منذ الساعة الثامنة مساءً بدأت جماهير الرياضي بيروت وهومنتمن بيروت بالتوافد إلى مجمع نهاد نوفل في زوق مكايل، لمشاهدة نهائي كأس لبنان الذي انطلق عند الساعة العاشرة من ليل الأربعاء- الخميس. ليس في كل مرّة يمكن مشاهدة مباراة مع جمهورين على أرض الملعب، وهذا الأمر يعطي دافعاً للمشجعين للحضور وملئ المدرجات. نحو 5 آلاف متفرج غصّت بهم قاعة نهاد نوفل التي احتضنت بطولة آسيا قبل أشهر، والذي يحافظ على حلّته المميّزة. تشجيع وهتافات قبل بداية اللقاء وخلاله، كل شيء كان يوحي بأن عشاق اللعبة على موعد مع نهائي مميّز فنيّاً وجماهيريّاً. ثماني دقائق مرّت على انطلاق الربع الأوّل من اللقاء، وتغيّر كل شيء. مشجع من جماهير الرياضي يدخل إلى أرضيّة الملعب اعتراضاً على فتح مدرجات إضافيّة لجماهير هومنتمن، دقائق من «الهرج والمرج» لتعود وتستكمل المباراة بعد جهد من أعضاء الاتحاد والقوى الأمنيّة وإدارة النادي الرياضي. استكمل اللقاء، وبدأت معه الهتافات السياسية والدينيّة على المدرجات من قبل الجمهورين، وبعدها تطوّرت الأمور إلى تراشق بعبوات المياه. توزيع المشجعين على ضفتي الملعب ساهم إلى حد كبير بتجنّب الاحتكاك المباشر بين الجمهورين، أطلقت جماهير الرياضي بيروت الهتافات الدينيّة والسياسيّة وردّ جماهير هومنتمن برفع «بالونات التشجيع» على شكل «صلبان» ليأخذ التشجيع شكلاً سياسيّاً ودينيّاً على مدرجات رياضيّة، وهذا الأمر ليس جديداً على كرة السلّة، فكان يظهر دائماً خلال مبارايات الحكمة والرياضي في السنوات الماضية، وعاد ليظهر خلال مواجهات نادي المنارة وهومنتمن بيروت، ومن يعرف لبنان وواقعه السياسي والاجتماعي والرياضي يُدرك أنّ الأمر ليس غريباً، على رغم أنّه ليس صحيّاً بالمطلق. في نهائي الكأس ظهرت الأمور في شكل كبير نظراً لوجود جمهورين على أرض الملعب.حتى قبل نهاية المباراة بوقت قليل سجّل حصول إشكال واعتراضات من الجماهير وتراشق بعبوات المياه، لكن على رغم كل ما حصل وتوقف المباراة في بعض الأوقات، تمكّن أعضاء الاتحاد الذين تواجدوا قبل وقت في الملعب من إخراج المباراة إلى بر الأمان، بالتعاون مع القوى الأمنيّة وإدارتي الناديين. نجحت تجربة حضور جمهورين على أرض الملعب في مباراة نهائية على رغم كل ما حصل، وسيتم المراكمة عليها شرط اتخاذ إجراءات تنظيميّة أكثر صرامة، في المناسبات اللاحقة، داخل الملعب وخارجه، لأن ما حصل داخل الملعب استمر خارجه، وحصل اعتداء على سيارة النقل المباشر التابعة للقناة الناقلة أدّت إلى توقف البث في نهاية المباراة لبعض الوقت.
فنيّاً قدّم لاعبو الفريقين أداء كبيراً خصوصاً على مستوى الهجوم وانتهى اللقاء في اللحظات الأخيرة لمصلحة هومنتمن بنتيجة 77 ــ 70، وربما كان الأداء أفضل وأعلى لو أن الصخب والمشكلات الجماهيريّة كانت أقل، على اعتبار أن ما حصل لم يخدم اللاعبين كثيراً بقدر ما شكّل ضغطاً عليهم. وكان لافتاً خلال احتفال لاعبي وإدارة هومنتمن بلقب البطولة رفع العلم الأرميني وغياب العلم اللبناني بحسب الصور التي وزّعت، وهو ما لاقى اعتراضات كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أوساط سلّويّة.
