لطالما كان المنتخب الإيراني من أبرز المرشحين للفوز ببطولة كأس الأمم الآسيوية، نظراً الى العقلية الإيرانية والنظام المتقن الذي يتّبعه اللاعبون والمدربون. ويعتبر المنتخب الإيراني في نسخة 2019 من البطولة أبرز المرشحين للظفر باللقب، بسبب النتائج الكبيرة التي قدمها في الأدوار الأولى. شغف الإيرانيين بكرة القدم، لا يشبه أي شغف في أي دولة أسيوية. بل وأكثر من ذلك، الشعب الإيراني يحب كرة القدم، ويتنفسها، كغيره من الشعوب الأوروبية التي نتابعها كل يوم عبر شاشات التلفزيون، وتحديداً عبر قنوات «عربية» تنقل لنا دوريات هذه الدول الأوروبية.خلال إحدى مباريات تصفيات كأس العالم الأخيرة في روسيا، احتشد الإيرانيون في ملعب أزادي لمشاهدة منتخب بلادهم «المحبوب»، والذي بنظرهم وقناعاتهم يستطيع التفوق على الجميع. وقتها، تجاوز الحضور في المباراة التي تغلبوا فيها على المنتخب الصيني بنتيجة (1-0)، مئة ألف مشجّع (رقم يعادل ما يتسعه ملعب الكامب نو الخاص بنادي برشلونة، أكبر ملعب كرة قدم في أوروبا). لمن شاهد المباراة، يلاحظ أن هناك بعض المشجعين يجلسون على الجدران المحيطة بالملعب، وآخرون حملوا أنفسهم ليصلوا إلى «أعمدة الضوء» الخاصة بالملعب، ومنهم من يتسلّق اللوحات المعلّقة على رأس الملعب والتي تحمل صور المرشد الأعلى الإمام الخامنئي، والإمام الخميني. لطالما تحدثّ الكثيرون عن أن الكرة الآسيوية لا تقارن بكرة القدم الأوروبية، وأن الكرة الآسيوية ضعيفة بالمقارنة مع تلك الأوروبيّة، في حين أن المنتخب الإيراني يكتب التاريخ يوماً بعد آخر، في عالم كرة القدم، الرياضة الأولى في إيران.
الحصار الغربي لا يساعد اللاعبين الإيرانيين على الاحتراف في الدوريات الأوروبيّة


قبل الحديث عن سبب تقدم الكرة الإيرانيّة، فاللعبة الأكثر شعبيّة في العالم ليست مجرد أرقام وإحصائيات، إنها لعبة تحتاج إلى من يحبّها وإلى من يعلم كيف يتعامل معها. نجاح المنتخب الإيراني يعتبر واجهة لنجاح كرة القدم الآسيوية في السنوات الأخيرة الماضية، حيث أصبحت المنتخبات الآسيويّة أكثر تنافسية مقارنةً بالسنوات الماضية. هناك علاقة بين مستوى الدوريات المحليّة في أي دولة، وأداء المنتخبات الوطنيّة، إلا أنها في الوقت عينه ليست ثابتة ولا يمكن اعتمادها كمعيار للنجاح. فعلى سبيل المثال، كانت كل من إسبانيا وإنكلترا في بطولة كأس العالم في البرازيل 2010 قد فشلت في تقديم ما لديها من إمكانات، وكل من الدولتين تملك أفضل الدوريات على صعيد العالم. يمكن الأخذ بعين الاعتبار هنا أيضاً، التجربة الصينيّة، حيث يعتبر الدوري الصيني اليوم، أحد الدوريات التي تستقطب النجوم، في حين أن مستوى المنتخب الصيني سيئ ولا يقدم الأداء الذي ينتظره المشجعون. هنا يحسب هذا الأمر للكرة الإيرانية، التي تقدم أوراق اعتمادها مع كل بطولة قاريّة، كيف لا وهي الدولة التي تأهلت إلى كأس العالم ثلاث مرّات في آخر 4 نسخ موندياليّة. وتعتبر إيران أيضاً، المصنّفة الأولى آسيوياً منذ سنوات، هل كل هذه النجاحات أتت من باب الصدفة؟ بالطبع لا. الإيرانيون تربطهم علاقة «شغف» مع كرة القدم، وهذا ما يفتقده الكثير من منتخبات آسيا.
مباراة دربي طهران، بين كل من فريقي استقلال وبرسيبوليس، قد تكون بالنسبة الى مشجعي كرة القدم ومتابعيها، مباراة عاديّة، وتمر مرور الكرام. إلا أن هذه المباراة تستقطب ما لا يقل عن 80 ألف مشجع إلى ملعب «أزادي»، وفي كثير من الأحيان، يتجاوز الحضور 100000 متفرج. إذا تمت المقارنة بين هذه الأرقام، وعلى سبيل المثال، متوسط الحضور في ملاعب كل من تشيلسي ويوفنتوس (41500 و39500) يمكن للمتابع حينها أن يعلم بأن دربي طهران هو واحدة من مباريات القمّة التي يتجاهلها الإعلام العالمي.
