صبيحة اليوم التالي للمباراة التي قاد فيها نجم ليفربول الإنكليزي محمد صلاح منتخب بلاده مصر للفوز على الكونغو والتأهل إلى مونديال روسيا للمرة الأولى منذ 28 عاماً، احتفل المصريون على مواقع التواصل وحوّلوا كلمة «صباح الخير» إلى «صلاح الخير». لماذا؟ لأن صلاح لم يتأثر بالنجومية العالمية التي هبطت عليه في أشهر قليلة. ظل صلاح نفسه. لم ينس قريته نجريج وبلاده. ذلك هو الوجه الآخر لنجم مصر الأول. الوجه الذي يوازي شهرته. إنه النجم العالمي في ليفربول وأوروبا، لكنه في شوارع نجريج والقاهرة والاسكندرية والاسماعيلية والمنصورة مواطن عادي. هناك هو كالبقية. صوره منتشرة في نجريج وباقي المدن المصرية. في الساحات والأزقة والمقاهي الشعبية. «أبو صلاح» يعيش في ليفربول لكن طيفه حاضر في كل الأمكنة في بلد النيل. يسكن قلوب المصريين. هنا الحب له فطريّ، لا تَكلُّف فيه. بالطبع، فإن شخصية صلاح ومبادلته الحب للجماهير المصرية زاد من تعلّق هؤلاء به. تواضع وأخلاق صلاح يُشهد لهما، أما مبادراته الإنسانية وأعماله الخيرية فهي لن تعوض مآسي المصريين مع دولتهم، لكنها ترمي حجراً في بئر أحزانهم. قد يأخذ البعض على نجوم في الكرة العالمية قيامهم بتبرّعات وأعمال خيرية وخوضهم مباريات يعود ريعها لهذه الأعمال بأنها تصبّ في مكان ما في مصلحة سعي النجم لتلميع صورته والحصول على مزيد من الشهرة، هذا ممكن، لكن ما يميّز صلاح أن أكثر أعماله لا يتحدّث عنها بل تأخذ طريقها إلى العلن من خلال المستفيدين منها.هذا ما حصل في المبادرة الإنسانية الأخيرة مثلاً. صلاح سيتبرّع بتكاليف سفر وعلاج شاب مصري في ألمانيا تعرّض للسقوط من القطار بسبب التدافع والازدحام ما أدى إلى بتر ساقَيه. قصة إنسانية مؤثرة، لكن من كشف عنها لم يكن نجم ليفربول بل والدة الشاب الطالب في كلية الهندسة في مداخلة لأحد البرامج في إحدى المحطات المصرية. الحديث عن المبادرات الإنسانية والأعمال الخيرية لصلاح لا ينتهي، وهذا ما جعل الكثير من وسائل الاعلام المصرية والعالمية تسلّط الضوء عليها. جانب كبير من هذه الأعمال خصّصه صلاح للمرضى والأطفال. على سبيل المثال، فقد تبرّع بمبلغ 12 مليون جنيه مصري لأحد مستشفيات سرطان الأطفال. وفي قريته نجريج، ساهم في إنشاء وحدة غسيل كلوي بالاضافة إلى وحدة تنفّس صناعي وتبرّع بتقديم أول وحدة إسعاف في القرية، هذا فضلاً عن دعم تأمين المواد الغذائية تحت إدارة البلدية. كذلك، فإنه تكفّل بإنشاء وحدة استقبال لحالات الطوارئ في مستشفى بسيون التابع لمحافظة الغربية بعد شكوى الأهالي من تدهور الحالات الصحيّة لعدم وجود وحدة استقبال، بالإضافة إلى مساهمته في إنشاء غرفة عمليات مجهّزة بأفضل المعدّات في المستشفى ذاتها. كذلك، فإن صلاح تبرّع بمبلغ 5 ملايين جنيه لصندوق «تحيا مصر» للمساهمة في علاج مرضى الكبد الوبائي و»فيروس سي»، والمبلغ عينه لدعم مستشفيات في مدينة طنطا.
لم ينس اللاعبين المصريين المعتزلين الذين يصبحون على الهامش ويعانون الضائقة المادية بعد انتهاء مشوارهم في الملاعب، حيث تبرّع بمبلغ كبير لجمعية اللاعبين المصريين القدامى التي تنفق على حوالى 120 عائلة للاعبين سابقين. كما يلفت اهتمام صلاح بالشباب ودوره في محاولة إبعادهم عن الآفات. الأمر لا يتوقّف على أكاديمية كرة القدم في نجريج، بل على دفعهم للعلم حيث تبرّع لتطوير مدرسته الابتدائية في قريته ويقوم بتمويل بناء مدرسة للبنات، فضلاً عن أنه تبرّع بإنشاء معهد ديني في نجريج. أضف إلى ذلك فإنه يدفع تكاليف الزواج للعديد من شباب قريته. وعلى مستوى مصر فقد ساهم صلاح في حملة توعية للشباب حول مخاطر المخدرات وقام بتصوير إعلانات مجانية لهذه الغاية.
في مقابلة من مقابلاته الأخيرة يقول صلاح: «لن أنسى من أين جئت، كلنا بشر ومطالبون بأداء عملنا بشكل جيد. أسافر كثيراً إلى قريتي لأبقى متذكّراً أنني من هذا المكان». وهذا أفضل ما في الأمر.