يواجه نادي النجمة تحدّياً كبيراً يتخطّى الحدود الرياضيّة إلى البعد السياسي المتصل بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. النجمة يرفض السير تحت العلم الاسرائيلي، والتوجّه إلى القدس المحتلة لمواجهة فريق هلال القدس الفلسطيني على ملعب فيصل الحسيني، ضمن الجولة الثالثة من مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يوم الاثنين المقبل (1/4/2019). قرار سيرتب عليه عقوبات من الاتحاد الآسيوي للعبة. واللوم في هذه الحالة يقع بالدرجة الأولى على النادي المُضيف، والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وتحديداً رئيسه جبريل الرجوب، الذي يتمسّك بحقه باللعب على أرضه، رغم إدراكه حساسيّة الموضوع، سواء لنادي النجمة اللبناني أو الجيش السوري.لم يكن أحدٌ يتوقع أن تأخذ قرعة كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لموسم 2019 بعداً سياسياً متصلاً بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي. فلبنان الكروي الذي يشارك بممثلَين هما نادي العهد ونادي النجمة، وجد نفسه أمام معضلة حين توضحت صورة المجموعة الأولى التي تضم النجمة. حينها أسفرت القرعة عن وقوع النجمة اللبناني إلى جانب الوحدات الأردني والجيش السوري في مجموعة واحدة، وفريق رابع لم تتحدد صورته في ذلك الوقت، بانتظار إجراء التصفيات الأولية بين فريقي النصر العماني وهلال القدس الفلسطيني. حتى تلك اللحظة، وحتى بعد فوز الهلال الفلسطيني على النصر وانتزاعه المقعد الرابع في المجموعة، لم تكن هناك مشكلة. إذ لم يتوقّع أحد أن يصر رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني جبريل الرجوب (وهو الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية، والمستشار الأمني السابق لرئيس السلطة محمود عباس) وإدارة نادي الهلال على اعتماد ملعب فيصل الحسيني في القدس ملعباً بيتياً للفريق الفلسطيني. قد يكون القرار «عادياً» بالنسبة الى الوحدات الأردني، نظراً الى إمكانية دخول الأردنيين الى الأراضي الفلسطينية المحتلة (إمكانيته القانونية)، وهذا ما حصل في الجولة الثانية حين لعب الوحدات على هذا الملعب، لكن بالنسبة الى اللبنانيين والسوريين فقرار التمسك بملعب القدس أرضاً لنادي الهلال يعتبر قراراً بعيداً عن المنطق.
حتى يوم أمس الثلاثاء، لم يرد أي جديد من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى الاتحاد اللبناني حول القضية


«لا مجال للذهاب الى فلسطين المحتلة واللعب هناك تحت أي سبب». شعارٌ رفعه اللبنانيون والسوريون معاً. كلام صادر عن رئيس نادي النجمة أسعد صقال ورئيس الاتحاد الرياضي العام في سوريا اللواء موفق جمعة في اتصال مع «الأخبار».
نجماوياً، الموضوع غير قابل للنقاش، «لن نذهب الى فلسطين المحتلة واللعب هناك مهما كلّف الأمر» يقول صقال في أكثر من حديث حول الموضوع. ينطلق نادي النجمة من عدة اعتبارات وراء رفض الذهاب الى القدس واللعب هناك. الاعتبار الأول هو الاعتبار الرافض لأي شكل من أشكال التطبيع والموافقة على وضع ختم «إسرائيلي» على أي وثيقة تحمل اسم نادي النجمة أو جواز السفر اللبناني. هذا أمرٌ إجباري إذا قرر أي فرد الدخول الى الأراضي الفلسطينية عبر الحدود الأردنية. فالتصريح الأول هو «إسرئيلي» عبر مكتب موجود على المعبر بين الأردن وفلسطين المحتلة، قبل أن تنتقل الإجراءات الى السلطة الفلسطينية. ختمٌ إسرائيليٌ آخر مطلوب لدى الدخول الى مدينة القدس للعب على ملعب فيصل الحسيني. الاعتبار الثاني هو قانوني، ويتعلّق بقوانين الدولة اللبنانية التي تمنع الدخول إلى أراضي العدو، وبالتالي المسؤولية القانونية المترتبة لدى مخالفة القانون.
أمرٌ ليس في الوارد لدى اللبنانيين عامة والنجماويين خاصّة. لذا كان التحرك على مدى أسابيع من قبل النادي من جهة، والاتحاد اللبناني لكرة القدم من جهة أخرى، عبر العديد من المراسلات الى الاتحاد الآسيوي لتوضيح الموقف اللبناني، الى درجة أن الاتحاد اللبناني راسل نظيره الآسيوي بكتاب يشرح فيه تبعات الدخول الى الأراضي الفلسطينية، مشيراً الى أن القانون اللبناني يعتبر من يقوم بذلك خائناً بدخوله إلى أراضٍ يسيطر عليها العدو.
لكن كل هذه المراسلات لم تلقَ آذاناً صاغية لدى الاتحاد الآسيوي الذي لا يملك في أنظمته وقوانينه ما يلحظ مسألة عدم قدرة أي نادٍ على اللعب على أرض نادٍ آخر طالما أنهما ينتميان إلى عائلة الاتحاد الآسيوي. فالخلافات «السياسية» لا مكان لها في أنظمة الاتحاد الآسيوي، وبالتالي يترك الاتحاد القارّي الأمر الى الناديين للاتفاق في ما بينهما.


