كرة السلّة عادت لبنانية. هذه هي العبارة التي تمّ تداولها على نطاقٍ واسع عند تخفيض عدد اللاعبين الأجانب على أرض الملعب في بطولة لبنان قبل انطلاق الموسم الجديد. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، إذ إن الهوية اللبنانية للعبة بدت أوضح من خلال سابقة لم تعرفها بطولة لبنان في العصر الحديث، وذلك بإشراف مدربين لبنانيين على الفرق التسعة في الدرجة الأولى، ومن دون وجود أي مدربٍ أجنبي.نقطةٌ مهمة يُفترض التوقف عندها في بطولةٍ تحوّلت في فترة من الفترات إلى ساحة لمبارزة أجنبية إن كان على صعيد اللاعبين أو على صعيد المدربين القادمين من مدارس سلوية مختلفة حول العالم، حيث أفرغوا أفكارهم في الأندية اللبنانية وبدا تأثيرُ بعضهم كبيراً في المستوى العام للبطولة.
من هنا، تنقسم الآراء اليوم بين من يحكي عن تأثيرٍ سلبي لغياب المدرب الأجنبي عن بطولة لبنان، وبين من يعتبر أن هذا التأثير لن يكون كبيراً. لكن المهم أن سبب هذه السابقة يبدو واضحاً، وهو الشحّ المالي في الأندية التي أرادت عدم تكبّد مبالغ كبيرة من خلال استقدام مدربٍ أجنبي يحتاج إلى راتب عالٍ ومصاريف أخرى، إضافةً إلى إصرار بعض المدربين على التعاقد مع مساعدين سبق أن عملوا معهم في بلدانهم أو في محطّاتٍ أخرى، ما يزيد من حجم المصاريف أيضاً، وهي مسألة لم تعد تحتملها الأندية إثر هبوط المؤشر الاقتصادي للعبة موسماً بعد آخر وانسحاباً إلى الموسم الحالي.

الساحة للمدرب اللبناني
بطبيعة الحال، هي فرصة للمدرب اللبناني لإثبات ما يمكن أن يقدّمه في سبيل تطوير اللعبة، وذلك في موسمٍ يُحكى أن مستواه لن يكون على صورة المواسم السابقة لناحية المستوى العام بسبب انحصار المنافسة بحسب ما هو متوقّع بين أربعة فرقٍ دون سواها. كما هي فرصة لمدربين شبان لاختراق ساحة مدربين احتكروا المناصب الفنيّة في دوري الأضواء، فأطلّت أسماء شابة جديدة على غرار مدرب هوبس جاد الحاج الذي لم يبلغ العقد الثالث من العمر، ومدرب بيبلوس جورج جعجع (32 عاماً).
وفي ظلّ هذه الأجواء، يتفق المتابعون عن كثب بأن مستوى المدربين اللبنانيين يعدّ جيّداً مقارنةً بالمدربين العرب على سبيل المثال، لكن طبعاً يحتاج غالبية هؤلاء المدربين إلى أكثر من مجرد العمل على الأرض للوصول إلى المستوى الدولي، وهي مسألة يعوّضها الجيل القديم من المدربين من خلال الخبرة المتراكمة عبر السنوات.
وإذا كان بالإمكان اعتبار أن المدرب اللبناني عمل على تطوير نفسه في مجالاتٍ عدة، يبقى الأجنبي متفوّقاً لناحية خلقه هوية وشخصية للفريق تظهر من خلال ثبات المستوى على سبيل المثال، وهي مسألة تبدو جليّة من خلال ما قدّمته بعض الفرق في غياب لاعبين معيّنين عنها حيث ترتكز على نظام لعب (System) يخلق التوازن بين الدفاع والهجوم بعيداً من الأسماء المتاحة للمدرب خلال المباراة، فهناك فارقٌ كبير بين اختيار وتركيب فريق، وتدريب هذا الفريق (Coaching) أو زرع فلسفةٍ معيّنة فيه.
وعند هذه النقطة يمكن إعطاء مثلٍ عن المنتخبات التي نافست لبنان على الساحة الآسيوية حيث ظهرت غالباً بنفس الهوية حتى لو تبدّلت عناصرها، بينما بقي منتخب لبنان بعيداً عن هذه النقطة فظهر في كل مناسبة بصورةٍ معيّنة وبحسب المدرب الذي يشرف عليه.

