هي قصص اليابانيين، أو لنقل شغفهم. في كتابه «جنوب الحدود غرب الشمس» يتحدّث الكاتب الياباني هاروكي موراكامي عن فلّاح سيبيري تأثّر بأغنية «نات كينغ كول» التي تحمل اسم جنوب الحدود. في الأغنية يُقصد ببلاد غرب الشمس، المكسيك. في أحد الأيّام رمى هاجيمي، بطل رواية موراكامي المحراث وذهب غرب الشمس من دون طعام ولا شراب. كان الفلاح مصاباً بمرض هستيري يعاني منه فلّاحو سيبيريا. المرض يسمّى «غرب الشمس». يقول موراكامي إن بطل روايته يكره الملل، ويبحث عمّا يعطي لحياته معنى أعمق، إنّه يحلُم باكتشاف ما وراء جنوب الحدود. القصة تتكرر اليوم، ولكن بطلها هذه المرّة يُدعى إيسامو كاتو، يابانيٌّ شغوف بكرة القدم، عاشق لنادي بوكا جونيورز الأرجنتيني. بوكا فريق مارادونا، فريق الشعب. استقلّ المشجع الياباني الطائرة لمدّة ثلاث وثلاثين ساعة. طار من طوكيو لقضاء 24 ساعة في بيونس آيريس. يريد أن يكتشف أرض فريقه. تكلّف الياباني مبلغ زاد عن 2600 دولار أمريكي للحصول على بطاقة مباراة كرة قدم، وبطاقة الطائرة، وإقامة ليلة واحدة في العاصمة الأرجنتينيّة. أراد كاتو مشاهدة مباراة القرن بين بوكا جونيورز وريفر بلايت في نهائي كأس ليبرتادوريس، إنّه الشغف وتحدّي الملل. بطل رواية موراكامي قضى فوق جليد سيبيريا جوعاً، بينما كان يحاول قتل الملل. المشجع إيسامو كاتو لم يمُت، لكنّ رحلته لم تكتمل. وصل المشجع الشغوف إلى ملعب المباراة مع عشرات الآلاف من رفاقه حاملين صور مارادونا، ملكهم، ونجمهم الأوّل، كانوا يغنّون، كادت حناجرهم تتكسّر، هكذا يشجّعون.وثقّوا المشاهد على صفحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. «مباراة القرن» تأجّلت من السبت إلى الأحد بفعل سوء الأحوال الجويّة، إنها الأمطار، وهذه الأخيرة مرتبطة بالشتاء، وربما بجليد سيبيريا. الطقس يقف مرّة أخرى بوجه أحلام اليابانيين. المباراة لُعبت الأحد، بينما كان كاتو في رحلة العودة إلى الوطن، ثلاث وثلاثين ساعة إضافيّة في الرحلة من أقصى الأرض إلى أقصاها. لم يخسر كاتو كلّ حلمه، كسب النصف، وقف أمام «الجوهرة» ملعب لا بومبونيرا، أنشد تحت المطر للاعبيه ولفريقه، لكنّه لم يشاهد المباراة من على المدرّجات. إيسامو كاتو مشجّع حقيقي، شغوف بفريقه وبكرة القدم، مشجّع أرجنتيني أكثر منه ياباني، رغم أنّ اليابانيين معروفون بالتزامهم في ملاعب الكرة، وبحبّهم للّعبة. كاتو أخذ فرصته واستغلّها، زار الأرجنتين والتقى بالمشجعين الذين يشبهونه ويشبههم. في الأرجنتين وفي أميركا الجنوبيّة عموماً لكرة القدم مفهوم مختلف، إنّه الحياة.
هنا تختلف الأمور، المشجعّون في بيروت ليسوا كمشجعي بيونس آيريس، من ينتمي للفريق، تلقائياً ينتمي للمدرّج، فلا يحطم ملعبه، ولا يترك المدرّج مهما كبرت الخلافات أو صَعُبت النتائج. هناك كرة القدم تُلعب للجماهير، التي لولاها لا وجود لكرة القدم. مشجّع يسافر لأيّام ليشاهد فريقه، لأنّه يؤمن بالفريق ويؤمن بالفوز. إنّه الشغف الذي لا يمكن شراؤه، شغف يعبر عن ثقافة مجتمعيّة في البداية وبعدها رياضيّة، هما أصلاً متكاملتان، عند مشجعين يجدون في كرة القدم مساحة حريّة يعبّرون بها عن أنفسهم. أمثال إيسامو كاتو قلائل، ولكنهّم يستحقّون الفرص.