أمرٌ حصل سابقاً بين أندية عدة وخصوصاً الإيرانية والسعودية وتم حلّ الموضوع بالاتفاق بين الأندية المعنية من دون تدخّل من الاتحاد الآسيوي، أقلّه بالعلن وبشكل رسمي.
وجهة النظر الفلسطينية تنظر إلى المسألة بأن الموافقة على اللعب في القدس هو نوعٌ من أنواع المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، كما يقول المدير الفني لفريق هلال القدس خضر عبيد في حديث مع «الأخبار». يشرح عبيد أنه «من حقنا الطبيعي أن نلعب على أرضنا. نحن لا نطالب بالتطبيع مع إسرائيل، لكن بالتنازل عن اللعب على أرضنا نكون نتنازل عن حقنا. فما نطالب به هو اللعب على أرض فلسطين ضمن حدود الـ 67، وهي الحدود المتعارف عليها عربياً، ومن حقنا الطبيعي وطنياً أن نلعب على أرضنا. من المفروض على الدول العربية أن تساعدنا على ذلك» يقول عبيد، شارحاً وجهة نظر ناديه. ويضيف، «لا يجب أن يقلّعونا من أرضنا، وأعتقد بعيداً عن التطبيع أن أميركا عدو، ورغم ذلك يذهبون إليها. أضف الى ذلك أن الكثير من الوفود اللبنانية تأتي الى القدس بجنسيات أخرى، ويرفعون العلم اللبناني وأنا رأيتهم في القدس» يقول المدرب الفلسطيني. ويختم عبيد حديثه لـ«الأخبار» يتوجيه نداء الى نادي النجمة للوقوف مع الأندية الفلسطينية لتثبيت ملعب القدس أرضاً لنادي هلال القدس «لنزرع شوكة في حلق الإسرائيلي» كما يقول. في هذا الإطار، اعتبرت بعض الجهات أن «الهلال» والرجوب عمدا إلى هذه الخطوة لتحقيق الفوز ليس إلّا، على اعتبار أن الجميع هناك على دراية وعلم مسبق بأن الأندية اللبنانية والسورية لن تدخل إلى الأراضي المحتلة، ولن تسير تحت علم الاحتلال.
أكد ناديا النجمة اللبناني والجيش السوري استحالة سفرهما إلى الأراضي المحتلة لخوض اللقاء مع نادي هلال القدس


