منذ انطلاق بطولة كأس آسيا عام 1956، لم تشهد نهائياتها مشاركةً عربيةً حاشدةً كما تشهده نسخة 2019. العرس الآسيوي الذي سجل مشاركة 9 منتخبات عربية، لم تتمكن جميعها من الاستعداد بشكل مناسب، لما تعيشه بلادها من ظروف صعبة. منتخبات سوريا، اليمن، فلسطين والعراق الغارقة في النزاعات، تأمل عبر مشاركتها الحالية في رسم البسمة من جديد على وجوه شعوبٍ شتّتها الحرب، وأتعبها الاحتلال. وها هي شعوبها تثبت أنّ إرادة الحياة لديها أقوى من كل نزعة عدوانية لطمس هويتها ودفنها في المآسي.
«الفدائي» حاضر على رغم التضييقات
يتشارك المنتخب الفلسطيني المجموعة الثانية مع نظيره السوري. إلا أنه في مشاركته الثانية في كأس آسيا، لن يمثل «الفدائي» الشعب الفلسطيني فقط، بل كل المظلومين في العالم. المنتخب الذي فشل في ترك بصمة في كأس آسيا 2015، يحظى بتعاطف ودعم كبيرين نظراً لما تشهده الأراضي الفلسطينيّة من احتلال، وشعبها من تنكيل من قبل الصهاينة. يعاني المنتخب من ظروف صعبة ومشاكل في التحضير في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يعرقل انتظام منافسات الكرة في فلسطين، ويحرم لاعبي المنتخب من التجمع والتدريب في ظروف مناسبة قبل مبارياته. ولا يجب نسيان استهداف الكيان الصهيوني للبنية التحتيّة في قطاع غزة واستشهاد الرياضيين خلال المعارك، في الوقت الذي يُواصل فيه منع البعثات الرياضية من الدخول إلى فلسطين المحتلة للحدّ من تطور الكرة الفلسطينية. إلى جانب ذلك، يستمر مسلسل حرمان الكثير من اللاعبين من الاحتراف خارج الأراضي المحتلة، حتى أنه تُمنع عنهم التبرعات مثل المعدات الرياضية. كما يواجه المنتخب تعقيدات كثيرة تحرمه أحياناً من السفر لخوض المباريات والبطولات، أو تدفعه للتأخر في هذه الرحلات ومواجهة محطات صعبة خلال تنقلاته. ويعتمد المنتخب على مجموعة من اللاعبين الذين ينشطون في الأندية المحلية، الأمر الذي لا يوفر لهم استعداداً جيداً، إلا أنّ وجود أكثر من لاعب محترف خارج فلسطين يمنحهم الأمل بإسعاد مواطنيهم، على رغم عدم احتراف أيٍّ منهم في أندية أوروبية كبيرة. واللافت في التشكيلة الفلسطينية وجود اللاعب سامح مراعبة الذي يمثل أحد الأسماء الأكثر شهرة في قائمة المنتخب، إذ إنه صاحب قصة مختلفة عن العديد من اللاعبين المشاركين في البطولة الآسيوية. ويعود مراعبة لتمثيل بلاده بعدما قضت محكمة تابعة للكيان الصهيوني بسجنه 8 شهور ودفع غرامة مالية قدرها 1100 دولار عام 2014، بعدما اعتُقل اللاعب خلال عودته من معسكر خارجي مع المنتخب. وعادت السلطات الصهيونية لاحتجازه مرة أخرى أثناء توجهه إلى تونس من أجل إقامة معسكر تدريبي مع المنتخب، ليمضي عاماً بين الاعتقال والمنع من السفر. وعلى رغم الظروف العسيرة والتضييقات الإسرائيلية، إلا أنّ مشاركة «الفدائي» تبقى من جديد بارقة أمل للفلسطينيين.
اعتقلت سلطات الاحتلال اللاعب الفلسطيني سامح مراعبة عام 2014 وأمضى عاماً بين الاعتقال والمنع من السفر


تعود سوريا إلى الساحة القارية من جديد، بعدما حلّق «نسور قاسيون» للمرة الأخيرة في البطولة الآسيوية التي كانت مقامة في قطر عام 2011، قبل أسابيع على الأزمة التي لا تزال مستمرة حتي اليوم. أزمةٌ فتكت بالكرة السورية. بطبيعة الحال، توقفت منافسات الدوري تأثراً بالحرب، إلا أنها عادت بشكل خجول إلى مناطق بقيت بعيدة عن أعمال العنف كدمشق ومدن ساحلية، و بشكل تدريجي لاحقاً إلى مدن استعاد الجيش السوري السيطرة عليها كحمص وحلب. الحرب التي ولدت انقسامات سياسية كبيرة في سوريا، ألقت بثقلها على الكرة السورية أيضاً، إذ شهد المنتخب ابتعاد عدد من اللاعبين عنه لأسباب سياسية، وعلى رأسهم فراس الخطيب لاعب نادي السالمية الكويتي. إلا أنّ الخطيب عاد لاحقاً إلى صفوف النسور، ولكن الإصابة أبعدته عن البطولة الآسيوية الحالية (سيعود إذا تأهلت سوريا للدور الثاني). يحاول اللاعبون الابتعاد عن الخلافات السياسية وإبقائها خارج المستطيل الأخضر، علّ توحدهم كروياً يخفف وطأة معاناتهم، وينسيهم ضياع فرصة التأهل إلى مونديال روسيا الماضي في الأمتار الأخيرة. المنتخب تعثر في أول مباراتين له، خسر أمام الأردن بهدفين من دون رد، وتعادل أمام فلسطين، وتبقى أمام المنتخب السوري مباراة صعبة أمام أستراليا. وفي الوقت الذي لا تزال سوريا ممنوعة من استضافة المباريات على أراضيها، إلا أنها تأمل بتصحيح الأخطاء والتأهل إلى الأدوار المقبلة في البطولة الرسمية الأولى لها بعد أكثر من 8 سنوات من الحرب، إذ فشل المنتخب السوري في تخطي دور المجموعات خلال مشاركاته الخمس في كأس آسيا سابقاً.

