• لا نسعى للمنافسة على اللقب• الكرة اللبنانية تفتقر إلى البنى التحتية والاهتمام بالفئات العمرية
• اللاعب اللبناني أصبح محترفاً ولكن!


قبل 19 عاماً غادر عبد الوهاب أبو الهيل العراق قادماً إلى لبنان. من نادي «الطلبة»، جاء ليلعب في صفوف الإخاء الأهلي عاليه. مرّت السنوات الـ19، وعاد أبو الهيل من النادي عينه إلى عاليه، هناك حيث كانت تجربته الأولى لاعباً خارج بلاده؛ هذه المرة، مدرباً. للمصادفة أن في الموسم الثاني الذي لعبه في لبنان، أنهى الإخاء الدوري في المركز الرابع، وهو المركز عينه الذي حلّ فيه في ثاني موسمٍ لأبو الهيل مدرباً للفريق الجبلي. من «مدرب طوارئ» إلى ركيزة أساسيةٍ في النادي، يروي اللاعب السابق الذي سجّل أول أهدافه الدوليّة في شباك لبنان، كيف صعد بالإخاء «المقاتل على البقاء في الدرجة الأولى»، إلى ندٍّ صعب للفرق المنافسة على اللقب. يتحدّث عن مشكلات الكرة اللبنانية ويُقارنها مع نظيرتها في العراق، شارحاً أسباب هجر اللاعبين العراقيين لملاعب لبنان.

في شتاء 2017 تعاقدت إدارة الإخاء الأهلي عاليه مع المدرب عبد الوهاب أبو الهيل، لإنقاذ الفريق من خطر الهبوط، والعودة مجدداً إلى مصاف الدرجة الثانية. كان العراقي ثالث خيارات الإدارة في ذلك الموسم، بعد السوري حسين عفش والفلسطيني إسماعيل قرطام. كلاهما جمعا 11 نقطة من 11 مباراة. في مرحلة الإياب ظفر الفريق الجبلي بـ18 نقطة ضامناً مركزاً له في الدرجة الأولى. لو خسر الإخاء أمام شباب الساحل في المباراة الأخيرة من الدوري، ربما لم يكن المدرب العراقي ليبقى في منصبه، لأن الدرجة الثانية كانت بانتظاره. يعود أبو الهيل إلى التاريخ الذي تسلم فيه تدريب الإخاء، «أذكر أن الفريق كان محطّماً معنوياً، وأولى المهام كانت إخراج اللاعبين من الجو السلبي الذي كانوا يعيشونه». كيف لا، والإخاء العائد إلى الدرجة الأولى لا يزال في المراكز المتأخّرة، وهو متخوّف من الهبوط مجدداً. «بعدها جاء الدور التكتيكي. اللاعبون كان لديهم الطموح أيضاً للمنافسة على البقاء، هم يمتازون بهذه الروحية». لم يهبط الفريق، وبدأ العمل على سد الثغرات. في سوق الانتقالات تعاقدت إدارة النادي مع عددٍ من اللاعبين الشباب، ومهاجمين عراقيين من الدرجة الثانية، بالإضافة إلى مدافعٍ مغربي. غابت