«يمكنني أن أتخيل أنفسنا في خنادق نحارب إلى جانب إسرائيل ضد إيران». هذا ما صرّح به ولي عهد أبو ظبي إلى قادة إسرائيليين قبل عقدين من الزمن. هنا، لا داعي للشرح كثيراً والتفصيل في العلاقات الإماراتية ــــ الإسرائيلية «الوثيقة»، فالأمور تبدو واضحة للجميع. زيارات وصفقات في الخفاء، وتصريحات وإنكارات في العلن. الجديد تطبيع، وعلاقات رياضيّة تنتقل من السر إلى العلن، ترتقي لتصبح وثيقة أكثر من أي وقت مضى.في أحدث مساعي «التقارب» الرياضي بين الكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة، تخطو الأخيرة نحو خطوةٍ تطبيعية جديدة مع كيان الاحتلال، حين تستقبل الأسبوع المقبل المنتخب الإسرائيلي للجودو ضمن الدوري الدولي للجودو المقرر عقده في مدينة أبو ظبي. بالطبع، ليس هذا بالأمر المفاجئ، إذ استضافت الإمارات المنتخب عينه في البطولة نفسها (غراند سلام أبو ظبي) العام الماضي. إلا أنّ الجهة المنظمة للبطولة في أبو ظبي منعت حينها الرياضيين الإسرائيليين من ارتداء ملابس تحمل شعار دولتهم، ولم تسمح بعزف النشيد الوطني الإسرائيلي «حفاظاً على سلامتهم» وفق ما قالت، بسبب إمكانية تعرضهم لأي سوء من الجمهور، سواء داخل القاعة أو خارجها. كما أبلغت الوفد الرياضي الصهيوني في تلك البطولة أنه لن يتم عزف النشيد الوطني أو رفع الرموز الإسرائيلية، لا لأن الدولة تعلن قطع العلاقات مع تل أبيب، وإنما لأسباب «شعبية». الموضوع واضح، وليس بحاجة إلى أي شرح، الإمارات تخاف على سلامة اللاعبين الصهاينة ومشاعرهم أكثر من أي شيء آخر. آنذاك، فاز اللاعب الإسرائيلي تال فليكر بذهبية وزن 66 كيلوغراماً. وخلال توزيع الميداليات، لم يعزف النشيد الإسرائيلي «هاتيكفا» (الأمل)، بل عُزف لحن الاتحاد الدولي للجودو، الأمر الذي عرّض الجهة المنظمة لانتقادات من الاتحاد الدولي للجودو ومن جهات إسرائيلية ودولية.
عقب البطولة، انتقدت وزيرة الثقافة والرياضة الصهيونية ميري ريغف الإجراءات الإماراتية ضد فريق بلادها، وقالت إنّ إحراز منتخب الجودو الإسرائيلي ميداليتين ذهبية وبرونزية، يعتبر «إصبعاً في عين إمارة أبو ظبي»، حسبما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. «كرم الضيافة الإماراتي» لم يعجب الصهاينة الذين طالبوا بالمزيد. هذا العام، لن تغرز ريغف إصبعاً واحداً في عين الإمارة، بل أصابعها العشرة. فقد تفاخرت الوزيرة الإسرائيلية أخيراً بأنّ المنتخب الإسرائيلي سيلعب في أبو ظبي وسيفوز، وأنّ علم «إسرائيل» سيرفع، والنشيد الإسرائيلي سيعزف. كيف لا، و«كرم الضيافة الإماراتية لا حدود له». وحسب ريغيف، فإنّ السلطات الإماراتية أعطت موافقتها الرسمية على مشاركة المنتخب الإسرائيلي في المباريات الدولية على أراضيها تحت «علمهم الوطني». تحاول الإمارات تحسين الصورة أكثر هذا العام.
