في المرحلة الثالثة من الدوري اللبناني لكرة السلّة بدأ تطبيق نظام النقل الجديد للبطولة (المباريات تُنقل عبر تطبيق ألفا سبورتس، ومباراة واحدة من الجولة تُنقل عبر القناة التلفزيونيّة صاحبة الحق الحصري بالنقل التلفزيوني). القرار أُعلن منذ نحو أسبوعين، ولاقى ردود فعل غاضبة من قبل جماهير كرة السلّة اللبنانيّة، وهذا ظهر بشكل واضح على وسائل التواصل الاجتماعي. اليوم بدأ تنفيذ القرار. 9 دولارات أميركيّة مقابل مشاهدة مباريات كرة السلّة لمختلف الفئات (رجال وسيّدات) على أن يكون المشترك لديه خط «ألفا»، كما أنّ هذا المشترك مُلزم بتحويل دولار واحد من الدولارات التسعة لنادٍ يختاره هو. مصلحة الأندية فوق مصلحة الجماهير، والجماهير عليها أن «تكافح» مع فرقها. الأندية فقيرة، والناس أغنياء. هذه هي القاعدة الجديدة.في الجولة الثالثة بدا واضحاً أن نسبة كبيرة من جماهير كرة السلّة قاطعت التطبيق ونظام النقل الجديد، وهذا ظهر من تغريدات المشجّعين على وسائل التواصل الاجتماعي. اعترض كثيرون على النظام الجديد، على اعتبار أنّه يحمّل الجماهير تكاليف إضافيّة، وعجز القنوات التلفزيونيّة عن دفع بدلات النقل. كما أن الجماهير ذاتها يتم تحميلها مسؤولية إنقاذ الأندية التي تعاني على المستوى المادي. الجماهير تتحمّل كل شيء، من دون أن يتم أخذ رأيها حتّى.
في أكثر من مناسبة تحدّثت مصادر اتحاديّة عن أن القنوات التلفزيونية لم تكن قادرة هذا الموسم على دفع بدلات النقل، وتالياً فإن اللجوء لنقل المباريات عبر تطبيق ألفا بعد توقيع اتفاقيّة بين الاتحاد وشركة الاتصالات كان الحل الوحيد لكي يتم نقل مباريات الدوري، بالنسبة للاتحاديين. ولكن، ما لم يتم الانتباه إليه، عن قصد أو من دونه، هو أن الأعباء باتت كبيرة على المشجعين، التي حالها من حال البلد، وما تمر به الأندية والرياضة بشكل عام من ظروف ماليّة صعبة، هو بالتأكيد ما تعيشه هذه الجماهير وبصورة أكبر.
بالعودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى نهائيات كأس العالم الأخيرة لكرة القدم التي استضافتها روسيا، وكأس العالم التي سبقتها في البرازيل، حصل الكثير من الأخذ والرد في هذا الموضوع. ليس جميع اللبنانيين قادرين على دفع بدلات الاشتراكات لقنوات الحقوق الحصريّة. آنذاك تدخلّت الدولة، وتم نقل وقائع المونديال عبر تلفزيون لبنان مجاناً لجميع اللبنانيين. اليوم ينطبق هذا الأمر على بطولة كرة السلّة. ليس الجميع قادراً على دفع مبلغ 9 دولارات في الشهر، رغم أن المبلغ قد يبدو زهيداً بالنسبة لكثيرين، إلا أن ذلك يتبعه «هاتف ذكي»، وخط «ألفا»، وما إلى ذلك من تبعات. عليه أن يقوم بكل هذه العملية ليشاهد مباريات كرة السلّة. صحيح أنّه يشاهد بطولات الرجال والسيدات والفئات العمريّة، ولكن في النهاية هو يشاهد مباريات كرة السلّة فقط، وعبر الهاتف المحمول. أمّا إذا أراد أن يحصل على ترف المشاهدة عبر التلفزيون، فعليه بعد فترة بحسب ما ألعنت الشركة الراعية أن يشتري جهاز التشغيل «ريسيفر» وهنا أيضاً عليه أن يدفع ثمنه ليشاهد فقط مباريات كرة السلّة. وهكذا تكر سبحة التكاليف من 9 دولار إلى ما شاء الله، وإن كانت في أساسها تقوم على النهج الاحتكاري ذاته، وتضع مصالح الشركات فوق مصلحة اللعبة. وإذا صح الكلام عن أنّ دوري كرة القدم سيُنقل في الموسم المقبل بهذه الطريقة، فإن الأعباء الماليّة سترتفع، وكل شيء سيكون مدفوعاً. المشجع سيتحمّل مسؤولية غرق البلد. وأقل شيء يمكن أن يفعله هو المقاطعة. هذا ما ينقص الرياضة في لبنان، التي تعاني أصلاً.
