كان بعد ظهر أمس استثنائياً بين وسط بيروت والمنطقة المحيطة بالمدينة الرياضية. فالزحمة الخانقة لم يكن سببها حاجز أمني أو حادث سير أو حتى إغلاق المنفذ المحيط بمبنى الأمم المتحدة، بل تسلل جمهور منتخب لبنان الى الشوارع لتسجيل هدف الفوز في مرمى المشكّكين في عدم جدارتهم بالدخول الى الملاعب. والحقيقة أنها قليلة هي السيارات التي وجدت في هذا المحيط ولم تكن معنيّة بالمشوار نحو المدينة الرياضية، فالكل أراد ان يكون جزءاً من الجمهور، فكانت الزحمة هي المؤشر على أن اللقاء سيشهد إقبالاً جماهيرياً رهيباً. وهو مؤشر له بعدٌ أكبر بالنسبة الى احد المهندسين الوافدين الى الملعب، الذي تأكد مرة جديدة أن شبكة المواصلات في لبنان هي علّة البلد، فكان الردّ من احد رفاقه بأن من هندس الطرقات عرف سلفاً ان لبنان لن يكون يوماً بلداً كروياً، فانتفت الحاجة الى فتح منفذ أسهل الى الملعب أو حفر نفق للمترو مثل ما هي الحال عليه في البلدان المتقدّمة... لكن صورة أمس اوضحت ان «بلد الأرز» يمكنه ان يجمع حشداً بعيداً من مقاهي «الأراكيل»، ويمكنه ان يكون بلداً كروياً بامتياز. ورغم كل هذه المعاناة، كان الكلّ سعيداً لاعتبار نفسه جزءاً من الفسيفساء التي زيّنت مدرجات المدينة. والكلّ كان سعيداً للمشاركة في تصحيح الخطأ الذي وقع في 22 شباط 2006 أمام الكويت تحديداً، إذ دفنت الموشحات السياسية والمذهبية الكرة اللبنانية في ملعب بيروت البلدي، لكن قيامتها كانت من موقعٍ قريب هو المدينة الرياضية التي تعدّ أمثولة رياضية في هذا المجال، بوقوفها شامخة مجدداً عام 2000 بعدما دمّرها اجتياح العدو الإسرائيلي عام 1982.
الكل أراد ان يكون جزءاً من الجمهور، وعاد طفلاً متحمساً لمنتخبه المفضل. الكل قفز عندما سجل حسن معتوق الهدفين، والكل ضرب جبينه أو أعلى رأسه عندما أهدر محمد غدار فرصة ثمينة، والكل احمرّ وجهه عندما سجل محمد باقر يونس خطأ في مرماه. الكل يعني الكل، من رسميين ورؤساء أندية واعضاء اتحاد كرة القدم ومدربي المنتخبات الوطنية المختلفة، كانوا مشجعين متعصّبين، استنفروا عندما تلاسن فهد العنيزي مع رضا عنتر، وانزلوا اللعنات على الحكم عندما رفض احتساب خطأ لمصلحة لبنان في مكان حساس.
أعضاء الاتحاد افترشوا الارض، إذ لم يجد جورج شاهين وسيمون الدويهي وجهاد الشحف كرسياً، فهم تبرّعوا بأماكنهم لضيوف الاتحادات الشقيقة، ولم يمانعوا في «زرك» أنفسهم في الاماكن المتاحة، ومثلهم فعل المدرب الجديد لمنتخب الصالات الاسباني باكو أراوجو المفاجأ بالهدوء الأمني في لبنان، عكس ما كان يسمعه في وسائل الاعلام خارجياً على حدّ قوله.
كل هؤلاء أرادوا ان يكونوا مشجعين للاعبين، لكن في مقلبٍ آخر كان هناك مشجعون للجماهير ايضاً. فها هي القوى الامنية تتسامح مع مشجعٍ سبّب وقف المباراة بدخوله الى أرض الميدان، فاتجهت الانظار الى مطارديه ذوي البزّات المرقّطة، لكن المفاجأة كانت أن عنصري الأمن تكفّلا بنقله على العربة الخاصة باللاعبين المصابين، وكرّماه بإيصاله سالماً لإكمال مشاهدة المباراة من المنصة!
«الدولة» كانت مشجّعة أيضاً في مشهدٍ آخر. كيف لا، وهناك عنصران من أمن الدولة يقفزان فرحاً عند تسجيل معتوق للهدف الثاني، ويصرخ أحدهما: «لا خوف على لبنان».
«لا خوف على لبنان» كلمات اختصرت النجاح المختلف الذي حصل أمس في المدينة الرياضية.