على الصعيد السوري، الأمر محسوم أيضاً. فالفريق هو الجيش السوري الذي لا إمكانية على الإطلاق لمجرد التفكير باللعب في القدس المحتلة كما يقول اللواء جمعة. «هي ليست المرة الأولى، وسبق أن وجهنا رسالة عبر وزارة الخارجية باستحالة اللعب في فلسطين، وجرى حلّ الموضوع، وان شاء الله سيُحلّ هذه المرة». بالنسبة إلى السوريين، ستكون المباراة مع الهلال على ملعب القدس هي مباراة الإياب، كون الذهاب أقيم في البحرين حيث اختار الفريق السوري المنامة أرضاً له بسبب الظروف في سوريا.
لكن هذا الحل الذي تحدث عنه اللواء جمعة لا يبدو أنه يلوح في الأفق على الصعيد اللبناني وحتى السوري. فحتى يوم أمس (الثلاثاء) لم يرد أي جديد الى الاتحاد اللبناني لكرة القدم، رغم أن عطلة نهاية الأسبوع حفلت بكلام كثير عن تثبيت الاتحاد الآسيوي ملعب فيصل الحسيني في القدس أرضاً للفريق الفلسطيني. ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بكلام من هذا القبيل مع تحليلات وتوقعات، لكن بريد الاتحاد اللبناني لم يتلقّ أي شيء، «ولن يتلقى أي شيء قبل المباراة» كما يقول مسؤول اتحادي. «فلو كان الاتحاد الآسيوي ينوي الرد على مراسلات الاتحاد اللبناني ونادي النجمة لكان قد أجاب قبل أسابيع».

حيدر يعمل على تقليل الخسائر
إذاً، المسألة دخلت في الوقت الضائع، فلا النجمة سيسافر الى فلسطين يوم السبت كما هو محدد قانوناً بالحضور قبل 48 ساعة على المباراة، ولن يتم تأجيل المباراة أو نقلها الى أي ملعب آخر، وبالتالي فإن الأمور ذاهبة نحو الأسوأ... إلا إذا...
هذه الـ«إذا» كانت مدار عمل من قبل رئيس الاتحاد اللبناني هاشم حيدر الذي هو عضو اللجنة التنفيذية في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أيضاً. لكن بعيداً عن هذين المنصبين، فقد عمل حيدر انطلاقاً من علاقاته على الموضوع للوصول الى تخفيف الأضرار قدر الإمكان وتجنيب النادي عقوبات مادية ومعنوية كبيرة. فقد علمت «الأخبار» أن حيدر نجح في الوصول إلى صيغة تقضي بتخسير النجمة هذه المباراة فقط دون تغريمه مادياً أو حرمانه من المشاركة لسنتين كما ينص القانون. وقد ارتكز رئيس الاتحاد اللبناني الى فقرة في قانون الاتحاد الآسيوي تتعلق بالتغيب عن أي مباراة لأسباب قاهرة، وهي أسباب تكون عقوباتها أقل من تلك المتأتية عن التغيب لأسباب غير قاهرة.
لكن هذه المسألة لن يتم إقرارها قبل موعد المباراة وعدم حضور النجمة الى الملعب، حيث ستجتمع لاحقاً لجنة المسابقات وتتخذ قرارها ما لم يطرأ جديد على القضية.



القوانين الاتحاديّة
تنص قوانين الاتحاد الآسيوي في ما يتعلق بمسابقة كأس الاتحاد، وتحديداً في المادة السادسة منه، على ما يأتي:
كل نادٍ ينسحب من المسابقة بعد انطلاقها، أو يتغيب عن مباراة ما، أو يرفض تكملة مباراة ما، أو يغادر الملعب قبل انطلاق مباراة ما يعتبر منسحباً من المسابقة بشكل عام بعد انطلاقها. وهذا يترتب عليه العقوبات الآتية:
- إلغاء جميع نتائجه.
- دفع تعويضات مالية لأي أضرار تنتج من هذا الانسحاب، سواء للأندية المنافسة أو للاتحاد الآسيوي أو المعلنين، ويتم تحديد قيمة التعويضات من قبل اللجنة التنفيذية للاتحاد الآسيوي.
- يُحرم من المشاركة في المسابقة لسنتين.
- يتم تغريمه مالياً على الأقل بمبلغ يتراوح بين عشرين وخمسين ألف دولار إذا انسحب من الدور الأول، على أن تزيد القيمة إذا كان الانسحاب في أدوار متقدمة. ويمكن تحويل الملف الى لجنة الانضباط والأخلاق في الاتحاد الآسيوي لاتخاذ عقوبات أخرى.
لكن كل هذه العقوبات تأتي ضمن انسحاب من دون أسباب قاهرة، أمّا إذا كانت هناك أسباب قاهرة أو كما يسميها النص القانوني (Force Majeure)، فحينها يعود القرار الى لجنة المسابقات في الاتحاد الآسيوي لاتخاذ القرار المناسب، وقد يكون هذا هو المخرج الأفضل للبنان لتقليل الخسائر.


