لا يزال جمهور كرة القدم في لبنان يسأل كل أسبوع عن المباريات المنقولة تلفزيونياً، لمعرفة ما إذا كان بإمكانه التهرّب من عبء تكاليف حضور المباراة في الملعب. بالإطلاع على التوقيت الذي يعتمده الاتحاد اللبناني لكرة القدم لمباريات الجولة، يعرف المشجعون ما هي المباريات المنقولة وتلك غير المنقولة. إذ طالما أن صافرة الحكم الأولى تنطلق في الثالثة والنصف عصراً وما بعدها، يعني أن المباراة ستُنقل، وذلك لأنها لا تتعارض مع موعد نشرة الأخبار، فالقناة الناقلة ليست رياضيّة. المُشكلة، هي أن ثلاث مبارياتٍ على الأكثر تبدأ في هذا التوقيت، أي إن معظم مباريات البطولة تُغيّب عن منازل الجمهور المتابع لكرة القدم.«مدرّجٌ واحدٌ في ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية لكرة القدم بحجم أكبر حضورٍ جماهيري في ملعب كرة سلة». «مباراةٌ نهائيةٌ بين أي فريقي كرة قدم يملكان قاعدتين جماهيريتين، كحضورٍ في خمس مباريات نهائيّة بكرة السلة على أي ملعب». مقارناتٌ كثيرةٌ يتسلّح بها الجمهور للإشارة إلى اللعبة الجماهيريّة الأكبر في لبنان، لكن هذه المقارنات تبقى ضمن إطار التعداد في الملاعب، وعلى أساسها تُبنى القاعدة التشجيعية للعبتين بشكلٍ عام، والتي تشمل المتابعة من خلف شاشات التلفزيون.
واقع النقل لا يرضي الجمهور (عدنان الحاج علي)

في كرة السلة، المباريات أصبحت منقولة عبر تطبيقٍ على الهواتف الذكية، وفي كرة القدم، معظم المباريات غير منقولة، والجمهور «يدبّر حاله». معرفة مدى المتابعة للعبتين باتت شبه مستحيلة، إلّا من خلال الحضور الجماهيري في الملاعب، وهو أيضاً نسبي، نظراً إلى عدم احتساب البطاقات المباعة في ملاعب كرة القدم في لبنان.
30 مباراة هذا الموسم نقلتها قناة «mtv» الحاصلة على حقوق بث بطولة لبنان لكرة القدم، وذلك خلال 13 جولة من عمر الدوري، ما يعني أن 48 مباراة غابت عن شاشة تلفزيون المر، في حين اعتُمد على قناة «one» (تابعة للمر أيضاً، وتعرض كليبات أغاني ومنوّعات)، لنقل بعض المباريات التي يتضارب موعدها مع نشرات الأخبار وبرامج الأعياد. أما بقية المباريات غير المنقولة، فأغلبها لم يشاهدها سوى من حضر على مدرجات الملاعب، في حين نُقلت قلّة منها عبر الإنترنت، على موقع قناة «mtv»، أو موقع «mycujoo» الذي قدّمه الاتحاد الآسيوي لكرة القدم. جمهور اللعبة المنتمي إلى الطبقتين الوسطى والفقيرة، كان محروماً دائماً من متابعة جميع المباريات، لكن في حين لم تغب أي مباراة عن النقل في إياب الموسم ما قبل الماضي، تراجعت نسبة المباريات المنقولة مع استلام تلفزيون المر ملف النقل عوضاً عن «الجديد» في الموسمين الماضي والجاري.
«mtv» التي حصلت على حقوق نقل بطولات كرة القدم بدلاً من كرة السلة، اصطدمت إدارتها بواقع اللعبة في لبنان، وفي عدم المساهمة بتسويقها من اتحاد كرة القدم، فهي بطبيعة الحال، تعتمد على نسب المشاهدة والإعلانات التي تكون قادرة على الاستفادة منها مالياً، لكن في حين أن تسويق اللعبة غائب بشكلٍ كلّي عن أعمال الاتحاد اللبناني لكرة القدم، والإعلانات غير حاضرة في الملاعب منذ انطلاق الموسم الماضي، ولا مؤتمرات صحافيّة أو مقابلات بعد المباريات برعاية الشركات، إلى جانب واقع بعض الملاعب الذي لا يسمح بالنقل، إن كان بسبب الإضاءة أو حاجات النقل، يبدو تلفزيون المر خاسراً في الدخول إلى هذه اللعبة. هذا الأمر لا يُعفي القناة من مسؤولية، يقول معظم المراقبين إنها تتهرّب منها، وتكمن في نقل المباريات عبر شاشتها، إذ إن اعتمادها على قناة «one» لم يُرضِ المشجعين، ذلك لأسباب عدة، أولها عدم تمكّن الجمهور من الوصول أصلاً إلى القناة. فهذه الأخيرة تغيب عن القمر الاصطناعي «نايل سات»، وهو القمر المعتمد الأول في منازل اللبنانيين، كما تغيب أيضاً عن بعض شركات الكايبل، وهي بخلاف «mtv»، لا موقع إلكتروني لها، وبالتالي لا تمكن مشاهدتها عبر البث المباشر على الإنترنت. القناة تكاد تكون غير موجودة لدى معظم اللبنانيين، وبخاصة خارج المدن الكبرى، وبالتالي فإن هذا الحل البديل ليس ناجحاً تماماً، ولو أنه لا يزال حلاً، علماً أن القناة شبه الغائبة، تبث المباريات عبر كاميرا واحدة فقط، والإعادة عبرها لم تكن موجودة حتّى قبل أسبوعين.
