لم يكن أكثر المتشائمين داخل نادي الحكمة - بيروت لكرة السلّة يتوقّع أن تصل الأمور داخل «القلعة الخضراء» إلى ما هي عليه اليوم من وضع ماليّ صعب وتخبّط إداري، جعل النادي على حافّة الإفلاس، حتّى أنّه عاجز عن دفع مستحقات لاعبيه الماليّة. رحل الداعمون والرعاة عن ملعب غزير، حتى أن مطرانيّة بيروت وهي الداعم الرئيسي للنادي على مدى السنوات يبدو أنها راضية بالواقع الحالي بحسب متابعين لواقع الفريق منذ سنوات. وليكتمل المشهد، خرج رئيس نادي الحكمة السابق نديم حكيم وأسس نادي بيروت، مصطحباً معه لاعبين وإداريين من غزير مخلّفاً حسرةً في قلوب بعض الحكماويين. بشير هيكل «باشو» القائد التاريخي لجمهور الحكمة رحل هو أيضاً وها هو اليوم يغازل هومنتمن، القصّة لم تنته هنا...كان الموسم الماضي واحداً من أسوأ المواسم على نادي الحكمة - بيروت منذ تسعينيات القرن الماضي في عالم كرة السلّة اللبنانيّة. بدأ الموسم بطموحات كبيرة وأحلام أكبر، ولكن قبل أيّام على انطلاق الموسم، تبخّر كل شيء، مصرف «SGBL» فسخ عقد الرعاية مع الحكمة، ووقّع عقد رعاية مع نادي هومنتمن. هنا اعتبر جمهور القلعة الخضراء أن «الصفعة» جاءت من الأشرفية، المعقل التاريخي لنادي الحكمة. رزح المدرب فؤاد أبو شقرا ولاعبيه وقبلهم الإدارة تحت وطأة أزمة ماديّة خانقة، لم تمكنهم من دفع مستحقات اللاعبين. في الموسم ذاته كان نادي المريميين الشانفيل يعيش طفرة ماليّة غير مسبوقة، قدّم الرئيس الجديد أكرم صفا دعماً غير مسبوق للنادي المتني، وفتح رئيس لجنة كرة السلة ابراهيم منسى الباب أمام أي لاعب يريده المدرب غسان سركيس، فكان التعاقد مع فادي الخطيب وأحمد ابراهيم وايلي رستم، كما تمّ تبديل أكثر من 6 لاعبين أجانب طيلة الموسم، ولكن كل هذا لم يساعد المتنيين على حمل لقب الدوري.
دخل النادي المتني بمفاوضات جديّة مع مدرب الحكمة فؤاد ابو شقرا(أرشيف)

كانت المفارقة أن الشانفيل «المتخم ماليّاً» خرج على يد الحكمة الذي يعاني على مختلف الصعد من الدور ربع النهائي. ساهمت سلسلة ربع النهائي بظهور نوع من الحساسية بين جمهوري الفريقين، فاعتبر الحكمة أن انتصاره على الشانفيل في هذه الظروف رسالة صريحة بأن المال ليس كل شيء، وإنما اللعب من أجل الشعار وتاريخ وقيمة الفريق، ولكن يبدو أن هذا وحده لا يكفي في عالم اليوم.
هكذا، خرج الشانفيل من الباب الضيّق، ولكنّه بحسب التحركات والمؤشرات يحاول العودة هذا الموسم بصورة جديدة، من أجل المنافسة على اللقب الغائب عن خزائن النادي منذ موسم 2012. دخل النادي المتني بمفاوضات جديّة مع مدرب الحكمة فؤاد ابو شقرا بحسب ما أكد أمين سر الشانفيل خالد مجاعص، فيما تحدّثت معلومات عن احتمال عودة غسان سركيس إلى نادي الحكمة، كما أن الشانفيل بات قريباً من ضم قائد نادي الحكمة نديم سعيد، وصانع الألعاب علي مزهر، وإذا ما تمّت هذه الصفقات يكون الشانفيل قد وجّه الضربة القاضية لنادي الحكمة، فيأخذ أبرز اللاعبين والمدرب المحنك، خاصة بعد ذهاب ميغيل مارتينيز إلى نادي بيروت، ويبقى للحكمة اللاعبين الناشئين، في ظل عدم قدرة النادي على التعاقد مع لاعبين أجانب بسبب العقوبات المفروضة عليه لعدم تسديده مستحقات لاعبين لبنانيين وأجانب.
الانتخابات النيابيّة لم تقرّب مرشحي دائرة بيروت الأولى «الأشرفيّة» من نادي الحكمة(أرشيف)

يبدو نادي الحكمة وحيداً اليوم، يصارع طواحين الهواء، يتلقى الطعنات من كل الجهات، من القريب قبل البعيد، من الصديق قبل الخصم، من الأخ بلغة اليوم قبل الغريب، ليعتبر البعض أن شعار «أوعا خيك» سقط مع «الهجمة» على الحكمة. يريد نادي الشانفيل المدعوم من النائب ابراهيم كنعان والقريب من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الحصول على لقب البطولة، وصنع هالة حول «نادي العهد» كما يصفه البعض همساً في الوسط السلّوي، فيما يبتعد الداعمون عن نادي الحكمة «القريب من القوات اللبنانيّة». فلا القوات تقدّم الدعم اللازم، ولا مطرانيّة بيروت تضع في حساباتها دفع الملايين لإعادة الأمجاد، حتى أن الانتخابات النيابيّة لم تقرّب مرشحي دائرة بيروت الأولى «الأشرفيّة» من نادي الحكمة لاستمالة أكبر جمهور كرة سلّة في لبنان.
ترتفع اليوم قاعة غزير على التلّة المشرفة على البحر لتشهد على أمجاد صنعها الحكمة لكرة السلّة اللبنانيّة من بطولة آسيا إلى العرب وبطولات كثيرة على المستوى المحلّي، بطولات رحلت مع رحيل شويري ورحيل الدعم السياسي، فالنادي متروك لقدره، لا أحد يريده كأنّه تركة ثقيلة، أو كأنّه مسحوب على جهة لا يريد أحد أن يكون شريكاً معها، فيتوجّه الدعم إلى مكان آخر وتبدأ المنافسة. بيروت خرج من رحم الحكمة وها هو ينافس على اللقب بدعم مالي سخي وبلاعبي الحكمة السابقين، والشانفيل اليوم يريد المنافسة على اللقب بلاعبي الحكمة، الجميع يأكل من صحن الحكمة، ولا أحد يعيطه يده لينتشله من أزماته، والشامتون كثر.