من الصعب على أي نادٍ التخلي عن لاعب كعطايا أو شعيتو. فهما من أهم لاعبي الدوري اللبناني ومنتخب لبنان، ويحتاج قرار التخلي عن أحدهما إلى تفكير طويل وجرأة.لا شك أنها صفقة الموسم، لكن لصالح من الأنصار أم العهد؟
يوجد الناديان على طريق المطار. لا يكاد يفصل بينهما كيلومتران، وفي كل نادٍ كان هناك نقاش طويل حول الصفقة. إلى الجهة اليمنى من المطار حيث مقر الأنصار متصلاً مع مطعم «مانهاتن» المقر المفضل لمالكه رئيس النادي نبيل بدر، كان التخلي عن ربيع عطايا صعباً جداً. حتى اللحظة الأخيرة كان بدر متمكساً بلاعبه. في عزّ أزمته مع آل الحريري واقتراب خروجه من الأنصار، رن هاتف بدر، والمتصل هو رئيس نادي العهد تميم سليمان. الأخير قدّم عرضاً للحصول على خدمات عطايا لكن بدر رفض حينها. لم ييأس سليمان فهو وضع الحصول على اللاعب في رأس أولوياته، وبالتالي لا بد من سلوك طريقٍ آخر.
مع مرور الوقت بدأت فكرة التخلي عن عطايا ممكنة. أما المساعد الأكبر لهذه الفكرة فهو عطايا نفسه. تغيّر اللاعب. أصبح غير ملتزم، وهو أصلاً له طبعه الخاص. بدا غير متحمّس للعب والتمرين. يومٌ يأتي متأخراً، وآخر يغادر بعد مضي وقت قليل. أداؤه في كأس النخبة لم يكن كما هو متوقع منه. علاقته بالمدرب التشيكي فرانز ستراكا متوترة. جمهور الأنصار يلاحظ أن نجم الفريق لم يعد هو. كلها رسائل تلقاها المسؤولون في الأنصار مفاداها: أريد الرحيل.
انتقلت الأمور في الأنصار من مرحلة الرفض الى مرحلة التفكير في الصفقة. لا شك أن بدر لا يريد مالاً مقابل عطايا. فهو دفع الكثير كي يعيد اللاعب من إيران إلى الأنصار. الأنصار وبدر يريدان لاعبين في المقابل. أمرٌ يبدو سهلاً تأمينه من قبل رئيس نادي العهد تميم سليمان. فهو يملك خزّان لاعبين وقادر على منح الأنصار أكثر من لاعب. لكن هل يمكن التفكير بحسن شعيتو «موني».
وصلت الأمور إلى مرحلة الأسماء، ورست على «موني» وحنينة وبيطار. أسماء تبدو صادمة لدى المتابعين خصوصاً بالتخلي عن «موني» وبيطار (أمرٌ سيتم الحديث عنه لاحقاً في شق العهد).
بالنسبة إلى الأنصاريين بدت كأنها صفقة العمر لأسباب عديدة.
أولاً الحصول على ثلاثة لاعبين في ثلاثة مراكز هم بحاجة إليها: الدفاع مع حسن بيطار. ارتكاز الوسط مع غازي حنينة. الهجوم مع حسن شعتيو الذي كان هداف العهد في الموسم الماضي مع 13 هدفاً.
حصل الأنصار على 3 لاعبين يمكنه الاستفادة منهم لخمسة مواسم


ثانياً، «التخلّص» من ربيع عطايا ومزاجيته على أرض الملعب التي لا تتناسب مع فكرة أنه لاعب محترف. أضف إلى ذلك راحة البال وعدم اضطرار المسؤولين الأنصاريين إلى وضع اليد على القلب في بعض المباريات حين يكون أداء الكابتن ربيع «غير مفهوم» فنياً.
ثالثاً، راتب عطايا الكبير والذي يمكن استغلاله في دفع رواتب أكثر من لاعب في النادي. صحيح أن شعيتو كان له بعض الشروط من إدارة الأنصار، لكن مهما كان الثمن فاللاعب يستحق على أكثر من صعيد.
رابعاً، حصول الأنصار على ثلاثة لاعبين معدل أعمارهم 25 سنة (موني الوحيد المتقدم في السن) أي إنهم قادرون على خدمة النادي لخمس سنوات مقابل خسارة لاعب واحدٍ ناهز الثلاثين.
كل هذه الأمور جعلت الأنصاريين يحسمون الصفقة ليل الخميس ـ الجمعة ويوافقون على «صفقة التبادل» مع العهد. الاتفاق مع رئيس نادي العهد تميم سليمان كان بعملية تبادل «راس براس» وكل طرف يرضي لاعبيه مادياً. في المقلب الآخر من طريق المطار حيث مقر نادي العهد، كان نقاش من نوع آخر يجري هناك. ماذا يفعل تميم؟ هل يريد تكرار تجربة علي السعدي؟ كيف يتخلى عن ثلاثة لاعبين بينهم حسن شعيتو «موني» ويتعاقد مع ربيع عطايا المثير للجدل والذي يدور همسٌ كبير حوله؟
لا يبدو أحد في إدارة العهد مع الصفقة سوى الرئيس تميم سليمان. هو صاحب الفكرة وعراب مفاوضاتها والموقّع في نهايتها. لا أحد قادر على قبول الفكرة، وفي الوقت عينه لا أحد يريد «كسر» رغبة سليمان بالتعاقد مع اللاعب. نسأل أكثر من مسؤول عهداوي عن إيجابيات الصفقة على صعيد العهد فيكون الجواب موحداً: لا شيء.