اعتماد «mtv» على القناة الرديفة فتح لها المجال في نقل مباراتين فقط عبر شاشتها كل جولة، في حين أنها كانت تنقل ثلاث مباريات خلال ثلاثة أيام، وهو ما كانت تفعله «الجديد» أيضاً، الأمر الذي أدّى إلى تغييب مباراة إضافيّة عن الشاشة في ظل عدم تمكّن المتابعين من الوصول إلى «one».
عدم بث جميع المباريات اضطر البعض إلى نقلها عبر الهواتف المحمولة بالاستعانة بخدمة «لايف فايسبوك»


عدم بث جميع المباريات اضطر البعض إلى نقلها عبر الهواتف المحمولة، بالاستعانة بخدمة «لايف فايسبوك» خلال الموسم الماضي، قبل اعتراض «mtv» على التعدّي على حقوقها بالبث، ولو أن المباريات التي كانت تُنقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليست هي عينها المنقولة عبر القناة التلفزيونية. هذا الموسم، تُنقل المباريات التي تُبث على قنوات «one» عبر «فايسبوك»، ذلك نسبةً إلى عدم توافرها لدى أغلب اللبنانيين، وفي ذلك أيضاً تعدٍّ على الحقوق، لكن هذا الأمر لا يهم لدى الجمهور، بالنسبة إليهم نقل المباراة عبر أي وسيلة ولو بكاميرا واحدة قد يكون كافياً، وهو ما يفعله القائمون على موقع «mycujoo» أيضاً، حيث يتم نقل من مباراة إلى مباراتين كل جولة عبر الإنترنت، بجودةٍ أفضل من النقل عبر «one»، مع خاصيّة إعادة مشاهدة المباراة واللقطات المهمّة والأهداف. وحتّى هذا الحل الذي وفّره الاتحاد اللبناني، لم يُرضِ الجمهور، ذلك بسبب واقع الإنترنت في لبنان، بل إن البعض ذهب إلى نقل المباراة من الموقع إلى «فايسبوك». أمرٌ آخر، هو أن المسؤولين عن الموقع ينقلون عادةً مبارياتٍ منقولةً أصلاً عبر قناة «one»، ما يعني أن مباراتين غالباً تغيبان عن أي شاشة.
لا حلول تلوح في الأفق لإيصال جميع المباريات إلى منازل اللبنانيين، الذين يتراجعون عن فكرة الحضور في الملاعب، لأن لا شيء فيها يُشجّعهم على ذلك. «حل» نقل مباريات كرة السلة عبر تطبيقٍ إلكتروني، الذي أدّى إلى تراجع نسب المتابعة للعبة بشكل كبير جداً، ويُساهم في عدم استقدام متابعين جُدد، وخسارة حلقة الأشخاص غير المتابعين بشكلٍ كلّي لكرة السلة، وكانوا يُشاهدون بعض المباريات بخاصة في الأدوار النهائية، وذلك عبر التلفزيون، وهم غير مهتمين بملاحقتها عبر تطبيقٍ إلكتروني مقابل 9 دولارات شهرياً، قد يُطبّق هو عينه على كرة القدم في ظل أزمة الشاشة الصغيرة. لكن الفارق بين اللعبتين، أن في الأولى معلنين ورعاة يُساهمون في بقائها على قيد الحياة، في حين يغيب التسويق بشكلٍ شبه كلّي عن كرة القدم، الأمر الذي قد لا يدفع أي شركة إلى المغامرة كما فعل تلفزيون المر، ويُشكّل خوفاً من عدم نقل المباريات كلها بدلاً من بعضها.