للمرة الأولى في تاريخه، حقق المنتخب القطري لقب بطل آسيا لكرة القدم. بالعلامة الكاملة تربع المنتخب القطري على عرش آسيا كروياً، بعد أن حقق سبعة انتصارات في سبع مباريات خاضها منذ دور المجموعات وحتى المباراة النهائية، بينها (6ـ0) على كوريا الشمالية، و(4ـ0) على الإمارات. قطر تجاوزت كوريا الجنوبية والإمارات، وفي النهائي فازت على اليابان بثلاثة أهداف لهدف على أرض ملعب مدينة زايد الرياضية، لتحصد بذلك اللقب بعد أداء ونتائج مقنعة.هكذا، تربّع المنتخب القطري على عرش قارة آسيا بعد أن توّج بلقب كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه على حساب أحد أهم المنتخبات الآسيوية وأبرزها، المنتخب الياباني. تغلّب المنتخب القطري «العنّابي» على «الساموراي» الياباني بثلاثة أهداف لهدف، في المباراة النهائية للبطولة الآسيوية التي أقيمت في الإمارات. ما حققه المنتخب القطري ومدربه الإسباني فليكس سانشيز، لم يأتِ صدفةً، بل إنه نتاج سنوات من العمل والجهد على منتخب، قدّم نفسه بصورة مفاجئة ومميّزة في الوقت عينه. أكاديمية «آسباير»، الأكاديمية التي كان المدرب سانشيز جزءاً من طاقمها التدريبي، ها هي اليوم تنتج مجموعة من اللاعبين، كتبوا التاريخ لدولة قطر في كرة القدم، وحققوا المستحيل، الذي لم يعد مستحيلاً بعد أن رفع حسن الهيدوس الكأس الغالية في الإمارات. يتكلّم البعض عن لاعبين جُنِّسوا، إلّا أن لاعباً كهدّاف البطولة وصاحب الرقم القياسي (9 أهداف في نسخة واحدة) وأفضل لاعب في البطولة المعز علي، صاحب الأصول السودانية، هو من بين اللاعبين الشباب، الذين كانو حاضرين في أكاديمية «آسباير». الأمر عينه بالنسبة إلى أكرم عفيف، الذي كان بدوره قد خاض تجربة مع نادي فياريال الإسباني، وكان من بين أفضل لاعبي البطولة بدوره أيضاً، حيث صنع 10 أهداف، ما أهّله ليكون أفضل صانع ألعاب في آسيا. الجدير بالذكر أن المنتخب القطري تلقّى هدفاً واحداً فقط خلال البطولة (أي خلال 7 مباريات)، وكان الهدف الياباني في المباراة النهائية. إذاً، كلها إحصائيات، تجعل المتابعين والمنتقدين يعلمون ويرسمون هويّة منتخب بطل حقق «المعجزة» التي لم يكن لأحد أن يتوقّعها. اللافت في أداء المنتخب «العنابي» في البطولة، ارتفاع مستوى الأداء مع التقدّم في الأدوار. فمن تابع كأس الأمم الآسيوية، يلاحظ أن مستوى المنتخب القطري قد تطوّر من دور المجموعات، وصولاً إلى المباراة النهائية. فلم يقدم المنتخب القطري الأداء المميز أمام منتخب لبنان، إلّا أن حرارة المباريات، والإصرار الكبير، جعلا من منتخب قطر أحد أبرز المرشحين للفوز باللقب، والنتائج الكبيرة تثبت ذلك.
تلقت شباك منتخب قطر هدفاً واحداً في البطولة القاريّة التي لعبت خلالها 7 مباريات