نسأل الرئيس سليمان خلال مباراة في فريقه مع النجمة في نصف نهائي كأس النخبة عن تلك الإيجابيات وطريقة تفكيره حتى وصل إلى هذه الصفقة فيجيب: لا أستطيع الكلام. كل واحدٍ أدرى بمنزله.
نحاول أن نضع أنفسنا مكان تميم بمساعدة مقربين منه والدخول إلى عقله لمعرفة كيف فكّر لإتمام الصفقة. نستعرض الأسماء المشمولة في الصفقة.
غازي حنينة: علاقته سيئة بناديه العهد ولطالما كان اللاعب مهاجراً عبر سلسلة إعارات، وكثيرون يعلمون أنه لا يحب اللعب مع العهد.
حسن بيطار: مدافع ممتاز لكن لا مكان له في الفريق والدليل عدم الاستعانة به إلا بما ندر في كأس النخبة.
بقي «موني»: هدّاف وانضباط وأخلاق عالية. ولكن على الصعيد الآخر لم يتبقَّ من عقد اللاعب سوى موسم واحد وبالتالي سيكون لاعباً حراً ولا يستطيع العهد الاستفادة من انتقاله في حال قرر الرحيل.
قد تكون هذه الأسباب لعبت دوراً أساسياً عند رئيس النادي لإتمام الصفقة، دون نسيان رغبة عطايا في الخروج من الأنصار، لكن لا شك أن رئيس النادي سيكون تحت ضغط كبير إدارياً وجماهيرياً في حال لم يكن عطايا على مستوى الآمال المعقودة عليه، أو ربما يكسب الرهان خاصة وأن عطايا يريد إثبات نفسه من جديد وتوجيه رسالة للجميع، مفادها بأنه لا زال يمتلك الكثير ليقدمه، وذلك ممكن في نادٍ منظم كالعهد.



اللاعب الموهوب والمشاكس
قد يتساءل كثيرون عن سبب اعتراض إداريين في العهد على صفقة التبادل ومجيء ربيع عطايا إلى النادي. لكن قلة تعلم أن الكابتن ربيع لطالما كان لاعباً «مثيراً للجدل».
في حزيران من عام 2012 كان منتخب لبنان لكرة القدم سيشارك في كأس العرب في السعودية. وكان المدرب الألماني ثيو بوكير يقود المنتخب في فترته الذهبيّة. حينها كان التمرين الأخير على ملعب بيروت البلدي قبل السفر إلى السعودية صباحياً. توجّهت «الأخبار» إلى الملعب لإجراء مقابلة مع بوكير قبل السفر إلى السعودية. كان التمرين قائماً وربيع عطايا أحد المستدعين إلى المنتخب يجلس خارجاً.
سألنا مدير المنتخب فؤاد بلهوان حينها عن سبب جلوس عطايا خارجاً فأجاب: بوكير منعه من التدرّب لوصوله متأخراً. فالتمرين كان عند الساعة التاسعة وربيع وصل بعد ربع ساعة على بدايته.
يظنّ البعض أن الموضوع بسيط وسيتم حلّه بعد التمرين. تنتهي الحصة التدريبية ويأتي ربيع معتذراً معللاً تأخره بأنه صحا من النوم الساعة التاسعة الا ربعاً. يرفض بوكير تبريره ويطلب من بلهوان عدم استدعاء عطايا إلى السفر عصراً مع المنتخب. نسأل عن السبب خصوصاً أن القرار قاس وسيحرم اللاعب من فرصة المشاركة في البطولة وفي الوقت عينه سيخسر المنتخب جهوده.
يجيب بوكير: «عطايا يعيش قريباً من الملعب ويقول إنه نام حتى الساعة التاسعة إلا ربعاً ما يعني أنه لم يخلد إلى الفراش قبل الساعة الثانية صباحاً. لا أحتاج مثل هكذا لاعب في المنتخب». حادثة حصلت قبل ست سنوات. كبر عطايا ونضج واحترف في الخارج لكن بقيت الأقاويل تدور حوله. تلتقي بالكابتن ربيع على ملعب الأنصار في آخر تمرين للاعب قبل انتقاله إلى العهد. تسأله حول رغبته في ترك نادي الأنصار، فيجيب أنه مستاء من عدم الالتزام بالوعود التي قدموها، مقابل العودة إلى الأنصار. «هذا أثّر عليّ نفسياً وانعكس ذلك على أرض الملعب. ليس هناك مشكلة مع المدرب ستراكا وأنا أحبه. قد يكون لديه ملاحظات على أدائي وطريقة لعبي وهذا واجهته أيضاً في إيران حيث قمت بتغيير طريقة لعبي».
وهل ستفعل ذلك في لبنان؟
يضحك عطايا قائلاً: «أنت في لبنان واللاعبون الجيدون قلائل».
تمّت الصفقة وعطايا الآن في نادي العهد، النادي المعروف بانضباطيته الشديدة، مع وجود كوكبة من النجوم، وبالتالي هو أمام امتحان جديد سيكون مطالباً خلاله بتقديم كل ما يملك لإثبات نفسه رقماً صعباً في كرة القدم اللبنانيّة، ووضع حدّ لكل ما أشيع حوله في الفترة السابقة. فلننتظر ونرى.