تقدّم المنتخبات العربية أداء جيّداً في كأس أمم أفريقيا (مصر 2019) الحالية. منتخبات الجزائر ومصر والمغرب تأهّلت إلى الدور الثاني على رؤوس مجموعاتها، لتؤكد على التطور الحاصل في السنوات الأخيرة للكرة العربية خصوصاً، والأفريقية عموماً. اللافت في البطولة الحالية هو اللاعبون العرب المميّزون الذين يمثلون منتخبات بلادهم الأم، على الرغم من أنهم محترفون في أبرز الدوريات الأوروبية، وكانت الفرصة موجودة لهم لكي يرتدوا قمصان المنتخبات الأوروبية وفي مقدّمتها فرنسا وإسبانيا.على مدى عشرات السنوات عانت دول شمال أفريقيا من ويلات الاستعمار، خاصة أبناء الجزائر والمغرب، وهذا ما دفعهم إلى التمسك أكثر بهويتهم الوطنيّة والقوميّة. ما خلفه الاستعمار في تلك الدول بقي طويلاً، فهو نهب خيراتها وحاول تفقير شعوبها لإبقائها خاضعة. على مدى السنوات أيضاً هاجر أبناء تلك الدول إلى أوروبا، وباتوا اليوم جالية كبيرة مندمجة بصورة واضحة هناك، رغم أنهم يتعرضون لعنصرية تلك الدول في الكثير من الأحيان. ما حاول الاستعمار أن يلعب على وتره أيضاً، هو خلق الخلافات بين دول وشعوب شمال أفريقيا نفسها، ولكنه لم ينجح بالصورة التي كان يتمناها ويريدها، فهذه الدول والشعوب واجهت الاستعمار وأفكاره وانتصرت عليه، والجزائر اليوم تعيش ظروفاً استثنائية، يطالب خلالها الشعب بالخروج نهائياً من مرحلة التبعية أو الوصاية الفرنسية.
عبث الاستعمار بتلك الدول ونهب ثرواتها ما دفع أبناءها إلى الهجرة، ولكنهم لم يتخلّوا عن الجذور، بل على العكس، برز العديد من المشاهد والصور التي تؤكد أن الجاليات العربية هناك منسجمة وتدعم بعضها البعض. فبعد الهجرة إلى فرنسا أو إسبانيا أو غيرها من الدول الأوروبية، باتت هناك علاقات قرابة بين الجزائريين والمغاربة وغيرهم من أهل دول المغرب العربي، وخرج من هذه الجاليات أيضاً لاعبو كرة قدم مميّزون، بينهم من كان يملك فرصة تمثيل بلده الأوروبي الجديد، ولكنهم رفضوا، وفضّلوا تمثيل منتخبات بلدانهم الأصلية. في بطولة كأس أمم أفريقيا الحالية، لاعبون عرب، يحملون جنسيات فرنسية، رغم ذلك، لا يزالون متمسكين بجنسيتهم الأصلية. رياض محرز، من أم جزائرية وأب مغربي وهو اختار تمثيل الجزائر، المهدي بن عطية من أب مغربي وأم جزائرية، وهو يمثل المغرب. وهناك أيضاً اسماعيل بن ناصر، الذي يمثّل منتخب الجزائر وهو من أب مغربي وأم جزائرية. عائلات عربية في فرنسا وإسبانيا، أنجبت أولادها في دول أوروبية، لكن يبقى الأصل هو الأصل، لا يمكن تغييره مهما علا شأن هذه الدول الأوروبية.
خلال السنوات العشر الماضية، يمكن الجزم، بأنّ لاعبي كرة القدم العرب، قد تركوا بصمتهم في كرة القدم الأوروبية، وأكبر دليل على ذلك، المنافسة الكبيرة التي يدخلون بها مع لاعبين آخرين. تجربة لاعب ليفربول المصري محمد صلاح تثبت هذه الوقائع، حاله من حال رياض محرز النجم الجزائري ولاعب مانشستر سيتي الإنكليزي، حكيم زيّاش المغربي، وهو لاعب أياكس أمستردام، وغيرهم الكثير. جميعهم لاعبون عرب، من أصول عربية خالصة، أثبتوا للعالم أن بإمكانهم تحدّي اللاعبين الأوروبيين، رغم الصورة أو الدعاية التي يروّج لها الأوروبيون، على أن اللاعبين الأفارقة والعرب وحتى اللاتينيين هم أقل من اللاعب الأوروبي. لهذا الأمر أمثلة كثيرة، أبرزها تصريح عنصري للنجم الهولندي السابق وصاحب الكرات الذهبية الثلاث، ماركو فان باستن، الذي وجهه لحكيم زيّاش، نجم أياكس أمستردام الحالي، حين وصفه بالـ«غبي»، لعدم تمثيله المنتخب الهولندي على حساب منتخب بلده الأم، المغرب. حكيم، لم يرد على فان باستن كلامياً، بل إن ردّه جاء قوياً وواضحاً للجميع. تأهّلت المغرب لنهائيات كأس العالم الأخير في روسيا (2018)، وفي الوقت عينه، لم ينجح المنتخب الهولندي في بلوغ العرس الكروي الأكبر في تاريخ الكرة.
يقدم اللاعبون العرب اليوم أداء جيداً مع منتخباتهم في كأس أمم أفريقيا، وهو الأمر الذي يمكن أن يتوج منتخباً عربياً بطلاً للقارة، وتكون هذه نتيجة عادلة لمنتخبات ولاعبين اجتهدوا كثيراً، وهم يستحقّون الذهب.