الأسماء الكبيرة كحال الموسم الذي سبقه، لكن الأداء كان أفضل. الفريق أنهى الموسم في المركز الرابع ووصل إلى نصف نهائي مسابقة كأس لبنان. يُشير أبو الهيل إلى أن احتلال الفريق أحد المراكز الأربعة الأولى لم يكن من ضمن أهدافه، على عكس خطّة الموسم المقبل، إذ يعترف أنه لا يسعى للمنافسة على اللقب. فاللقب، «يحتاج للمال»، وحتى الأندية التي تؤمّن ميزانية أكبر من نظيرتها في النادي الجبلي، لا تتمكّن غالباً من الظفر بلقب البطولة. يقول المدرّب العراقي «نحن ننافس على مركزٍ بين أندية النخبة. لقب الدوري يبدو بعيداً، فإمكانياتنا المادية ليست كتلك المؤمّنة في الأنصار والعهد والنجمة. ببساطة، حتى تكون البطل يجب أن يكون وضعك المادي مرتاحاً». ما تقدّم لا يعني أن المدرب العراقي مستسلم للواقع، فهو يؤكد أن الإخاء رغم كل شيء مطالب بتقديم الأفضل في الموسم المقبل، فالإدارة ضمّت ثمانية لاعبين جُدد، وحافظت على نجوم الفريق، أبرزهم الكابتن أحمد عطوي، الذي كان قريباً من الانتقال إلى الأنصار. صفقةٌ لم تنجح، «الحمد لله»، يقول أبو الهيل، بسبب تراجع «الأخضر» عن دفع المبلغ المطلوب. «الأنصار قدّم عرضاً جيّداً يستفيد منه عطوي والنادي. نحن لم نكن نريد أن نستغني عنه. هو كابتن الفريق ووجوده مهّم، لكن تفهّمنا الأمر لما فيه من مصلحة للطرفين»، إلا أنّ المفاوضات لم تَصل إلى خواتيمها السعيدة. هكذا بقي عطوي ضمن صفوف الفريق، ولم تستغنِ الإدارة عن أيٍّ من المدافعين الذين يريدهم الجهاز الفني، بل ضمّت الظهيرين شادي سكاف ومحمد القرحاني، إلى جانب ستة لاعبين آخرين في جميع الخطوط. رغم ذلك، يبقى أبو الهيل واقعياً بالنسبة إلى المنافسة على الألقاب المحليّة، حتى في كأس لبنان. يستذكر نصف النهائي الذي جمع فريقه مع العهد، حامل اللقب، في الموسم الماضي. كان الفريق الجبلي متقدّماً بهدفين دون رد، لكنه خسر بثلاثة أهداف. «احتياطيو الفريق المنافس قلبوا النتيجة. ما الذي كُنت أملكه على مقعد الاحتياط؟». يقارن بين اللاعبين في فريقه وبين الموجودين ضمن صفوف العهد. «لهذا نسعى للتعاقد مع عددٍ من اللاعبين لسد الثغرات. أجانبنا هذا الموسم أفضل من الذين سبقوهم. الشباب باتوا أكثر خبرة، وجميع اللاعبين الذين انضموا إلى الفريق يُمكننا الاستفادة منهم».

