لن تكون أنظار المتابعين مصوَّبة نحو ملعب الـ«ميستايا» في اسبانيا لمتابعة مباراة الاياب بين أصحاب الأرض فالنسيا والضيف باير ليفركوزن الألماني لمجرد أن الفريقين يتنافسان بضراوة على البطاقة الثانية في مجموعتهما المؤهلة الى دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا برفقة تشلسي الانكليزي فحسب، بل ثمة لاعب سيكون موجوداً في الملعب، ورغم بلوغه عامه الـ35، لا يزال يحظى بتقدير الجماهير ومحبتهم ومتابعتهم ازاء ما يقدمه في الآونة الأخيرة... إنه ميكايل بالاك.
يحتار المرء من أين يبدأ عند الحديث عن لاعب بحجم بالاك، هل من قيادته ألمانيا الى نهائي مونديال 2002 ونصف نهائي مونديال 2006 ونهائي كأس أوروبا 2008 وقيادته ليفركوزن الى نهائي دوري أبطال اوروبا عام 2002، أم من أهدافه الرائعة وتسديداته الصاروخية، أم من قدراته القيادية وشخصيته القوية التي يصعب ايجاد مثيل لها، أم من تفانيه عندما اعترض طريق احد لاعبي كوريا الجنوبية في المونديال الآسيوي مانعاً إياه من تسجيل هدف، ما أدى الى نيله بطاقة صفراء حرمته من المشاركة في نهائي كأس العالم 2002؟ لا شك في أن بالاك قدّم نموذجاً للاعب القائد في الميدان من خلال قدرته على التحكم بمجريات الامور واعطاء التعليمات لزملائه واستبساله في أداءه على أرض الملعب، الأمر الذي كان يبثّ الروح والحماسة في رفاقه، إن في المنتخب الوطني أو مع الفرق التي ارتدى قميصها. صفات جعلت من بالاك من أهم اللاعبين الذين أنجبتهم كرة القدم، على الأقل في المركز الذي يشغله في الملعب كما هو واضح من اطلاق الالمان عليه لقب «القيصر الصغير» تيمّناً بالقيصر فرانتس بكنباور قائد ألمانيا السابق، ومن اختيار «الملك» البرازيلي بيليه له من بين 100 أفضل لاعب في التاريخ لا يزالون على قيد الحياة.

عصارة هذه التجربة لمن لم يُتح له أن يتابع بالاك كثيراً بإمكانه أن يطّلع عليها في الوقت الحالي مع باير ليفركوزن. فقد استطاع «القيصر الصغير» ان يستعيد ذكريات الشباب، حيث سجل هدفاً جميلاً امام غنك البلجيكي بترويضه الكرة على صدره ومن ثم تسديدها من خارج منطقة الجزاء، وصناعته هدفاً بطريقة أكثر من رائعة لسيدني سام امام فالنسيا في مباراة الذهاب، وتسجيله هدف الانتصار في المرحلة الأخيرة من الدوري المحلي امام فرايبورغ، إضافة الى روحه القتالية في الملعب، فإن كل ذلك يدل على ان «المايسترو» يعيش إحدى أجمل فترات مسيرته، خصوصاً ان كل ذلك يحدث في النادي الذي شهد انطلاقة نجوميته، إذ استطاع بالاك ان يفرض نفسه أساسياً في تشكيلة المدرب روبن دوت، وحتى ان تُعلن حالة الطوارئ في النادي من اجل معالجة الكسر في أنفه لكي يلحق بمباراة الليلة (سيرتدي قناعاً واقياً)، وذلك بعد ان كان جليس مقاعد البدلاء طيلة الموسم الفائت حتى وصل به الأمر إلى أن يوضع على لائحة الانتقالات في الصيف. قد يتساءل البعض عن السر الذي يقف وراء بذل لاعب في مثل هذه السن لكل هذا المجهود، خصوصاً أنه ليس بحاجة الى تقديم إثبات لجدارته بصفة النجم. هذا الامر يمكن ربطه بالدرجة الاولى بشخصية بالاك، إذ إن «القيصر الصغير» عُرف بشخصيته القوية التي لا تعرف كلمة الاستسلام في قاموسها، من هذا المنطلق يبدو «المايسترو» في تحد مع ذاته ليثبت أنه ما زال قادراً على العطاء والقيادة في الميدان بعد أن تعرض لانتقادات قاسية في بلاده نجم عنها إخراجه من المنتخب الوطني بطريقة بدت ظالمة بحقه برأي الكثيرين، عندما حدد الاتحاد الألماني لكرة القدم من تلقاء نفسه المباراة الودية امام البرازيل كوداعية لميكايل على المستوى الدولي.
بالتأكيد تعرّض بالاك للإجحاف مرتين في حياته الكروية؛ الاولى عندما تخلى الحظ عنه في المباريات النهائية الكبرى ولم يكافأ على مجهوداته بنيله إحدى الجوائز الفردية المهمة، والثانية عندما حُرم من اختتام مسيرته مع منتخب بلاده بالطريقة التي يحلم بها أي لاعب. لكن ذلك لا يمنع من ان بالاك قدم ولا يزال يفعل ما يكفي لكي يكافأ بلقب: «الرمز». رمز للعطاء والتفاني والقيادة.



قدوة للناشئين

يرى روبن دوت، مدرب باير ليفركوزن، أن وجود بالاك مع الفريق مفيد لما يتمتع به من خبرة يستفيد منها اللاعبون الناشئون، أمثال أندريه شورلي وسيدني سام ولارس بندر، الذين يرون فيه قدوة حقيقية.