الكلفة على المغتربين أقل منها على الجماهير داخل لبنان


في حسبة صغيرة يظهر أن المشجع سيدفع مبلغ 9 دولارات مقابل مشاهدة مباريات كرة السلّة، بالإضافة إلى ثمن تجديد الخط شهريّاً، ويضاف هذا الأمر إلى بدل تجديد الخط والإنترنت الذي يدفعه هذا المشجع لهاتفه الخاص، وهنا لا يمكن التغاضي عن أن تكلفة الإنترنت وبدلات الهاتف في لبنان هي من الأعلى عالميّاً. كل هذه الأعباء تضاف إلى أنّ هذا المشجع نفسه، يدفع بدل اشتراك تلفزيوني في منزله لمشاهدة المباريات العالميّة (يصل إلى 15 دولاراً في الشهر على الأقل)، ولكن يبقى الفارق أن هناك يحصل المشجع على باقة كاملة من كرة القدم إلى السلّة وكرة المضرب وغيرها من الرياضات والبرامج العامة والترفيهيّة والإخباريّة، أمّا هنا فلا يحصل إلّا على مباريات كرة السلّة المحليّة، وغالباً لا يكون مهتماً سوى بمباراة أو مباراتين على أبعد تقدير في الأسبوع، دون نسيان أنّ هناك فترات للتوقف الدولي، لا يستفيد منها المشجع بالشيء الكثير. النظام الجديد ربما هو خيار الضرورة: التحديث. لكن أي تحديث؟ وكيف؟ وعلى حساب من؟ في الأساس، يجب العودة إلى أسعار فواتير الهاتف في لبنان. ورياضياً، وبحسب العديد من المراقبين ستكون لهذا القرار ارتدادات سلبيّة على كرة السلّة التي بدأت تفقد جمهورها.
الأهم، بالنسبة لاتحاد كرة السلة الجديد، كما «لمّح» في أكثر من مناسبة، هو المغتربون. ذات مرة اقترح الرئيس أن تقام الجولتان النهائيّتان في إحدى دول الخليج أو أميركا الجنوبيّة (لا نعرف لماذا لا يحدث هذا في أفريقيا مثلاً، رغم أن هناك جالية لبنانية أيضاً). في أي حال، وفي مسألة «تطبيق ألفا» يبدو المغتربون أصحاب الأفضليّة على المشجّع المحلي، إذ سيستفيدون من التطبيق دون أن يكون لديهم خط هاتف ألفا، على اعتبار أن سعر الإنترنت في الخارج أقل بكثير من لبنان، وتالياً يمكنهم مشاهدة المباريات إذا أرادوا بكلفة أقّل. رغم أنهم في السابق كانوا يشاهدونها عبر التلفزيون، من دون أن يتحمّلوا تكاليف إضافيّة من الإنترنت، اليوم سيشاهدونها عبر الهاتف. وبالفعل، التطبيق دخل حيّز التنفيذ، وفئة كبيرة من المشجعين قاطعت، لاعتبارات عدّة، يأتي في مقدمها الكلفة الماليّة العالية، فالمشجع غير القادر على الحضور في الملعب لأن سعر البطاقة يتراوح بين 10 و25 ألف ليرة للمقعد العادي، لن يكون قادراً على دفع فاتورة خاصة لكرة السلّة شهريّاً، تضاف إلى فواتيره الأخرى. الأغنياء، والذين يحبّون التصرف كأغنياء، ليس لديهم مشكلة. ثمة من يريد أن تكون كرة السلّة لفئة محددة فقط، وهذا ليس جديداً. بنية كرة السلّة منذ أكثر من 15 عاماً كانت كذلك، بعكس كرة القدم التي أرادها البعض للفقراء. ولكن، أي حسابات هذه وأي رياضة!