصة، أو حتى إلى رياضة أخرى مثل كرة السلة التي يمكن القول إن لمنطقة الأشرفية فضلاً كبيراً عليها من خلال الإنجازات الكثيرة لـ«الأخضر» الحكماوي.
كذلك، هناك خسارة أكبر قد تُرخي بظلالها على مستقبل النادي، وهي أن الهبوط إلى الدرجة الثانية قد يُبعد الداعمين أكثر عن الراسينغ، إذ إن أي نادٍ يجذب عادةً المستثمرين والمعلنين والداعمين من خلال نجاحاته، وطبعاً جمهوره. والكلمة الأخيرة أيضاً يمكن أن تكون حاضرة ضمن سلسلة الخسائر المذكورة، لأن العمل كان حثيثاً طوال الموسم الحالي لإعادة الجمهور الذي هجر الفريق لفترةٍ طويلة، إلى المدرجات، وهو الأمر الذي وصل إلى ذروته في المباراة الأخيرة أمام طرابلس مع التفاف الكل من أبناء النادي «معارضين وموالين» حول الفريق تحت شعار «كلنا راسينغ» لجذب أكبر عددٍ من المشجعين إلى الملعب، علماً بأن اعتماد ملعب جونية كان أيضاً من الأسباب التي سهّلت عودة الراسينغاويين إلى المدرجات بالنظر إلى توزّعهم جغرافياً في مناطق قريبة من ملعب جونية بدلاً من تكبّد عناء اللعب في صيدا أو بحمدون، كما حصل سابقاً لدى اعتبار ملاعب مناطق خارج بيروت أرضاً للراسينغ.
فعلاً هي مجموعة خسائر قاسية، لكن ما حصل قد يكون بداية لنهضة جديدة تؤسس لمستقبل أفضل مع فريق من أبناء النادي الذي تأسس عام 1935 وفرض حضوره بين كبار اللعبة بإحرازه ثلاثة ألقاب في الدوري بين منتصف خمسينيات القرن الماضي ومطلع سبعينياته.