رأي القانون اللبناني
تتحدث المحامية غيدة فرنجية من المفكرة القانونية إلى «الأخبار» عن الجانب القانوني من المسألة على صعيد الدولة اللبنانية. فبالنسبة إلى المحامية اللبنانية لا يبدو القانون واضحاً في هذا السياق. فالقانون يجرّم كلّ شخص يدخل أراضي العدو من دون إذن مسبق، لكن آلية الحصول على إذن غير موجودة فعلياً من جهة. ومن جهة يبدو أن هناك لبساً في تطبيقه: فهل تعتبر الأراضي الفلسطينية (وتحديداً الضفة الغربية) من أراضي العدو رغم أن الدولة اللبنانية تعترف بالدولة الفلسطينية؟
وتشير فرنجية إلى أن المحكمة العسكرية هي المختصة في التعاطي مع قضايا الدخول إلى أراضي العدو. وهناك العديد من القضايا المعروضة لدى المحكمة العسكرية، وجرى اتخاذ قرارات بها. لكن المشكلة أن هذه المحكمة لا تنشر أحكامها ولا تفسّرها، وبالتالي لا يمكن معرفة الاعتبارات التي تعتمد عليها الأحكام وكيفية تفسيرها للقوانين.
وتستشهد فرنجية بالعديد من القضايا التي تمّت ملاحقة أصحابها بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية أو الإسرائيلية ولو بجوازات سفر غير لبنانية، كالمخرج زياد الدويري إضافة إلى العديد من الأفراد اللبنانيين، وذلك بشكل أساسي بناء على وجود أختام إسرائيلية على جوازات سفرهم. وتؤكّد المحامية اللبنانية أن أيّ شخص لبناني أو عربي مقيم في لبنان يدخل الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية حتى بجواز سفر غير لبناني وتعلم به السلطات اللبنانية يتم استدعاؤه والتحقيق معه وقد تتم إحالته على القضاء.


انسحابات سابقة
قد لا يكون انسحاب نادي النجمة من مباراته مع هلال القدس الفلسطيني يوم الاثنين المقبل في مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي هو الأول من نوعه. لكن لا شك أن أسباب الانسحاب قد تكون للمرة الأولى. فمسابقات الاتحاد القاري شهدت أكثر من انسحاب، لكن ليس لأسباب سياسية أو تتعلق باعتبار أرض المباراة أرضاً معادية. فعام 2009، انسحب نادي الشارقة من مسابقة دوري أبطال آسيا بعدما كان مهدداً بالهبوط الى درجة أدنى في دوري بلاده، واختار التركيز على البطولة المحلية والانسحاب من دوري أبطال آسيا. حينها تعرض لعقوبة مالية قاسية بلغت 413 ألف دولار كمجموع عقوبات وتعويضات مالية، الى جانب حرمانه من المشاركة لسنتين.
حادثة أخرى حصلت مع نادي الأهلي الإماراتي عام 2011 حين رفض اللعب مع فريق نيفيتشي الأوزبكي في طشقند بسبب الأوضاع الأمنية هناك وخوفاً على سلامة لاعبيه. لكن الاتحاد الآسيوي حينها لم يقتنع بالأسباب الإماراتية التي برر بها فريق الأهلي دبي تغيبه عن المباراة.
لكن الأزمة الأكبر كانت بين الأندية الإيرانية والسعودية في ظل الأزمة السياسية بين الطرفين، إذ كان من «المستحيل» لعب كل نادٍ على أرض الآخر، وجرى اختيار أراضٍ محايدة من قبل الأندية السعودية والإيرانية لاستضافة المباريات في ما بينهم.