البحث عن هوية
كرة السلة اللبنانية تحتاج إلى هوية، ولمَ لا هوية لبنانية إذا ما عرف مدربو الفرق الاستفادة من الخبرات التي تركها أبرز المدربين الأجانب، تماماً كما حصل في النادي الرياضي حيث أكمل المدرب أحمد فران ما بدأه مدرب المنتخب السلوفيني سلوبودان سوبوتيتش.
طبعاً يحتاج بعض المدربين اللبنانيين غالباً إلى شخصية المدربين الأجانب، لكن طبعاً يتفوّقون عليهم من خلال معرفتهم التعامل مع اللاعب المحلّي، وهي مشكلة واجهها الكثير من أولئك القادمين من الخارج. في المقابل، عرف المدربون الأجانب في محطات عدة كيفية تطوير مستوى الفرق واللاعبين الشبان بشكلٍ أسرع من المدربين اللبنانيين، إذ إنّ إعطاء فرصةٍ للاعب صغير السن هي غير العمل على رفع نضجه ومستواه الفني، وهي مسألة يكتسبها المدرب عادةً من خلال تطوير نفسه بشكلٍ متواصل، ومن خلال مواكبته لسرعة تطوّر اللعبة.
وهذا الأمر بدأ يعرفه عدد من المدربين المحليّين، وتحديداً الشبان منهم، وهم بدأوا يعملون على تأمين حضورهم في دورات خارجية (Clinics) تماماً كما فعل مدرب بيروت باتريك سابا الذي قضى فترة في الولايات المتحدة متابعاً أهم التطوّرات التدريبية. وسابا هو واحد من مجموعة مدربين شبان ظهر أنهم يمتلكون أفكاراً مهمّة لا شك في أنها ستنعكس إيجاباً على فرقهم أولاً وعلى اللعبة ثانياً، أمثال مدرب هومنتمن جو مجاعص، ومدرب نادي الرياضي بيروت أحمد فرّان، كما مدرّب أطلس الفرزل إيلي نصر، ويضاف إليهم أسماء أخرى مثل مدرب المتحد طرابلس مروان خليل الذي اكتسب خبرة في سنٍّ صغيرة، وجاد فتوح الذي نشط بشكلٍ ممتاز مع منتخبات الفئات العمرية.
الشحّ المالي في الأندية أجبرها على التعاقد مع مدربين لبنانيين حصراً


هي مرحلة جديدة تدخلها كرة السلة اللبنانية، ربما تُفرح المنادين بضرورة ضخّ هوية لبنانية بأوسع شكلٍ ممكن في البطولة، لكن لا يخفى أن إفادة وجود مدربٍ أجنبي تبقى أساسية لناحية العمل على إدخال أفكارٍ جديدة وخلقه تحديّاً مع المدربين اللبنانيين في قراءة المباريات. وهنا لا يمكن لأحدٍ أن ينكر التأثير الإيجابي الذي تركه عدد كبير من المدربين الأجانب بين الأندية والمنتخب، آخرهم كان سوبوتيتش، وقبله كان الأميركيون بول كافتر، جون نيومان، وتاب بولدوين، والصربي دراغان راتزا ومواطنه نيناد كرسيتش، واليوناني الياس زوروس، والألماني بيتر شومرز الذي وصل مع هوبس إلى «الفاينال فور».