اليمن يدخل التاريخ
في سابقة غير معهودة، نسي اليمنيون صوت المدافع ودويّ القذائف. بعدما دخل العدوان السعودي على اليمن عامه الرابع، عادت الفرحة ولو مؤقتاً، إلى قلوب الشعب المقهور، بعدما تمكن منتخب اليمن من التأهل للمرة الأولى في تاريخه إلى كأس آسيا. فعلى رغم ويلات الحرب والحصار الذي يعاني منه الشعب اليمني، تمكن المنتخب من صناعة الحدث والمشاركة في البطولة، بعدما ضاعفت الأزمة في البلاد آلام الكرة اليمنيّة. وتشهد الحياة الرياضيّة شللاً في اليمن جراء العدوان الذي تشهده البلاد، لا سيما بعد توقف عجلة الدوري مطلع العام 2015. التقدم اللافت الذي حققه «اليمن السعيد» لم يكن سهلاً، إذ اضطر المنتخب العام الماضي قبل مباراته الأخيرة مع الفيليبين، أن يعبر براً من صنعاء إلى سلطنة عُمان، في رحلة شاقة استمرت أربعة أيام، بسبب الحصار البري والجوي الذي يفرضه «التحالف» بقيادة السعودية على مطار صنعاء الدولي! وفي ظل صعوبة اللعب في اليمن، استفاد بعض لاعبيه من الاحتراف في قطر لاستثنائهم من الحد الأقصى للاعبين الأجانب، على غرار نجمهم علاء الصاصي لاعب السيلية القطري والذي بات أبرز نجومه منذ اعتزال علي النونو. وبسبب ظروف الاستعدادات الصعبة وقلة المباريات الإعدادية التي خاضها المنتخب اليمني، فإن مشاركته ستكون رمزية والأكيد أنه لن يذهب بعيداً في البطولة، تحت قيادة المدرب السلوفاكي جان كوسيان، الذي يشرف على المنتخب منذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بدلاً من الإثيوبي أشنافي بيكيلي.

«أسود الرافدين» حاضرون
تصدر منتخب العراق عناوين الصحف العالمية عام 2007 بعد أن سجل يونس محمود الهدف الوحيد في المباراة النهائيّة لبطولة آسيا ضد المنتخب السعودي، ليحقق المنتخب العراقي بذلك المجد القاري. ويبحث «أسود الرافدين» عن مفاجأةٍ مدوية جديدة كتلك التي حققها منذ 12 عاماً. وتعوّل تشكيلة مدربه السلوفيني سريتشكو كاتانيتش على ظهير أتالانتا الإيطالي علي عدنان، لاعب وسط بيرسيبوليس الإيراني بشار رسن والمهاجم اليافع مهند علي. وعانى العراق في السنوات الماضية كثيراً جراء ممارسات تنظيم داعش الإرهابي في أكثر من محافظة، لا سيّما في الموصل، كما تأثرت الرياضة كثيراً في بلاد الرافدين، بسبب الظروف الأمنية الصعبة، والحرب التي خاضتها القوات الأمنية العراقية وقوات الحشد الشعبي على التنظيمات الإرهابية في أكثر من منطقة. كما أن سلسلة التفجيرات الطويلة التي ضربت العراق أثرت في الحياة الرياضية في البلاد. خلال الأشهر القليلة الماضية استعادت الرياضة جزءاً من رونقها، لا سيّما كرة القدم، فبعد تحسن الأوضاع الأمنية وإعادة سيطرة الجيش على مختلف المناطق، افتتحت وزارة الشباب والرياضة عدداً من ملاعب كرة القدم الجديدة في عدد من المحافظات بينها كربلاء، وهي ملاعب بمواصفات عالمية استفادت منها كرة القدم العراقية واللاعبون خلال فترة الإعداد لبطولة آسيا. العراق يشارك في البطولة وهو مرشح للذهاب بعيداً على عكس بقية المنتخبات التي تعاني بلادها من ظروف صعبة، وهي غير قادرة على تقديم المستوى الذي يؤهلها إلى المراحل المتقدمة في البطولة.
يلتقي منتخبي العراق واليمن عند الساعة الثالثة والنصف بتوقيت بيروت اليوم السبت، في مباراة من المتوقع أن تذهب للمنتخب العراقي، ويحسم تأهله للدور الثاني.