قبل انطلاق مرحلة الإياب في الدوري اللبناني لكرة القدم، اتصل لاعب أجنبي وافد حديثاً إلى الملاعب اللبنانية بمدير فريقه، طالباً منه بعض الطعام. فوجئ الإداري بطلبه، فسأله إذا ما كان يتكلم بجديّة، ليبادر اللاعب إلى القول، «لم أتناول الطعام منذ وصولي إلى بيروت قبل يومين». قصة لا تعكس فقط معاناة بعض اللاعبين الأجانب الذين ينضمون إلى الفرق اللبنانية بين الدرجتين الأولى والثانية، بل تصف واقع الحال حول الصعوبات المالية التي تعانيها هذه الأندية، والتي تحول دون قيام إداراتها بأقل الواجب تجاه لاعبيها المحليين والأجانب على حدٍّ سواء.إدارات تحاول الالتفاف أحياناً على اللاعبين الذين يحملون «عهدها» على أكتافهم.
الاتحاد مطالَب بالتحرك (عدنان الحاج علي)

ففي قصة أخرى يتم استدعاء لاعب دولي إلى مكتب الرئيس الذي يتودد إليه بلطف، طالباً منه تمديد عقده، فيسأله اللاعب حول المبلغ المعروض بعدما بادره الرئيس بالمديح حول دوره وأهميته بالنسبة الى الفريق. الأخير يعلم أصلاً أن فرقاً منافسة أخرى ترغب بشدّة في الحصول على توقيع لاعبه، لا بل تردد في أكثر من مناسبة أن هذا اللاعب اتفق مبدئياً مع فريقٍ آخر للانتقال إلى صفوفه بمبلغ يساوي ضعف ما يتقاضاه حالياً وحتى أكثر. هو أمر وصل إلى مسامع الرئيس، لكن رغم ذلك حاول استمالة لاعبه بطريقة عاطفية عارضاً عليه عقداً جديداً بمبلغٍ أثار ضحك اللاعب بشدّة كردّة فعل على سؤال الرئيس حول جوابه إيجاباً أو سلباً بخصوص ما يعرضه عليه. انتهت القصة هنا، ولم تصل إلى خواتيمها السعيدة.
هي قصة تعكس أيضاً حجم مشاكل الإدارات لتأمين التمويل اللازم، وحجم معاناة اللاعبين للحصول على ما يستحقونه أو أقلّه على مستحقاتهم، فيصف أحدهم الوضع بـ«الشحادة» على أبواب الرؤساء والإداريين في بداية كل شهر، حيث لا حلّ ولا مجيب في معظم الأحيان.

استقرار في العهد والأنصار
وفي استعراضٍ للأندية الـ 12 المتنافسة في دوري الأضواء، وحدهما العهد والأنصار لا يمكن وضعهما في هذا الإطار، وهي مسألة واضحة للعيان، إذ لا كلام في الوسط الكروي حول تأخر في الرواتب أو المكافآت، ولا امتعاض من قبل اللاعبين بسبب أي مسألة ماليّة. الأمور مغايرة تماماً عمّا تشهده الأندية الأخرى، والدليل أن لاعبي الفريقين لا يترددون في التوقيع على عقدٍ جديد في حال عرضت الإدارة عليهم مواصلة المشوار معاً، وهو أمر ظهر في حالات عدة، ومنها للاعبين خاطبت أندية منافسة ودّهم، لكنهم فضلوا البقاء مع «الأصفر» و«الأخضر» كونهم يشعرون بالراحة النفسية بفعل عدم تفكيرهم برواتبهم التي يمكن ألا تصلهم لأكثر من شهرٍ أو شهرين في مكانٍ آخر. بطبيعة الحال، لا يبحث اللاعب سوى عن الاستقرار المادي، إذ انه يكسب رزقه من اللعبة، ولهذا السبب يقول لاعب سبق أن احترف في الخارج وعاد إلى لبنان بأنه قَبِل الدفاع عن ألوان نادٍ مهدد بالهبوط بدلاً من الانتقال إلى نادٍ شعبي كبير كونه حصل على ضمانات مالية مسبقة من فريقه الحالي «ففي النهاية مستقبلي على المحك، ولا يمكن أن أجازف به». لاعبٌ آخر يحكي عن أموالٍ لا تزال في ذمّة فريقٍ لعب له في مرحلة انتقالية قبل تحوّله الى فريقٍ جديد، وهي تجربة جعلته يحسب ألف حساب لأي خطوة يقوم بها، وأثّرت بشكلٍ مباشر على خياره بعد تركه فريقه الأم، متنازلاً عن فكرة ارتداء «قميص الحلم» بالنسبة إليه، ومفضّلاً الارتباط بفريقٍ آخر بعيداً عن «أوجاع الرأس».