السلطات الإماراتية أعطت موافقتها على مشاركة المنتخب الإسرائيلي على أراضيها تحت «علمهم الوطني»


هكذا، رضخت الإمارات لضغوط الاتحاد الدولي للجودو، الذي هددها بإلغاء المسابقة بحسب وكالة Bloomberg الأميركية. وكان الاتحاد الدولي للجودو قد أعلن في يوليو/ تموز الماضي أنه سيؤجل اثنتين من مسابقاته، «أبو ظبي غراند سلام» و«تونس غراند بركس» بعدما تقاعست هاتان الدولتان عن تقديم ضمانات بشأن «مشاركة حرة ومتساوية لجميع الدول في هاتين المسابقتين». ورغم القرار السابق للاتحاد الدولي بمنع الإمارات من استضافة البطولة، إلا أنه حريصٌ على عقدها في أبو ظبي. فتنظيم بطولة كهذه تكلف الاتحاد نحو مليون دولار، وهو لا يتحمل أي تكاليف منها في أبو ظبي، ولهذا فهو معني بالإبقاء على تنظيم هذه البطولات هناك. لذلك، وبعد مرور أسبوعين على القرار، تمكن رئيس الاتحاد الدولي للجودو موريس فايزر، من التوصل إلى تفاهم مع مسؤولي رياضة الجودو في الإمارات. وهذه التفاهمات تقضي باسترداد الاتحادات العربية لرياضة الجودو حقها باستضافة بطولة الجائزة الكبرى بالجودو، ولكن عليها أن تمكن «إسرائيل» من المشاركة تحت العلم الإسرائيلي. على أثر ذلك، سارع اتحاد الجودو في الإمارات العربية المتحدة إلى وعد الرياضيين الإسرائيليين بـ«التمتع بحقوق نظرائهم نفسها». وقال الاتحاد الدولي للجودو في بيان نشره على موقعه الإلكتروني «سيسمح هذا القرار التاريخي لجميع الدول بإظهار شاراتها وأناشيدها الوطنية، بما في ذلك إسرائيل». إذاً، العلم الإسرائيلي سيكون موجوداً في كل مكان رسمي بالبطولة: في محيط البطولة، على لوحة النتائج، وعلى رداء الرياضيين المشاركين. رفضٌ إماراتي العام الماضي للشعارات الإسرائيلية، يليه قبول بها هذا العام. هذا الأمر يجعلنا نتساءل عن الخطوة المقبلة، ربما دعوةٌ لعضوية «إسرائيل» في جامعة الدول العربية. لمَ لا؟!
لكن الإمارات لن تكون أول دولةٍ عربية يعزف فيها النشيد الوطني الإسرائيلي، فقد سبقتها في خطف هذا «الشرف» المملكة المغربية، إذ تم عزف الـ«هاتيكفا» أثناء تسليم الميداليات لرياضيين إسرائيليين في مدينة أغادير جنوب العاصمة المغربية الرباط، التي استضافت بطولة العالم للجودو مطلع العام الحالي. حينها أثارت مشاركة الوفد الإسرائيلي في منافسات البطولة موجة من السخط والاستياء في الشارع المغربي، لكن المغرب التي كانت تستعد لإيداع ملف ترشيحها لاحتضان مونديال 2026، سعت إلى حشد التأييد لملفها، ولم تُرد لأي قرار سياسي أن يؤثر على مسار ملف المونديال، الذي لطالما عاند الحظ المغرب في الفوز به. ومن «سخرية القدر» أنها فشلت للمرة الخامسة في تحقيق حلم استضافة العرس العالمي، إذ فاز الملف المشترك بين أميركا وكندا والمكسيك بشرف تنظيم البطولة. حسابات المغرب لم تتطابق مع حسابات الأميركيين والأوروبيين وحتى بعض العرب، الذين لم يتركوا أميركا والكيان الصهيوني كرمى لعيون الرباط.
وفي تأكيدٍ للعلاقة الوثيقة بين الإمارات و«إسرائيل» رغم عدم وجود «علاقات رسمية» بينهما، غرد مراسل هيئة البث الإسرائيلي شمعون آران في أيار/ مايو الماضي بنشر صورة لممثلة مؤسسة رياضية إماراتية برفقة ممثلة عن مؤسسة رياضية إسرائيلية بمناسبة مشاركتهما في مؤتمر رياضي دولي في غابورون عاصمة بوتسوانا. وقبل ذلك بأيام، التقى الفريق النسائي الإماراتي نظيره الإسرائيلي في بطولة أوروبا المفتوحة للكرة الطائرة في مباراة جمعت بينهما في جبل طارق، وذلك بعد أيام من استضافة تل أبيب دراجين من الإمارات والبحرين في «سباق القدس». وقوبلت هذه المقابلات التطبيعية بترحيب إسرائيلي واسع، إذ وصفتها بالاختراق الكبير والانتصار الإسرائيلي، كما أكد يوناثان جونين المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء في تغريدتين لهما.
تجدر الإشارة إلى أنّ التطبيع بين «إسرائيل» والإمارات، وأبو ظبي تحديداً، لا يتوقف عند حدود الرياضة. فقد أشارت تقارير صحافية إلى استعانة أبو ظبي بشركات أمن إسرائيلية لتنفيذ مشروع «عين الصقر» الذي يضم أنظمة مراقبة شاملة لمختلف المرافق المدنية والحيوية في الإمارة، والتجسس على تحركات المواطنين، إلى جانب مشاركة «إسرائيل» في مؤتمر الطاقة الذي أقيم في أبو ظبي، ومشاركة الإمارات نهاية عام 2017 في مناورات «العلم الأحمر» في اليونان إلى جانب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. الجميع يلاحظ إذاً علاقات التعاون الإماراتية ــــ الإسرائيلية والزيارات المتبادلة بين البلدين، فما الذي تخشاه الإمارات بعدم إظهار تلك العلاقة إلى العلن؟ ولم تدّعي قطع العلاقات بينهما؟ لقد تجاوزت الإمارات مرحلة التطبيع مع الكيان الصهيوني بأشواط وبلغت مستوى التحالف، ولعلّ استضافتها للمنتخب الإسرائيلي ما هي إلا محاولة منها لإضفاء الشرعية على العدو الصهيوني.