دائماً ما كان المنتخب الإيراني يقدّم أداءً مميّزاً في المحافل الكروية الكبرى، فمن ينسى إيران أمام المنتخب الأرجنتيني في كأس العالم 2014، حيث كاد أن يحقق نقطة أمام أحد أبرز المرشحين للفوز باللقب وقتها، لولا تسجيل ليونيل ميسي هدف الفوز في اللحظات الأخيرة. وفي كأس العالم الأخيرة أيضاً، الأداء البطولي الذي قدّمه الإيرانيون أمام المنتخب الإسباني. نجاح كبير تمر به الكرة الإيرانية في العقد الأخير، وتطوّر بشكل ملحوظ، يجعلها من بين أفضل الفرق العالمية وليس الآسيوية فقط.


رغم كل هذه الإنجازات والنجاحات، لا يلاحظ المتابعون الظهور الإيراني في الملاعب الأوروبية بشكل كبير، بل على العكس تماماً، هناك القليل من اللاعبين الإيرانيين الذي يحترفون في أقوى الدوريات الأوروبية. أسباب عدّة تجعل من اللاعبين الإيرانيين غير قادرين على اللعب هناك. ولعلّ العامل الرئيسي هو حالات الهجرة والقضايا المصرفيّة، والحصار الغربي لإيران. فهناك العديد من لاعبي كرة القدم الإيرانيين الذين عرضت عليهم عقود من الأندية الأوروبية، لكن الصفقات لم تتم بسبب الظروف السياسية المعقدة بين إيران والغرب أيضاً. للسياسة دور كبير في عدم احتراف اللاعبين الإيرانيين في الدوريات الخمسة الكبرى. أضف إلى ذلك أن إيران تعتبر بلداً شبه معزول عن الغرب. الصّورة الإيرانية التي يحاول الغرب تشويهها أو التصويب عليها، هي في حقيقتها مختلفة، ونظيفة، بل إن كرة القدم الإيرانية تتفوّق وبفارق كبير عن كثير من الدول الأوروبية التي تتغنّى بدورياتها المحليّة. لا يتم الحديث عن المنتخب الإيراني ونجاحاته كما يتم الحديث عن دولة لا تقدّم الكثير في عالم كرة القدم، على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأميركية. فنرى، من خلال الإعلام، أن الدوري الأميركي دوري مهم في كرة القدم، وأبرز اللاعبين الأوروبيين واللاتينيين يذهبون إلى هناك، رغم أنه فنياً، بعيد كل البعد عن الدوري الإيراني والكرة الإيرانية (الأمر عينه بالنسبة الى المنتخبين الإيراني والأميركي).
النظرة العالمية تنسحب إلى آسيا، فعلى الرغم من أن إيران تقدّم بشكل متواصل أداءً مميزاً في البطولات القاريّة، يبقى الإعلام يتغنّى بمنتخبات «النمور الآسيوية» على غرار كوريا الجنوبية واليابان وغيرهما من الدول التي ابتعدت في السنوات الماضية عن جو المنافسة، الأمر الذي يجعل وسائل الإعلام تلقي بضوئها على هذين البلدين، هو الاحتراف. فنرى في كثير من الفرق الأوروبيّة لاعبين يابانيين يشاركون مع هذه الفرق، من دون وجود أي قيود تمنعهم من أبراز موهبتهم في أوروبا. العكس تماماً يحدث مع إيران.
ها هو اليوم، المنتخب الإيراني، رغم كل هذه الضغوط، يستمر في تقديم الأفضل، ويحارب على حسابه الخاص، كل العالم الغربي الذي لا يتمنّى وقوف الإيرانيين على منصّات التتويج، ويعتبر أبرز المرشحين للفوز باللقب الآسيوي في نسخته الإماراتية 2019. وسيكون الاعتماد بشكل مباشر على النجم الصغير سردار أوزمون، نجم روبن كازان الروسي (ولا عجب من احترافه في روسيا، من غيرها من الدول الأوروبية). المدرب كارلوس كيروش، سيحمل على عاتقه عبء كل هذه الانتقادات، ولم لا، يصل إلى المباراة النهائيّة، ليبرهن على أن المنتخب الإيراني يجب أن يكون محط اهتمام الإعلام الرياضي الآسيوي والعالمي، وأن يكون مادّة دسمة لوسائل الإعلام، تحت عنوان «المحارب في وجه العالم».
وتلتقي إيران ضمن دور ربع النهائي اليوم (18:00 بتوقيت بيروت) المنتخب الصيني. أمّا المباراة الثانية فتجمع كلاً من فييتنام واليابان (15:00 بتوقيت بيروت).