البنى التحتية والفئات العمرية
لم يكن أبو الهيل النجم العراقي الوحيد الذي لعب في لبنان. علي كاظم، محمود مجيد، صاحب عباس، صالح سدير وغيرهم نشطوا في الملاعب اللبنانية، التي كانت محطّة مهمّة لهم للانتقال إلى دوريات أقوى. اليوم، لم يعد الدوري اللبناني يستقطب النجوم العراقيين، بل باتوا يفضّلون البقاء في بلادهم حيث الاحتراف. يشرح المدرب العراقي الذي لعب لفرق إماراتية وإيرانية بعد الإخاء في تلك الفترة، أن سبب ابتعاد مواطنيه عن لبنان لم يأتِ بسبب تدنّي المستوى في الدوري اللبناني فحسب، بل لأن الأندية العراقية باتت تدفع المبالغ المادية الكبيرة التي كانت متوفّرة خارج العراق في السابق. «الموضوع لا يرتبط بلبنان فقط. العراقيون لم تعد تغريهم دوريات المنطقة، فالاحتراف موجود في الدوري المحلّي، والأندية أصبحت تدفع للاعب أكثر مما يناله خارج البلاد. قلّة هم الذين يلعبون مع فرقٍ غير عراقية».

في الواقع، لاعبان فقط يلعبان مع فريقين غير عراقيين شاركا في المباراة الوديّة الأخيرة للمنتخب العراقي أمام نظيره الفلسطيني. هذا، إلى جانب افتقار لبنان إلى البنى التحتية الرياضية «العامل الأهم في تطوّر اللعبة». الفارق بين البلدين يبدو كبيراً. يكفي الإشارة إلى أن كلفة تشييد ملعب كربلاء الدولي، الذي خاض عليه العهد مباراتين خلال مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي الأخيرة، بلغت نحو 100 مليون دولار، أي نحو عشرة أضعاف ميزانية وزارة الشباب والرياضة اللبنانية! برأي أبو الهيل، عاملان أساسيان يُساهمان بتطوّر اللعبة في أي بلد، وكلاهما غائب في لبنان: البنى التحتيّة، والاهتمام بالفئات العمرية. «المواهب الكرويّة موجودة في لبنان، لكن لا أحد يُبدي اهتماماً بها. هؤلاء بإمكانهم تمثيل لبنان رياضياً بشكلٍ جيّد في المستقبل لكن المشكلة تَكمن في غياب الاهتمام». يسرد المدرب أسماء النجوم اللبنانيين السابقين كموسى حجيج وجمال طه ورضا عنتر، ويُكمل نحو الموجودين حالياً مع منتخب لبنان. حسن معتوق، علي حمام، محمد حيدر، حسن شعيتو، نور منصور، محمد زين طحان، هيثم فاعور، ربيع عطايا وغيرهم، «كلّهم على أعتاب الثلاثين من العمر، أو باتوا فوق الثلاثين. سيخدمون المنتخب لسنوات قليلة مقبلة». يسأل: «من سيخلفهم؟» سؤال مشروع لمدرّب يعرف الكرة اللبنانيّة جيّداً.
على الرغم من هذه السلبيات المحيطة بكرة القدم اللبنانية، إلا أن أبو الهيل يعتبر أن الحال بالنسبة إلى اللاعب بات أفضل من السابق. لكن إذا كانت اللعبة سابقاً تستقطب نجوم العرب وتحظى بدعمٍ ماديّ وجماهيري كبير، فكيف أصبحت أفضل؟ يُجيب أن اللعبة تتمحور حول اللاعب بالدرجة الأولى. هو الأهم. «أذكر أن اللاعبين اللبنانيين كانوا هواةً في السابق. عقودهم لم تكن محترفة، وكانت اللعبة مصدر رزق ثانوياً بعد العمل الأساسي. باتوا اليوم يهتمون باللعبة أكثر». يُشير إلى أن في نادي الإخاء لاعبَين فقط يعملان خارج المجال الرياضي، وأن الرواتب كافية لإعالة أسرة، لكنّه يعود إلى قبل 20 عاماً، «حين كانت المبالغ المدفوعة للاعبين الأجانب في لبنان قريبة من الخليج»، ذلك كان سبباً رئيسياً لاستقطاب نجوم المنطقة.

المدرب اللبناني يحتاج إلى الاجتهاد
خمسة مدربين أجانب يحضرون هذا الموسم في الدوري. قلّتهم ليس بسبب تفوّق المدربين اللبنانيين عليهم، بل بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمرّ فيها الأندية، إلا أن الفارق بين المدرب المحلّي ونظيره الأجنبي ليس كبيراً، حسب ما يقول أبو الهيل، الذي سيخوض موسمه الثالث في لبنان، فالمدرب العراقي كما الكثير من المدربين اللبنانيين، كان أحد نجوم الكرة في بلاده وانتقل إلى العمل في المجال التدريبي. يسرد أسماء المدربين الحاليين الذين عرفهم زملاء أو خصوماً في الملعب: موسى حجيج، جمال طه، جمال الحاج، رضا عنتر، باسم مرمر وغيرهم، «هؤلاء مدربون ممتازون عرّفوا المنطقة إلى كرة القدم اللبنانية. لا فارق بينهم وبين الأجانب في الدوري المحلّي. المهم أن يجتهدوا للوصول إلى مراتب أعلى». برأي أبو الهيل، بعض المدربين يهمهم الحصول على الراتب في نهاية الشهر، فيما غيرهم يتعب للارتقاء بالمستوى، «كما الطلاّب في الصف. أحدهم يسعى إلى النجاح وآخر يريد أن يبقى في صفّه».
من المدربين إلى اللاعبين، يذكر أسماء الذين يلعبون في المركز عينه الذي كان يشغله. يقول إن جميع لاعبي المنتخب الحاليين هم من بين الأفضل في المنطقة، رافضاً مقارنتهم بالجيل السابق، «لكل جيل زمانٍ وعقلية مختلفة». يعتبر أن للمنتخب اللبناني فرصة في الوصول إلى أدوارٍ متقدّمة، معترفاً أن الفارق في المواهب بين لبنان والعراق كبير، ففي بلده اهتمامٌ أكبر باللاعبين والرياضة، وللجمهور دورٌ كبير في ذلك.