انتهى اللقاء ولكن كل أحداثه الرياضيّة والجماهيريّة والسياسية أيضاً ستنتقل إلى نهائي البطولة الذي ستنطلق مبارياته بعد الانتخابات النيابيّة. والمختلف في السلسلة النهائية للبطولة عن نهائي الكأس أن المباريات ستكون بجمهور واحد فقط، وليس جمهورين. ففي قاعة صائب سلام في المنارة ستحضر جماهير الرياضي بيروت، وفي ملعب مزهر تحضر جماهير هومنتمن بيروت. والأكيد أن السلسلة ستشهد حالة جماهيريّة كبيرة، خصوصاً بين الإشكالات التي حصلت بين الناديين خلال مواجهاتهما في الدوري المنتظم من البطولة، والتي ستضاف إليها أحداث نهائي الكأس. وبحسب مراقبين ومتابعين للعبة، فإنّ الضغط الجماهيري للناديين على لاعبي الفريق الآخر سواء في المنارة أو في مزهر، والهتافات والشعارات التي تُطلق لن تؤثر في سير البطولة، على اعتبار أن اتحاد اللعبة وإدارة الناديين اتخذوا قراراً حاسماً بضرورة إنهاء البطولة على أرض الملعب، وأن تُستكمل السلسلة الممتدة على 7 مواجهات، وسط محاولات ضبط الجمهور وإبقاء الأمور في إطارها الرياضي. وفي هذا الإطار تقول مصادر سلّويّة إن الاتحاد يريد تصحيح بعض الأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الماضية، وإنهاء البطولة على أرض الملعب، وقد قام بتحضيرات كبيرة لنهائي البطولة، كما أنّ إدارة هومنتمن، خصوصاً رئيس لجنة كرة السلّة في النادي غي مانوكيان غيّر كثيراً أسلوبه في التعاطي مع المناسبات الرياضيّة الكبيرة، وهذا ما ظهر في نصف نهائي البطولة خلال مواجهات هومنتمن والحكمة، إضافة إلى مواجهة نهائي كأس لبنان. ومن جهة الرياضي فإنّ الإدارة الجديدة برئاسة مازن طبارة تتحدّث باستمرار عن ضرورة أن تستكمل البطولة ويكون كل شيء إيجابياً «والأفضل يفوز».
صورة كرة السلّة اللبنانيّة ليست مثاليّة، فالسياسة والطائفية حاضرتان ثابتتان على المدرجات، خصوصاً في الموسمين الماضين بين هومنتمن والرياضي، فالشتائم السياسية والدينيّة حاضرة، واستحضار المجازر الأرمنيّة يتم باستمرار. سلسلة النهائي ستشهد صخباً وتراشقاً كلامياً، وضغطاً هائلاً على لاعبي الفريقين، على لاعبي الرياضي في مزهر، ولاعبي هومنتمن في المنارة.
السلسلة تنطلق الأسبوع المقبل، وهي سلسلة غير عادية إذ إنها تجمع هومنتن «بطل العرب» والرياضي «بطل آسيا»، وفي ذات الوقت تجمع بين حامل لقب الموسم الماضي الرياضي ووصيفه هومنتمن. أبناء المدرب أحمد فرّان يريدون الاحتفاظ بلقب البطولة، فيما هومنتمن في الذكرى المئوية لتأسيسه يريد تحقيق الثلاثية بعد فوزه ببطولة العرب وبكأس لبنان. الرياضي بيروت يمتلك الخبرة والتاريخ الكبير والأسلحة المناسبة للظفر باللقب وإبقائه في المنارة، وهومنتمن يمتلك العزيمة والمستوى الفنّي العالي. السلسلة تنطلق الأسبوع المقبل والجماهير ستكون على موعد مع نهائي على أعلى المستويات فنيّاً، وصراع جماهيري بدأت فصوله في نهائي الكأس.