وفي الحديث عن المباراة النهائية، جاءت بداية اللقاء حذرة من الجانب القطري، في الوقت الذي أحكم فيه لاعبو المنتخب الياباني سيطرتهم على وسط الملعب، باحثين عن هدف مبكر يربكون به حسابات المدرب فيلكس. ومع حلول الدقيقة 12، تمكّن أفضل لاعب في البطولة، المعز علي من افتتاح التسجيل للمنتخب القطري، بعد أن سجّل واحداً من أجمل أهداف المسابقة الآسيوية، إثر «مزدوجة خلفيّة». وفي الوقت الذي بحث فيه اليابانيون عن التعادل، أضاف المنتخب القطري الهدف الثاني في الدقيقة 27 من طريق عبد العزيز حاتم، بتسديدة دقيقة من خارج منطقة الجزاء سكنت على يمين الحارس الياباني. هنا، أحسّ لاعبو المنتخب الياباني بأن المنتخب الذي أمامهم لم يكن يحالفه الحظ، بل إن الأداء المميّز هو جرّاء العمل الدؤوب، والتنظيم العالي الذي خلقه المدرب، الذي كان كالمربي لهؤلاء اللاعبين (المدرب فليكس كان مع مجموعة من اللاعبين منذ أكثر من 7 سنوات في الأكاديمية). فشلت بعدها جميع المحاولات اليابانية في تقليص النتيجة، ليخرج المنتخب القطري من شوط المباراة الأول متقدماً بثنائية نظيفة.
في الشوط الثاني، ازداد الضغط الياباني، حيث كانت نسبة السيطرة على الكرة لمصلحة اليابانيين. استمرت المحاولات الواحدة تلو الأخرى على مرمى القطريين، إلّا أنها لم ترتقِ لتشكل خطراً على المرمى. هجوم مستمر لليابان، قابله تأمين دفاعي من جانب المنتخب القطري مع الاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة. هجمات، وصل من خلالها القطريون أكثر من مرّة لمناطق أبناء «كوراساوا». الأخير، لو كان لا يزال على قيد الحياة، لأخرج نهاية أفضل بكثير من التي لاقاها أبناء بلده، إلّا أن النهاية كانت «سوداوية»، كما هي أفلام «كوراساوا» المتشائم دائماً.
جاءت الدقيقة 69 لتشهد معها الهدف الأول لليابان عبر تاكومي مينامينو عندما تلقّى كرة بينية داخل منطقة الجزاء، وضعها من فوق الحارس في الشباك. بعد الهدف الياباني، ازدادت الإثارة في المباراة، ففي الوقت الذي بحث فيه لاعبو اليابان عن التعادل، كثّف لاعبو المنتخب القطري من هجماتهم، في محاولة لتسجيل الهدف الثالث وإنهاء المباراة. ومع حلول الدقيقة 82، كان للقطريين ما أرادوا، حيث احتسب حكم اللقاء ضربة جزاء لقطر بعد اللجوء إلى تقنية الفيديو «VAR» بسبب لمسة يد على المدافع الياباني وقائد المنتخب مايا يوشيدا. تقدّم أكرم عفيف لتسديد ركلة الجزاء، وتقدّمت معه عيون المشجعين القطريين، مترقبين هدفاً سينهي الأمور ويحسم المباراة. سجّل عفيف ركلة الجزاء بكل «برودة دم»، معلناً الهدف الثالث لتضيع معها الأحلام اليابانية في التعادل.

الجمهوران الإيراني والعماني ساندا قطر في ظل غياب جمهورها (أ ف ب )

نهاية البطولة كانت متوقّعة، نظراً لما قدّمه «المشروع القطري» خلالها، إلّا أن ما هو غير متوقع، هو الأداء عينه الذي قدّمه القطريون. ومن كانت له العين الثاقبة، غير النجم الإسباني ونجم برشلونة السابق تشافي هيرنانديز، الذي أصبح نصف قطري في السنوات الأخيرة، حيث توقّع مباراة نهائية أمام اليابان، وفوز المنتخب القطري. وبهذه النتيجة وهذا الأداء، لا شك في أن الكرة القطرية تكون قد نجحت في الاختبار الآسيوي بالعلامة الكاملة، الذي يُعَدّ مقدمة لمشروع المنتخب في كأس العالم المقبل الذي تستضيفه على أرضها في 2022.
وكان لافتاً خلال اللقاء غياب الجماهير القطرية، بسبب الأزمة الخليجية المستمرة بين قطر من جهة، والإمارات والسعودية من جهة ثانية. فكما جرت العادة خلال مباريات البطولة، كانت هناك مجموعة من الجماهير العمانية التي ساندت قطر في النهائي، كذلك حضر عدد من الجماهير الإيرانية، الذين ساندوا المنتخب القطري في النهائي أيضاً. والأكيد أيضاً أن الجماهير الإماراتية والسعودية لم تكن سعيدة بأن القطريين حملوا كأس آسيا على الأراضي الإماراتية، والدليل ما حدث خلال مباراة نصف النهائي، بين قطر والإمارات.