النجمة... العذاب بعد الخلاص
في النجمة، طفت إلى العلن أكثر من مرّة أحاديث عن مصاعب مالية يعانيها النادي خلقت تململاً عند المتعاملين معه وعند اللاعبين أيضاً. كلامٌ عن فنيين سابقين يطالبون بمستحقاتهم، وكلامٌ عن مكافآت لم تصل إلى اللاعبين منذ أشهرٍ طويلة، وكلامٌ أيضاً عن رواتب متأخرة شهرياً، وعن لاعبين همسوا بالخروج من النادي في الصيف المقبل، حتى إن بعضهم فتحوا قنوات تواصل مع أندية أخرى، وهي مسألة قد تؤثر على التزامهم العاطفي مع الفريق في ما تبقى من مشوار الموسم الحالي، وتؤثر أيضاً على صورة الفريق ومستقبله، انطلاقاً من الموسم المقبل.
بعضهم وصف الوضع بالـ«شحادة» على أبواب الرؤساء والإدارات في بداية كل شهر


الواقع أن النجمة، مع انتخاب إدارة جديدة، وقع في فخ «التضخم» الذي طفا فجأة في كرة القدم اللبنانية، مع ضم فرقٍ مثل العهد والأنصار لاعبين بمبالغ عالية أو توقيع عقود احترافية مع لاعبين آخرين برواتب غير معهودة على الساحة المحلية. وقتذاك، انجرفت الإدارة في حماسة وصولها إلى تسلّم النادي الأكثر شعبية في لبنان، والذي عانى ما عاناه من مشاكل مالية كبيرة، فأرادت أن تلبس ثوب «المخلّص» أمام جمهورها الباحث عن خشبة خلاص، والتي تمثّلت بالتعاقد مع قائد منتخب لبنان حسن معتوق، مقابل مبلغ قياسي. ومما لا شك فيه أن النجمة كان مجبراً قبل انطلاق الموسم الحالي على مجاراة ما يحصل في السوق، وأيضاً بسبب النقص في تشكيلته، فيقول مصدر في النادي إن لاعبين جدداً تمّ التوقيع معهم بمبالغ تفوق ما يستحقون، وهو ما زاد من الرقم المرصود في الميزانيّة وأثقل الخزينة، وخلق مشكلات متفرّقة، بعضها طفا إلى العلن والبعض الآخر يبقى كالنار تحت الرماد حتى الآن.

مشاكل متشابهة
الأكيد أن النجمة ليس الوحيد في الساحة على هذا الصعيد، لكن أجواءه تضجّ أكثر بفعل شعبيته الكبيرة، فهناك الكثير من الأندية التي تعيش مشاكل مشابهة، ولا تظهر على ألسنة إدارييها إلا عند تأثرها بخطأ تحكيمي مثلاً، حيث تندب حظها وتحكي همومها ومدى الصعاب التي تواجهها لتأمين المتطلبات المالية الكفيلة بالاستمرارية، تماماً كما هي حال الإخاء الأهلي عاليه مثلاً.
وينطبق الأمر على الراسينغ الذي لم يخفض ميزانيته بشكلٍ كبير هذا الموسم، بحسب ما يؤكد مصدر إداري، لكن المشكلة الأساسية هي في تأمين السيولة شهرياً، ما يجعله يدفع رواتب متأخرة، وهو أمر أثّر بلا شك على موسمه والوضع المعنوي للاعبيه، وذلك في موازاة سعي الإدارة لتأمين الأموال من مصادر مختلفة. والراسينغ كغيره من الأندية هو أسير «الفردية» في الدعم المالي الذي تعيش من خلاله الفرق، وهي تتأثر بفعل مزاجية الداعم أحياناً أو عزوفه عن الدفع أو هروبه منه لأسبابٍ تتعلق غالباً بأعماله ونشاطاته بعيداً عن الملاعب.
طرابلس هو أحد هذه الأندية التي عانت المصاعب المالية عشية انطلاق الموسم ولا تزال، وهو ما جعلها تقف في المنطقة الحمراء، حيث الفرق المهددة بالهبوط إلى دوري المظاليم، الذي يواجه شبحه أكثر من فريق بسبب ارتدادات أزماته المالية المتلاحقة على غرار البقاع والسلام زغرتا والصفاء. أما الحلّ فهو ليس قريباً ولا يرتبط بالأندية وحدها، بل بالواقع الإقتصادي للبلاد، بحيث إن إفرازات العجلة الاقتصادية إذا ما دارت بالشكل الصحيح على المستويين الرسمي والخاص، يفترض أن تترك رواسب في الساحة الرياضية. كما أن من الحلول الجذرية هو تحوّل الأندية نفسها إلى «سلع» تجذب الرعاة والمستثمرين، وبالتالي رؤوس الأموال. لكن هذه المسألة بدورها لن تكون حاضرة إلا في حال تحرّك الاتحاد اللبناني لكرة القدم بشكلٍ استثنائي لتسويق اللعبة وعكس صورة جذابة عنها بحسب ما تتطلب الدورة الكروية الحقيقية التي جعلت كل البلدان المتقدّمة تعيش حالة رخاء وبحبوحة انعكست لاحقاً إيجاباً على نتائجها الفنية.