الاتحاد على الخط
واللافت أن «نهضة المدرب اللبناني» ترافقت مع نشاط اتحادي في هذا الاتجاه، إذ عادت وللمرة الأولى منذ ما يقارب الأربع سنوات الدورات الخاصة بالمدربين بإشراف «الفيبا»، بعدما كان المدربون أو الراغبون بدخول مجال التدريب يذهبون إلى أوروبا أو الولايات المتحدة لحضور أو متابعة دورات خاصة.
كما يبدو لافتاً تنامي ثقافة التدريب من خلال الحصول على شهادة، وهي مسألة توقف عندها أمين عام الاتحاد طوني خليل في حديثٍ مع «الأخبار»، موضحاً الخطوات المقبلة على هذا الصعيد بقوله: «بدأ الاتحاد بوضع الأسس لتأسيس جيل جديد من المدربين المحليين من خلال دورات المستوى الأول التي يشرف عليها «الفيبا»، وهي دورات منظمة بدقة لناحية تحديد عدد المشاركين فيها، وذلك لخلق تركيز على المشاركين ومنحهم الاستفادة الضرورية. ويتابع «نريد الوصول إلى مرحلة بحيث يحق فقط للمدربين الحاصلين على هذه الشهادة، تدريب فرقٍ في الفئات العمرية، على أن يُمنحوا حق المشاركة في دورات المستوى الثاني بحسب نشاطهم طوال سنة أو سنتين، وهذا طبعاً يتحدّد من خلال تقييم المُحاضر الذي أشرف عليهم في الدورة الأولى بحيث يبقون على اتصالٍ دائم معه لتزويده بمعلومات حول ما يقومون به عملياً».
لكن بالتأكيد لا يُمكن دفع مدربين نشطوا في اللعبة لمدة 15 أو 20 عاماً لإجراء امتحانات أو الخضوع لدورات معيّنة. لذا وبحسب خليل سيفتح الاتحاد الباب أمامهم لحضور الدورات الخاصة أو ما يُعرف بالـ Clinics «والتي ستكون محدّدة، ونحن بانتظار الخبير الإيطالي جورجيو غاندولفي الذي سيعِدّ تقريراً عن النواقص الفنية الخاصة بالأندية والاتحاد، وبعدها سنعمل بما ستقتضيه الحاجة. كما سنفتح الباب للمدربين للذهاب والانخراط في معايشة مع فرق في الخارج خلال فترة تحضيراتها».
ويكشف خليل للمرة الأولى بأنّه خلال الفترة التي ستُقام فيها مباراتا لبنان مع كوريا الجنوبية ونيوزيلندا سيحضر إلى لبنان المدرب الأميركي الشهير ليونيل هولنز الذي أشرف على أكثر من 10 فرق في الـ NBA، إضافةً إلى مدربين آخرين سبق أن أشرفا على المنتخبين الإسباني والإيطالي لإقامة دورة خاصة أيضاً «فهدفنا أن نخلق مساحة لكلّ مدربي المنطقة ونجعل من لبنان محوراً على صعيد تثقيف المدربين، انطلاقاً من هدفنا الأول وهو خلق جيل من المدربين المثقفين وخلق شخصية للسلة اللبنانية».



مباريات الأسبوع
بعد فترة التوقّف الدولي تعود بطولة لبنان كرة السلّة مساء اليوم، فيستضيف المتحد ـ طرابلس نادي هومنتمن بيروت في مجمّع الصفدي يوم الجمعة (الساعة 18:00). أمّا يوم السبت فيلتقي هويس مع الشانفيل في مجمّع ميشال المر (الساعة 17:00)، ويحلّ أطلس ضيفا على ملعب غزير لمواجهة الحكمة الأحد (الساعة 17:00)، في مباراة قد تُلعب من دون جمهور، وتختتم الجولة يوم الاثنين بلقاء بيبلوس مع نادي بيروت على أرضية مجمّع ميشال سليمان (الساعة 18:00).